«الكاريزما»! كم من الأشياء الغريبة تُرتكب باسم هذه الكلمة.. وأسمع من يقول: «شبعنا حكاماً وقيادات كاريزما!».. مع أن مصر لم تعرف حكاماً، أو شخصيات سياسية وعامة، تتمتع بالكاريزما إلا فيما ندر! وكذلك كل بلدان وشعوب الأرض، بحكم ندرة هذه الصفة، لكننا نستهلك وأحياناً نبتذل مثل هذه الكلمات حتى تفقد معناها، بحكم العادة لدينا! لكن ما هى الكاريزما؟ هى الجاذبية الشخصية، وفيها عناصر أو أبعاد واضحة جداً، مثل خفة الظل، وسرعة البديهة، والطلة الملفتة الآسرة، والابتسامة والضحكة الظريفة، وطلاقة اللسان، والقدرة على التعبير الدقيق عن أفكار مرتبة منطقية. لكن فى معنى وأبعاد الكاريزما كذلك أشياء غامضة جداً، أو سر ربانى يصعب تحديده أو وصفه بمنتهى الدقة! هو سر أو سحر نشعر به، أكثر مما نستطيع أن نعبر عنه. الطريف، والشىء بالشىء يُذكر، أنه غير ثنائية الاستبداد والفساد المروعة، وكل القضايا الكبرى الموجعة فى حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية خلال عهد مبارك الطويل، كان يضايقنى أيضاً (ثقل ظل) ذلك العهد! وقد توصلتُ، من خلال مأساة ومعاناة عقوده الثلاثة، إلى نتيجة مفادها أن الحاكم أو الرئيس ثقيل الظل يجعل كل شىء فى عصره ثقيل الظل، أيضاً! بل وكل المسئولين والشخصيات العامة الأساسية فى مجالات الدولة، أو على الأقل معظمهم. كما أن العكس صحيح تماماً، فالحاكم أو الرئيس خفيف الظل يكون كذلك عصره ورجال وشخصيات هذا العصر. وعلى سبيل المثال، فإن أحداً لا ينكر تمتع شخصية جمال عبدالناصر بدرجة قصوى من الكاريزما يقاس عليها، وحتى الذين لا يحبونه لسبب أو آخر فإنهم لا ينكرون فيه هذه الصفة بالذات! وضمن عناصرها وملامحها الأولى خفة الظل والحضور. وهكذا فقد كانت الشخصيات البارزة فى عصر عبدالناصر لديها هذا الملمح نفسه، فأنت بوضوح تلاحظ الظرف والروح الراقية الرائعة فى شخصيات ذلك العصر منذ الوزارة الأولى للثورة، من المناضل الثائر (فتحى رضوان)، إلى الدبلوماسى العملاق (محمود فوزى)، إلى قائد الثورة الثقافية (ثروت عكاشة)، إلى رائد الصناعة الحديثة (عزيز صدقى).. إلى شخصيات فى إعلام الراديو والتليفزيون (مثل جلال معوض وحمدى قنديل وسلوى حجازى وليلى رستم وأمانى ناشد...)، وفى إعلام الصحافة (مثل محمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين وكامل زهيرى ومحمد عودة...)، كما فى الآداب والفنون (مثل يوسف إدريس ويوسف شاهين وصلاح جاهين وعبد الحليم حافظ وكمال الطويل وسعاد حسنى...)، وغيرهم فى كل مجال! أما فى عهد مبارك، الذى على شاكلته بالتمام، فعلينا أن نلاحظ مثلاً شخصيات من أول الشريف، وسرور، وعبيد، إلى حسين سالم، وعمر سليمان، إلى عز، وأنس الفقى، إلى جمال مبارك بالطبع.. وصولاً إلى شخصيات فى الإعلام مثل نافع ورجب، اللذين تدهور الحال حتى بعدهما إلى نماذج تدعو للعجب أكثر من نوع سرايا والقط ومحمد على إبراهيم!