اختلط الأمر أحياناً بين العشق والحب، ولكنه أمر أبداً غير مختلط، إذ إن العشق هو التطرّف، هو الحد الأقصى، هو الانفلات عن المعتاد والمعقول والمقبول. العشق هو الاستثناء والخصوصية، حالة فريدة، غير مستقرة ولا مستمرة، هو مَس من الجنون وعالم من الهذيان. للعشق قلوب تهوى وتذوب، للعشق مجاذيب مجانين، لا يتوبون ولا يرجعون عن عشقهم، ولا يعود لهم عقلهم المسلوب. عندما تعشق فأنت تبحر بين أمواج عالية عاتية، ببحر ليس له شطآن، وإن وارتك الأمواج وإن اختفت من حولك الأصوات، فأنت بعالم آخر، تستعذب آلامه وشقاءه وعذاباته وأناته، بل وتستسلم للاختفاء به فى سلام وقبول غريب. العشق ليس متاحاً للجميع، هو قدرة خاصة، ومنحة فريدة، لا يستطيعها العامة، العاشق بطل مغوار، فارس منتصر، وبنفس اللحظة مهزوم، مغلوب، كما أنه مسلوب العقل مجنون!!. العاشق يستطيع أن يبحر ضد التيار، وضد أساطيل البحار!!! للعشق قوة جبارة تهيئ للعاشقين ضباب الأحلام جبالاً! وسهولاً خضراً وتلالاً. بدأ عشق الأحبة عندما احتاج آدم حواء، رفق به خالقه، وأشفق على وحدته واغترابه (فى الجنة واستوحش)!!! هكذا خلق الإنسان، عاشقاً يبحث عن نصفه الآخر كما فى الأسطورة القديمة، التى قالت: «إن الإنسان كان كائناً واحداً، فشطر اثنين (رجل وامرأة) وظل كل قسم يبحث عن الآخر!!». وكانت ثانى قصص العشق سبباً بأولى جرائم التاريخ، حين عشق قابيل خطيبة أخيه، فحقد عليه وانتهى بقتله، فتحول العشق وبالاً وانفعالاً. توالت قصص المحبين ورواياتهم، تقيم ممالك وتهدم سلاطين وتؤسس تحالفات وتجمع كيانات، وتفرق مدناً وميادين، يعبر العشاق عن حبهم تارة بحد السيف وتارة بحدة الكلمة، أو نغمها وإيقاعها، قصة أو شعراً أو نثراً، وكثيراً غناءً وطرباً، جعلوا للعشاق عيداً، وما يحتاج العاشقون لعيد، فكل أيام العشق عيد ووعيد، الجنة والنار بذات اللحظة. العشق يخلق عالماً موازياً افتراضياً منبعه عقل ووجدان العاشق، يحيل نسائم الصيف رياحاً، وأعاصير الشتاء خمائل، يجعلك تشعر بالغنى وإن كنت معدماً، أو تشعر بالانعدام ولو كنت منعماً، هو نار تلظى بين الجوانب تحيل الأيام الرضية شقاءً أو تخيل إليك من فرط السعادة طيوراً تسبح فوق رأسك متخذة من السحاب وسائد وأسرّة. العشق لغة عالمية تجتاز الحدود والأعراق والديانات، مرحلة تخطت الحب والعقل والحسابات، هى بعد ثالث ورابع للمشاعر، هى كل المستحيلات والمبالغات واللامنطقيات. العشق ذاك الجنون الجامح القابع بين الضلوع وفى الخلايا وفى ثنايا الذات، العشق ومضة تأتى وتذهب، أو تختفى للأبد، هى حالة فى خصومة مع العقل والنظريات والفرضيات، لا يقررها العاشق، بل يقع بها وقوعاً، سحر يرمى على بعض بنى البشر دون سائر المخلوقات. ويكون العشق أنواعاً وصنوفاً؛ عشق الأحبة والأوطان والأفكار والمعتقدات والنضالات، وهناك عشق من نوع خاص لخالق كل هذه الموجودات، عشق لصانع الكون وخالق المشاعر والعالم والحياة. العشق عالم من الآلام والمسرّات، العشق ذاك القديم المتجدد، العشق عالم من الأحلام العريضات، هو أسطورة قديمة، وانتظار جديد فى مستقبل آتٍ.