للعرب في قصص الحب باع طويل، توارثتها الكتب والمؤرخون، وشملتها طيات الزمان كمصادر للدلالة علي العشق المبارك أو الممنوع، وعلي الرغم من أن أغلبها ينتهي نهاية محزنة، إلا أنها تعتبر من أجمل ما حمل لنا التاريخ من عبير الأيام الخوالي، المتقد بالدفء والحنين، ويذكرنا كلما مررنا بقصة من قصصه بالجمال والبساطة المغلفة بالحب. آدم وحواء أعظم قصة حب يمكن لنا أن نسردها في هذه السطور، هي أول قصة حب أوجدها الله سبحانه علي الأرض. يذكر أن آدم حين دخل الجنة استوحش وحدته فيها، وشعر أنه محتاج لأنيس، فبينما هو نائم إذ خلق الله من ضلعه حواء. فاستيقظ فرآها بجواره، وكان الله سبحانه وتعالي خلقها ليسكن إليها آدم من وحشته، وربطهما الله بالحب الطاهر، فكانا أول زوجين يخلقان، وأول زوجين يبث الله في دواخلهما غريزة الحب. وظل الزوجان في كنف الله يعيشان في جنة الخلد، إلي أن أغواهما الشيطان، فأكلا من الشجرة المحرمة، فأنزلهما الله تعالي إلي الأرض. وتحكي الآثار وقصص السابقين أن آدم نزل بالهند وحواء بجده، فظلا يبحثان عن بعضهما حتي التقيا عند جبل عرفات، فغفر الله لهما خطيأتهما، وأسكنهما الأرض ورزقهما الذرية. وكانت هذه أولي قصص الحب في التاريخ. عنترة وعبلة من أجمل هذه القصص وأكثرها تداولا، قصة الشاعر والفارس عنترة العبسي، الذي وقع في حب ابنة عمه عبلة بنت مالك، وصادف أن أحبته هي الأخري. وكان عنترة قد نشأ من أب عربي هو عمرو بن شداد، وكان سيدا من سادات قبيلته، وأم أجنبية هي الأمة السوداء الحبشية زبيبة، واكتسب عنترة السواد من أمه. وبلغ الحب بعنترة وعبلة مبلغه فصارا عاشقين، وتقدم عنترة إلي عمه يخطب إليه ابنته، لكن لون بشرته السوداء ونسبه وقفا في طريقه. فقد رفض مالك أن يزوج ابنته من رجل يجري في عروقه دم غير عربي. وحتي يصرفه عنها ويشعره بقلة الحيلة والعجز عن دفع مهرها، طلب منه أن يدفع لها مهراً ألف ناقة حمراء من نوق الملك النعمان المعروفة بالعصافير، فسعي عنترة لتحقيق ذلك، وبلغ منه الأمر من المشقة أقساها، إلا أنه لم يستسلم، وجاء بمهر عبلة، إلا أن والدها لم يقبله منه، وبدل ذلك جعل من مهر ابنته رأس عنترة لمن أراد الزواج منها، فرأي من ذلك عنترة الويل، وواجه المستحيل، وفي النهاية قضي الأمر أن تتزوج عبلة من فارس عربي، وتترك عنترة في حزنه، هائما في حبها ينظم الشعر فيها حتي مات. قيس وليلي وذكر التاريخ لنا قصة قيس وليلي، احب' قيس بن الملوح' ابنة عمه 'ليلي بنت المهدي' وهما صغيران يرعيان ابل اهلهما، ولما كبرا حجبت عنه ليلي، وظل قيس علي حبه وبادلته ليلي الحب، ولما شاعت بين الناس قصة حبهما غضب والد ليلي ورفض زواجه منها فحزن 'قيس' واعتلت صحته بسبب حرمانه من ليلي فذهب والده الي أخيه والد ليلي وقال له: إن ابن أخيك علي وشك الهلاك أو الجنون فاعدل عن عنادك وإصرارك، إلا أنه رفض وعاند وأصر علي أن يزوجها، فلما علم بحبها لقيس هددها إن لم تقبل بزوج آخر ليمثلن بها، فوافقت علي مضض، ولم تمض الا عدة ايام حتي زوج 'المهدي' ابنته من 'ورد بن محمد' فاعتزل قيس الناس وهام في الوديان، ذاهلا لا يفيق من ذهوله الا علي ذكري ليلي. وأصبح قيس يزور آثار ديارها ويستعبر ويبكي وينظم الشعر في حبها، حتي لقب بالمجنون. وبادلته ليلي ذلك الحب العظيم حتي مرضت وألم بها الداء والهزال، فماتت قبله، وعلم بموتها فما كان منه إلا أن داوم علي قبرها راثيا لها ولحبها، حتي مات.