نشأ عنترة التوافقي من أب عسكري هو المشير بن شداد، وكان سيدا من سادات مجلس ال 19، وأم أجنبية هي الأمة السوداء الحبشية زبيبة الإخوانية، وكان أبوه قد سباها في بعض غزواته بعد يوم 25 يناير في التحرير . واكتسب عنترة التوافقي الطيبة من أمه، ورفض أبوه الاعتراف به، فاتخذ مكانه بين طبقة الثوار فى الشعب، خضوعاً لتقاليد ميدان التحرير التي تقضى بإقصاء أولاد الجماعة عن سلسلة النسب الذهبية التى كان العسكر يحرصون على أن يظل لها نقاؤها، وعلى أن يكون جميع رؤساء الدولة ممن يجمعون الشرف من كلا طرفيه : الآباء والأمهات، إلا إذا أبدى أحد هؤلاء الهجناء امتيازا أو نجابة فإن المشير لم يكن يرى فى هذه الحالة ما يمنع من إلحاقه بأبيه . وحانت أم الفرصة لعنترة التوافقي في إحدى غارات الشعب على العسكر، فأبدى شجاعة فائقة في رد المغيرين، وانتزع بهذا اعتراف أبيه المشير به، واتخذ مكانه بين العسكر كفارس توافقي من فرسان عبس الذين يشار إليهم بالبنان. وسرعان ما نشأ الحب في قلب عنترة التوافقي لابنة عمه عبلة بنت السلفيين، وصادف أن أحبته هي الأخرى . وبلغ بهما أم الشوق مبلغه فصارا عاشقين، وتقدم عنترة التوافقي بطلب إحاطة إلى عمه يخطب إليه ابنته، لكن لون بشرته الإخوانية ونسبه وقف مرة أخرى في طريقه . فقد رفض عمه أن يزوج ابنته من رجل يجرى في عروقه دم الجماعة، وأبى كبرياؤه أن يرضى بعبد توافقي- مهما تكن شجاعته وفروسيته - زوجاً لابنته السلفية الحرة النقية الدم الخالصة النسب . وحتى يصرفه عنها ويشعره بأنه جردل ، طلب منه أن يدفع لها مهراً ألف مليون توقيع من الشعب عشان يترشح، ولم ييأس عنترة المحب الواثق من قدرته على سداد مهر حبيبته ومهجة قلبه عبلة السلفية، فخرج في طلب التواقيع من المحافظات حتى يظفر بمعشوقته. لكن فرحته لم تتم، فقد كانت الطريق شاقة، واعترضته العواصف وأغرقته رمال بحر الرمال العظيم في البرلمان الخالي بجزيرة الصم والبكم بعد أن ضل الطريق ، ولقى في سبيل مهر عبلة السلفية أهوالاً عظيمة ، ووقع في الأسر من الطرف الثالث، وأبدى في سبيل الخلاص منه تنازلات خارقة. وأخيراً .. تحقق حلمه، وعاد إلى قبيلته ومعه مهر عبلة السلفية ألفاً مليون توقيع من سائر المحافظات، فهل رضي به أبوها العسكري؟ وهل وفَّى له بعهده بأن يزوجه عبلة السلفية إن دفع مهرها ألفاً مليون توقيع؟ بالطبع لا .. فقد بقي عمُّه يماطله ، ويسوف زواجه منها ، ويكلفه من أمره شططا . بل وصل به الحقد على عنترة التوافقي أن فكر في التخلص منه، فعرض ابنته على خمسة فرسان من قبائل الفلول على أن يكون المهر رأس عنترة، أما عنترة التوافقي الذي كان أطيب فتيان الجماعة وأكثرهم حلماً ومسامحة ، حاربهم بالتي هي أحسن واجتهد في الصبر عليهم منذ عام 1952، لكن كما يقول المثل الجاهلي : "عملناها قبلك يا معلم" ، خسر عنترة التوافقي المواجهة . وأورثه ذلك همَّاً كبيراً وكمداً لثلاثة أسباب: الأول حبه الشديد لعبلة السلفية وهيامه بها للدرجة التي جعلته يتحدى من أجلها كل الأهوال والمصاعب . والثاني انتماؤه القوي لقبيلة بنى عسكر ودفاعه المستميت عنها في أعتى شدائد البرلمان وشارع محمد محمود ومجلس الوزراء، لكن قبيلته لم تحفظ له الجميل بل سحقته بالهمِّ وأعيته بالكرب العظيم وأخيراً تآمروا عليه . أما السبب الثالث فهو حظه التعيس الذي جعل والده المشير يتنصل من نسبه وحرمه من شرف ناله غيره بسهولة فضلاً عن نسبه للجماعة التي حالت بينه وبين زواجه من عبلة السلفية في قصر الرئاسة . وتحكي الأسطورة الشعبية أن عنترة التوافقي قضى حوالي 59 سنة تاني من حياته راهبا متبتلا في محراب السجون والمعتقلات، يغنى لها ويتغنى بها، ويمزج بين عبطه وحبه مزاجا رائعاً جميلاً، وهو يصرح في بعض شعره بأنها تزوجت من ضابط عسكري، وأن زوجها فارس ضخم مموه الخلفية، يقول لها في إحدى قصائده الموثوق بها التي يرويها الأصمعي الثقة إما تريني قد نحلت ومن يكن*** غرضاً لأطراف الأنة ينحل فلرب أبلج مثل بعلك بادن *** ضخم على ظهر الجواد مهبل غادرته متعفرا أوصاله*** والقوم بين مجرح ومجدل والثابت أن عبلة السلفية تزوجت من غير عنترة التوافقي بعد ذلك الكفاح الطويل الذي قام به من أجلها، وأبى القدر أن يحقق للعاشقين حلمهما الذي طالما عاشا فيه، وعاش عنترة التوافقي بعد ذلك عمراً طويلا يتذكر ثورته القديمة التي باءت بالفشل، ويحن إلى أيام ميدان التحرير، ويشكو حرمانه الذي فرضته عليه الأوضاع العرفية وبيادة العسكر. وقد طوي قلبه على أحزانه ويأسه، وذرَّ الرَّماد على جمرة العشق المتقدة بين جوانحه، محاولاً أن يمحو ذكريات ثورة جميلة خربها من فؤاده ، لكن الجمرة سرعان ما تطل من بين الرماد لتعلن أنها لازالت تتأجج تشتعل..فالجمرة التي لم تنطفئ جذوتها من تحته، حتى ودع الحياة بخرطوش أصابه مرة ثانية في عينه، لكن المشير بن شداد صاح في الحاضرين بصوان عزاء تقصى الحقائق" أكرر قبيلة بنى عسكر لم تطلق رصاصاً حياً أو خرطوش"..طوش..طوش..طووووووش...!!