لم يعد يمر يوم إلا ونسمع خبراً عن القبض على تنظيم أو مجموعة من الشيعة يحاولون نشر مذهبهم بين أبناء الشعب المصرى «السنى». وللعلم فإن مصر لم تعش عمرها كله -منذ أن دخلها الإسلام- مؤمنة بالمذهب السنى، بل مكثت مائتى عام فى ظل المذهب الشيعى، وذلك فى عصر الدولة الفاطمية التى أسسها «المعز لدين الله الفاطمى». وأغلب الطقوس التى يتمسك بها المصريون خلال شهر رمضان، تعود بالأساس إلى عصر الدولة الفاطمية، بداية من الفوانيس ومروراً بعادة نشر الأنوار فى الشوارع «زمان كانت المشاعل»، وانتهاء بالكنافة والقطايف. فجميع هذه الطقوس ترتبط بمصر الفاطمية الشيعية. فالمصريون يفضلون المحافظة على الطقوس أكثر من الاحتفاظ بالمذاهب، فهم متسامحون أشد التسامح فى نسيان أى مذهب دانوا أو يدينون به، فيوم تأسست الدولة الفاطمية تشيع المصريون لقرنين من الزمان، رغم أنهم عاشوا تحت راية المذهب السنى منذ فتح مصر على يد عمرو بن العاص، فى عصر عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وعندما حكم صلاح الدين الأيوبى مصر، استطاع أن يمحو المذهب الشيعى من ذاكرتهم بسهولة، فعادوا أدراجهم دون أى مشاكل إلى المذهب السنى. ومنذ ذلك اليوم والشيعة أقلية لا تذكر داخل المجتمع المصرى، لكن ذلك لم يمنع أفراداً من المجتمع المصرى من الإتيان بطقوس تعبر عن محبتهم لأهل بيت النبى صلى الله عليه وسلم، كالطواف حول قبورهم التى ضمتها أرض مصر، والتماس البركة على عتباتهم المقدسة!. والمصريون لا يفعلون ذلك ليعبروا عن هواهم الشيعى المتمكن من قلوبهم كما ذهب البعض ذات يوم، بل يفعلون ما يفعلون كجزء من ارتباطهم بعاداتهم الموروثة عن الآباء والأجداد، ولو أنك سألت المواطن العادى الذى يتمرغ فى عتبات أهل البيت: ماذا تعرف عن الشيعة؟ فسوف يجيبك قائلاً: تقصد الشيوعيين، نعم أعرفهم! فهذا المواطن الذى يهيم ويطوف حول مقابر أحفاد النبى صلى الله عليه وسلم، وأحفاد أحفاده، لا يتوقف عن طقوس احتفاله بيوم «عاشوراء»، فى العاشر من محرم من كل عام، فيذبح الطيور، ويطبخ حبات القمح بالسكر واللبن، ليعد تلك الأكلة الشهيرة ب«العاشورة»، وهو لا يدرى وهو يفعل ذلك أنه يحتفل بانتصار يزيد بن معاوية على الحسين، ويقيم الولائم ابتهاجاً بمقتل الحسين رضى الله عنه فى «كربلاء» بالعراق. فعادة طبخ الحبوب وإعداد الولائم اخترعها أهل الشام زمن «يزيد» نكاية فى أهل العراق الذين يلطمون ويبكون ويقيمون التعازى يوم «عاشوراء» لأنهم خذلوا الحسين. أتصور أن من واجب المواطن المصرى عندما يعلم ذلك أن يلطم على «وشه»، ليس من باب التشيع، ولكن لأن الولع بالطقوس جعله يحتفل بذبح من يحب!