عنوان المقال يبدو طائفياً لكنه للأسف واقعياً، فأخطاء المرحلة الانتقالية وخطايا العسكر والإخوان والنخبة عمقت من الانقسامات داخل المجتمع، بين قوى مدنية ومسيحيين فى مقابل قوى إسلامية، وشارع مسلم لكنه رافض فى أغلبه لسلوك الإخوان الاستحواذى، وفى الوقت نفسه خائف من إعادة إنتاج نظام مبارك، لذلك فإن سلوكه التصويتى يتسم بالحيرة بين المقاطعة والمشاركة، وإذا شارك قد يتأثر بالخوف والفزع أو حتى الانتقام أو الاحتجاج على أحد المرشحين. الانقسامات الرأسية والأفقية فى المجتمع بالغة التعقيد، ومتناقضة مع ثورة يناير وشعاراتها فى الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، فقد تبلورت كتلة تصويتية للتيار الإسلامى، وكتلة للمسيحيين، وكتلة للقوى المدنية، وكتلة لشباب الثورة، واستمر الاستقطاب بين أقلية صغيرة من رأسمالية المحاسيب مقابل أغلبية كبيرة من الفقراء والمهمشين، والمأزق أن كل كتلة بلورت هوية خاصة بها، ما يعنى أن الانقسامات الاجتماعية والدينية والسياسية أفرزت انقسامات على فهم الهوية، وأصبحنا أمام هويات مصرية إذا جاز الوصف لاسيما أن مناخ الثورة دعم من الجهود الرامية لحصول النوبيين والبدو على كامل حقوقهم كمواطنين أولا، وكأقليات لها حقوق ثقافية ثانياً. ومن الممكن فهم بعض الانقسامات السابقة والاعتراف بها كنتيجة طبيعية ومتوقعة للممارسة الديمقراطية والإقرار بالتعدد والحق فى الاختلاف، وهى أمور جديدة على المصريين بعد عقود من الاستبداد والحكم الشمولى، لذلك قد يمارس البعض الديمقراطية بكثير من الأخطاء والتجاوزات، لكن من غير المقبول أن يعصف المجلس العسكرى والنخبة بفكرة الجماعة الوطنية، حيث أقروا بمبدأ تقسيم المجتمع والقوى السياسية إلى قوى مدنية مقابل قوى إسلامية، وهى قسمة غريبة وشاذة لأنها تطعن فى إسلامية القوى المدنية وتقحم الدين كأساس لتشكيل الجمعية التأسيسية لكتابة دستور مصر الذى يجب أن يقوم على مبدأ المواطنة! وأذكر هنا أن المسيحيين أنفسهم لم يقبلوا فكرة تخصيص كوتة لهم عند كتابة دستور 1923. وإذا كان التشكيل الجديد لتأسيسية الدستور مطعون فى شرعيته ومشكوك فى نجاحه، فإننى أؤكد ضرورة التخلى عن مبدأ تقسيم المجتمع والساحة السياسية إلى قوى مدنية وإسلامية عند التفكير فى تشكيل تأسيسية جديدة للدستور، وأرفض أيضاً أن يحشد المرشحان للرئاسة أنصارهما للتصويت على أساس دينى يذكّر بغزوة الصناديق فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، فتذهب أصوات المسيحيين لأحد المرشحين، وتذهب أصوات المسلمين للمرشح المنافس. هذا السلوك التصويتى كارثى بكل المعايير، فهو يقسم المجتمع على أساس طائفى، ويسىء للدين قبل أن يسىء لأبسط قواعد الممارسة الديمقراطية التى تقوم على المساواة التامة بين المواطنين، وبالتالى فإن تصويت مواطن على أساس دينى يعنى ضرب قيم المواطنة لصالح الطائفية الدينية، التى لم تعرفها مصر فى المرحلة شبة الديمقراطية قبل ثورة 1952، وإذا كنا نريد إقامة ديمقراطية حقيقية بعد ثورة يناير فلا بد أن نتجرد فى أحكامنا وسلوكنا التصويتى من الطائفية البغيضة، لأنها لا تهدد بضياع الديمقراطية فقط وإنما بضرب الوحدة الوطنية التى صنعها المصريون عبر التاريخ بتضحيات ودماء تستحق أن نحترمها ونلتزم بها فى سلوكنا التصويتى ونحن نذهب اليوم لاختيار الرئيس.