كذلك المصرى يعيش دائماً على دين أهله، وبالتالى لا أجد مبرراً للخوف من نشر التشيع فى مصر، بمجرد السماح للسياح الإيرانيين بالتدفق إلى مصر. إن من يخشون ذلك يتناسون أن هناك بضعة آلاف من المصريين يدينون بالمذهب الشيعى، ومع ذلك لم يستطيعوا نشر مذهبهم بين أفراد الشعب الذى يؤمن بانتمائه السنى، ولا يرضى عنه بديلاً، وهناك قنوات تليفزيونية متاحة للمصريين تتولى نشر أفكار المذهب الشيعى آناء الليل وأطراف النهار، ورغم ذلك لم نسمع أنها قامت بدور فى دفع بعض المصريين إلى تبنيه. المصرى كما ذكرت إنسان يعيش على دين أهله. وإسلام غالبية المصريين خليط ما بين محبة أهل البيت وتبجيلهم وتعظيمهم، وإيمان بمذهب أهل السنة والجماعة. ورغم أن مصر تخلت عن تشيُّعها وعادت إلى مذهبها السنى الأصيل فى عصر صلاح الدين الأيوبى، فإن ذلك لم يمنع الكثيرين من الاحتفاظ بالعديد من الموروثات من عصر التشيع، بوعى أو بدون وعى. يكفى أن أشير فى هذا السياق إلى ما سجّله أحد الباحثين حول موضوع الشتائم فى الثقافة المصرية، والتى تختلط فيها بشكل مدهش القناعات السنية بالقناعات الشيعية. على سبيل المثال شتيمة «ابن الرفضى» من الشتائم الشائعة فى الشارع المصرى، و«الرفضى» تعنى الشيعى. ومن المعلوم أن بعض فقهاء أهل السنة يطلقون على من يدينون بالمذهب الشيعى وصف «الروافض» أو «الرافضة»، ومفردها «رافضى»، وهى المفردة التى حرّفها اللسان الشعبى إلى «رفضى». وقد تدهش إذا عرفت أن بعض الشتائم التى يلوكها اللسان المصرى تحمل سباً -دون أن يفهم قائلها ذلك- لأم المؤمنين عائشة رضى الله عنها، وللخليفة الثانى «عمر بن الخطاب» رضى الله عنه. ويبدو أنها تشكل جزءاً من الموروث الشيعى الذى لم نستطع أن نتخلص منه، رغم كل هذه القرون التى مضت على زوال حكم الدولة الفاطمية من مصر. من هذه الشتائم على سبيل المثال: «مش حسيبك إلا لما تقول أنا عيشة»، ومعناها لن أتركك إلا عندما تشعر بالانكسار الذى عانته أم المؤمنين عائشة فى موقعة الجمل (كما يتصور الشيعة طبعاً)، ويجهل قائل هذه العبارة أنها تحمل تطاولاً على مقام زوجة النبى صلى الله عليه وسلم، وتعال إلى واحدة من الشتائم الشائعة فى مصر وتحمل نيلاً من شخص عمر بن الخطاب، وهى شتيمة «نعم يا عمر»! فلماذا عمر بالذات؟ الواضح أن هذه الشتائم راجت خلال فترة التشيع المصرى فى العهد الفاطمى، وبقيت فى الذاكرة المصرية حتى الآن، لتعكس تلك الخلطة العجيبة التى تشكل خلايا العقل الدينى فى مصر. تلك الخلطة التى لا يتردد معها المصرى فى وضع «عيشة على أم الخير».. فذلك دين أهله!