المشروع ناقشته لجنة الثقافة والإبداع فى مجلس الشعب بحضور عدد من المبدعين وعدد آخر من نواب الشعب. ومضمون المشروع كما هو متوقع مزيج بين نقيضين: حديث منسق عن حرية الرأى والإبداع ومحاولة تقييد هذه الحرية. ينص المشروع على إعادة النظر فى كافة القوانين الاستثنائية التى من شأنها فرض أى سيطرة أو تحكم على الفكر والإبداع مهما كانت أهدافهما أو مسبباتهما، كما ينص على إلغاء عقوبة الحبس فى مجالات النشر الإعلامى والإبداع، ولكن مع استدراكات مثل: ما دامت لم تدعُ لهدم قيم أو عنف المجتمع. ويؤكد المشروع على عدم الفصل بين الجانب القيمى أو الأخلاقى وبين الجانب الإبداعى، وأن الحرية هى الضمان الوحيد لإبداع حقيقى، يقترب من واقع المجتمع، يسير على ثوابته ويتمسك بها. هكذا تتراوح الوثيقة بين تأكيد شكلى إنشائى على حرية الإبداع مع محاولة سلب مضمون هذه الحرية بتقييدها بحجة عدم الدعوة لهدم قيم المجتمع، والملاحظ استخدام تعبير الهدم بدلا -على سبيل المثال- من استخدام تعبير تغيير أو تطوير أو تحديث، وسنلاحظ أيضا الربط بين تعبير هدم القيم واستخدام العنف، وكأن الفروق قد زالت بين الإبداع والإرهاب وبين المبدع والقاتل. و تؤكد الوثيقة على عدم الفصل بين القيمى والأخلاقى وبين الجانب الإبداعى، وعلى حرية الإبداع، ورعاية أخلاقيات المجتمع وقيمه وآدابه وأعرافه، ولكن بعيدا عن تعريف دقيق لهذه الأخلاقيات والقيم والآداب والأعراف، فالكذب مثلا أصبح من أخلاقيات المجتمع المصرى حاليا، ولنا فى الحياة اليومية أمثلة، والقيم المادية هى السائدة، كما أن من ضمن الأعراف المتبعة حاليا التحرش الجنسى فى الأماكن العامة، كذلك التدين الشكلى والرشاوى. وعلى كلٍّ فإننى لا أعتقد أن هناك إبداعا لا يدعو للقيم والأخلاقيات الأساسية فى كل الأديان السماوية وغير السماوية، وهى الأخلاق والقيم المستمدة من خبرة البشرية لحماية المجتمع، ومنها الأمانة واحترام النفس البشرية والرفق بالأضعف وغيرها. ولكن المشكلة هى عدم القدرة على فهم آلية الإبداع فى دعم هذه القيم، وهى آلية غير مباشرة لا تعتمد علىّ النصح والإرشاد كما فى الدعوة الدينية وإنما على نقل الخبرة وإرهاف الوجدان وإضاءة العقل. أما إذا كان المقصود هو كابوس التيار الدينى الدائم، وهو السلوك البشرى الجنسى -وهو كابوس يخص هذا التيار وحده، ويؤرق مضاجعه- فلنا عبرة من تجارب أنظمة دينية حاولت التطرف فى تقييد الحريات الشخصية للبشر مثل السعودية أو إيران أو السودان، لنرى مدى الانحلال الأخلاقى الذى يضرب شرائح واسعة من مجتمعاتهم بداية من العهر العرفى والدعارة حتى الشذوذ، فالكبت لا يصنع أخلاقا جنسية صحية، وإنما ما يصنعها هو رهافة الحس وإشباع الجسد وسمو الروح.