كان الجبرتى يقسم أهل مصر إلى الأمراء وأولاد البلد وأولاد العرب، أو المشايخ والحرافيش والعربان، كان هذا حال مصر والمصريين فى فترة ما قبل القرن 18، ولكن فى نهاية هذا القرن احتلت مصر من قبل نابليون فرنسا، وكانت أولى بصمات هذا الاحتلال تقسيم المصريين إلى مسلمين ونصارى ويهود، وأصبح الإنسان فى مصر -حسب المنشورات التى تصدر عن الفرنسيين- إما فرنساوياً أو مسلماً أو نصرانياً أو يهودياً، وكان واضحاً جدا استخدام الحملة الفرنسية على نطاق واسع أثناء وجودها فى مصر المسألة الطائفية فى اختراق النسيج المصرى، ومعظمنا يعرف قصة المعلم يعقوب ودوره فى افتعال الاحتقان بين المسلمين والأقباط فى ذلك الوقت. ثم جاء الإنجليز إلى مصر ودخلوا على المصريين من نفس باب الفتن الطائفية وحماية الأقليات، فاستخدموا موضوع الأقليات تحديداً كتبرير للغزو والعدوان والاحتلال، فى 11 يونيو سنة 1882م وقعت مشاجرة بين مواطن مصرى يدعى سيد العجان، وكان يعمل «عربجياً»، وكان يقوم بتوصيل أحد رعايا الإنجليز، وكان من مالطة، واشتبك العربجى مع الخواجة على قيمة أجرة التوصيل، ما أدى إلى مشاجرة تطورت إلى صدام بين المصريين واليونانيين. وترى كل المصادر التاريخية المحترمة أن تلك الحادثة مدبرة بالاتفاق بين الإنجليز والمالطى والأقلية اليونانية فى الإسكندرية لإحداث مذبحة لتبرير عملية الغزو، خاصة أن السفن الإنجليزية كانت قد وصلت بالفعل إلى ميناء الإسكندرية قبل أيام من ذلك الحادث. فى نفس الإطار سارت السياسة الإنجليزية فى إحداث نوع من المشاكل بين المسلمين والمسيحيين فى مصر، واستخدام هذه الورقة فى تثبيت وتبرير الاحتلال. ووصل الأمر فى عام 1911م إلى فتنة كبيرة، فتم عقد ما يسمى بالمؤتمر القبطى الذى طالب بما يسمى بحقوق الأقليات، وكانت أصابع الإنجليز واضحة وراء هذا المخطط، وقد كتب بعض المنصفين من الأقباط أنفسهم متهمين الإنجليز بالوقوف وراء تلك الحوادث، فسالم سيدهم اتهم أخنوخ فانوس «رئيس هذا المؤتمر القبطى» بالخيانة، وقال: «هذا أحد صنائع الإنجليز فى مصر والآلة التى يحركها الاحتلال». وأضاف: «إن إنجلترا تستخدم الخونة الذين لا ضمير لهم لقتل الروح الوطنية». وهكذا وإلى يومنا هذا توجد أصابع لها مصلحة فى أن تجعل مصر دولة غير مستقرة، فبعد أن كنا مصريين فقط قبل الحملة الفرنسية، وبعد أن صرنا مسلمين وأقباطاً بعد الاحتلال الإنجليزى، أصبحنا اليوم وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير إخواناً وسلفيين وجهاديين وصوفيين وليبراليين وعلمانيين ويساريين وأقباطاً، والكل خائف من الآخر ويتربص الفرصة لينقض على الآخر، وهنا الخطورة على مصر.. فهل يأتى اليوم الذى يدرك فيه المصريون أصل الحكاية ومغزاها، وأن وحدتنا وقوتنا يجب أن تكون فى تنوعنا، وأن الكل مصرى، وأن هذا الوطن يستحق منا الكثير؛ فنحن شعب واحد يتحدث بصوت واحد؟ فمتى ندرك ذلك؟