تظاهروا كما تريدون.. عبروا عن آرائكم ورفضكم واحتجاجكم كما تحبون.. لكن إياكم والعنف والاستدراج إليه.. فالعنف لا يولد إلا عنفاً.. بل المزيد من العنف.. اختلفوا مع من لا تعجبكم آراؤه أو مواقفه.. لكن دون استباحة للدم الحرام.. هل أصبحت التظاهرات مقرونة بالعنف؟! هل هناك محاولات لشيطنة التظاهرات، بعد أن تم شيطنة الثورة والثوار؟ مَن المستفيد من وراء ذلك؟! لِمَ كانت الدعوة إلى تظاهرة الجمعة الماضى؟ أبهدف تطهير القضاء؟! حسناً.. كنت أفهم أن تكون التظاهرة دعماً لاستقلال القضاء.. أقصد السلطة القضائية.. وهى القضية الأولى بالرعاية والاهتمام.. فالقضاء حينما يكون مستقلاً، يصبح صمام أمن العدالة والاستقرار داخل المجتمع.. من المؤكد أن لدينا قضاة ليسوا بعيدين عن الشبهات، لكن الجسم العام للقضاة سليم وفى عافية.. فلنحافظ عليه، لا أن نقوضه.. فلنسع إلى تقويته، لا إلى إضعافه. ما الذى جرى حتى يتغير التظاهر من دعم استقلال القضاء عام 2005 و2006 إلى دعوة لتطهير القضاء هذه الأيام؟! أو ليس هو نفس القضاء، أم أننا نقصد قضاءً غيره؟! وهل من الممكن أن يكون الفساد تفشى فى القضاء الذى دعمناه ووقفنا إلى جواره خلال تلك الفترة الوجيزة؟! لقد أشرف هذا القضاء على الانتخابات النيابية -شعب وشورى- فى نهاية العام الماضى، كما أشرف على انتخابات الرئاسة فى الجولتين -الأولى والثانية- فى منتصف عام 2012، ومع ذلك لم نسمع ولم نشاهد أحداً يدعو إلى تظاهرة مليونية لتطهير القضاء (!!) أهى ازدواجية معايير؟! هل إذا جاءت الأحكام والمواقف على هوانا، هللنا وطربنا، وإن لم تكن كذلك، أصابنا الهم والغم والكرب العظيم؟! واضح أن التظاهرة كانت تهيئة لإصدار تشريع من مجلس الشورى -ذى ال7 ٪- للإطاحة ب3500 قاضٍ، كما صرح بعضهم.. هى إذن مذبحة جديدة للقضاة، لكن بشكل غير مسبوق.. نحن بصدد انحراف تشريعى، سوف يحكم بعدم دستوريته، لأنه ليس مجرداً.. تماماً كما كان قانون العزل الذى أصدره مجلس الشعب «المنحل». فى الدول الديمقراطية، يكون هناك فصل حقيقى وتوازن تام بين السلطات؛ القضائية والتشريعية والتنفيذية.. أما فى الدول الاستبدادية، فعادة ما تتغول فيها السلطة التنفيذية على كل من السلطتين الأخريين.. وما نشاهده ونلحظه الآن هو سلوك استبدادى بكل المقاييس. إن كنتم تريدون تطهير القضاء، فلندع القضاء يطهر نفسه بنفسه.. ليكن التفتيش القضائى تابعاً لمجلس القضاء الأعلى، وليس لوزير العدل، حتى يكون هناك استقلال حقيقى للسلطة القضائية.. لقد قام رئيس الدولة -الذى يقبع على قمة هرم السلطة التنفيذية- بإصدار قرار بتعيين المستشار طلعت عبدالله نائباً عاماً، متغافلاً ومعتدياً بذلك على المجلس الأعلى للقضاء.. فلماذا لم تكن هناك دعوة إلى تظاهرة لدعم استقلال السلطة القضائية؟! يا سادة.. ما هكذا تورد الإبل.. تريدون النزول بسن المعاش للسادة القضاة إلى 60 سنة، فهل تتصورون أن ذلك سوف يقضى على الفساد؟!.. ثم ما ترتيب هذه القضية فى سلم الأولويات الآن؟ أرى أن إعادة هيكلة وزارة الداخلية أولى، حتى تعود إليها عافيتها سريعاً، وينعم الوطن والمواطن بالأمن والأمان.