محافظ الفيوم يستقبل وزيرة التضامن الاجتماعي لبحث ملفات الحماية الاجتماعية    محافظ سوهاج يتفقد مشروع رصف طريق بناويط - جهينة بطول 9 كيلومترات    ردا على فرانس برس.. سوريا تنفي اعتزامها تسليم مقاتلين من الإيجور إلى الصين    مولاي الحسن يحتضن مباراة الأهلي والجيش الملكي    كاف يعتمد ملعب برج العرب لاستضافة المباريات    رئيس الصرف الصحي بالإسكندرية تعلن الاستعدادات ل 17 نوة.. وخفض نقاط تجمع الأمطار إلى 16 فقط    خبير اقتصادي يكشف أسباب ارتفاع أسعار الذهب وتوقعاتها خلال الفترة المقبلة    البنك المركزى: 30.2 مليار دولار تحويلات المصريين بالخارج خلال 9 أشهر    في الجول يكشف كيف يفكر الأهلي في ملف تجديد اللاعبين الذين ستنتهي عقودهم بنهاية الموسم    التنسيقية : إرادة المصريين خط أحمر .. الرئيس يعزز ثقة الشعب في صناديق الاقتراع    وزير الثقافة ومحافظ بورسعيد يناقشان خطة تطوير عدد من المنشآت الثقافية ودعم الفعاليات بالمحافظة    مقتل 18 شخصا جراء الانهيارات الأرضية في إندونيسيا    حماة الوطن بالإسماعيلية ينظم مؤتمرًا جماهيريًا لدعم مرشحيه في انتخابات النواب    أهالي قرية ببني سويف يطالبون بتعزيز من «الإسكان» قبل غرق منازلهم في الصرف الصحي    حماة الوطن يرحب بتوجيهات الرئيس: الإرادة الشعبية صاحبة القول الفصل في اختيار ممثليها داخل «النواب»    الزمالك يشكر كل من قدم العزاء في رحيل محمد صبري    الكرة النسائية l مدرب نادي مسار: نستهدف التتويج برابطة أبطال إفريقيا للسيدات    بعد الحكم بإعدامها.. ما هو أول رد فعل من رئيسة وزراء بنجلاديش السابقة؟    اعرف عقوبة التلبس بمخدرات للتعاطى.. بعد ضبط شادى ألفونس وبحوزته ماريجوانا    الأرصاد الجوية : تغيرات مفاجئة فى درجات الحرارة والقاهرة تصل ل30 درجة    تعرف على حورات أجراها وزير التعليم مع المعلمين والطلاب بمدارس كفر الشيخ    انسحاب مئات العناصر من قوات الحرس الوطني من شيكاغو وبورتلاند    مجمع البحوث الإسلامية يطلق مسابقة ثقافية لوعاظ الأزهر حول قضايا الأسرة    رئيس دار الأوبرا المصرية يزور الموسيقار عمر خيرت فى المستشفى    هيئة الدواء: توفر علاج قصور عضلة القلب بكميات تكفي احتياجات المرضي    مدبولي: تيسيرات لإجراءات دخول السائحين عبر تطبيق منظومة التأشيرة الإلكترونية    حزب المؤتمر : كلمة الرئيس عن الهيئة الوطنية خطوة حاسمة لترسيخ النزاهة في العملية الانتخابية    أبو الغيط: الحوار العربي- الصيني ضرورة استراتيجية في مواجهة تحولات العالم المتسارعة    موعد التصويت بمحافظات المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025    وزير الخارجية يؤكد لنظيره السوداني رفض مصر الكامل لأي محاولات تستهدف تقسيم البلاد أو الإضرار باستقرارها    الزمالك يوضح حقيقة عروض احتراف البرازيلي بيزيرا    مدير متحف الهانجول الوطني بكوريا الجنوبية يزور مكتبة الإسكندرية    بطولة منة شلبي وإياد نصار.. الحب والحرب مسلسل تدور أحداثه خلال الحرب على غزة في رمضان 2026    جولة مفاجئة لوزيرالتعليم في مدارس كفر الشيخ    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونظيره السوداني    محافظ كفر الشيخ: الكشف على 1626 شخصا خلال قافلة طبية مجانية فى دسوق    مقتل عناصر عصابة شديدة الخطورة وإصابة ضابط بعد تبادل لإطلاق النار    جاتزو بعد السقوط أمام النرويج: انهيار إيطاليا مقلق    صفقة حامد حمدان تحدد مصير سيف فاروق جعفر فى نادى الزمالك    «التضامن» تقر توفيق أوضاع 3 جمعيات في محافظتي القاهرة والمنيا    وزارة العمل: تحرير 437 محضر حد أدنى للأجور    سعر الدينار الكويتى اليوم الإثنين 17 نوفمبر 2025 أمام الجنيه    كوريا الجنوبية تقترح محادثات مع نظيرتها الشمالية لترسيم الحدود    موعد شهر رمضان 2026 فلكيًا .. تفاصيل    رئيس مصلحة الجمارك: منظومة «ACI» تخفض زمن الإفراج الجمركي جوًا وتقلل تكاليف الاستيراد والتصدير    إعادة الحركة المرورية بعد تصادم بين سيارتين على طريق "مصر–إسكندرية الزراعي"    دار الإفتاء: فوائد البنوك "حلال" ولا علاقة بها بالربا    توم كروز يتسلم جائزة الأوسكار الفخرية بخطاب مؤثر (فيديو)    وزير الري يتابع تنفيذ مشروع إنشاء قاعدة معرفية للمنشآت الهيدروليكية فى مصر    وزير الصحة يشهد الاجتماع الأول للجنة العليا للمسئولية الطبية وسلامة المريض.. ما نتائجه؟    جامعة الإسكندرية توقع بروتوكول تعاون لتجهيز وحدة رعاية مركزة بمستشفى المواساة الجامعي    لمواجهة الصعوبة في النوم.. الموسيقى المثالية للتغلب على الأرق    لكل من يحرص على المواظبة على أداء صلاة الفجر.. إليك بعض النصائح    بعد صلاة الفجر.. كلمات تفتح لك أبواب الرحمة والسكينة    أحمد سعد: الأطباء أوصوا ببقائي 5 أيام في المستشفى.. أنا دكتور نفسي وسأخرج خلال يومين    الفجر 4:52 مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 17نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 17 نوفمبر 2025    السيطرة على حريق نشب في سيارة ملاكي و4 موتوسيكلات بأرض فضاء بالزاوية الحمراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ديو المتيمة والعجوز
نشر في شباب مصر يوم 23 - 05 - 2016

ابراهيم يوسف من لبنان و ايناس ثابت من اليمن
"دِيُّو" المُتيَّمَة والعجوز
من إعداد
ابراهيم يوسف – لبنان
إيناس ثابت – اليمن
إليك
أبصرتُك في وجهي
فألهَمَني سَنَا وَجْهِكَ أولى حروفِ الحب
غابتْ وجوهُنا
وبقيَ الرجاءُ حروفَ حبٍّ أزلية لا يصيبُها الفناء.
شجرة الليلك
(1)"وِسْمِعِتْ صَوْت بْعِيدْ وْعْرِفْتو نِدَاهْ
وْلَكْ رَاجْعَة وِحْيَاةْ عَيْنو راجْعَة
والقَلْبْ عَمْ يِسْألْ وْعَيْنِي دَامْعَة
وْلَكْ رَاجْعَة أُوْقَفْ عَ بَابُو خَاشْعَة
أسْتَغْفْرو عَنْ غَيْبْتِي وأُطْلُبْ رِضَاهْ"
كنتُ أتابعُ عرضاً موسيقياً واضحَ الإيقاعِ عاليَ الأثرِ على الحواس، تؤدِّيه فرقة شبابٍ جوّالة تحتَ شجرةِ ليلكٍ تضوَّعَ شذاها في البعيد، ولونُها يحملُ للعينِ البهجةَ والفرحَ والسلام. بلغَ أنفي أريجُ نسيمٍ عرفتُهُ من قبل. لامسَ شغافَ القلبِ وأوتارَ الشجن، فوَجَفَ خافقي واضطربتْ روحي له، وردَّني معه عقدينِ من الزّمنِ إلى الوراء؛ عندما كنتُ أصغرَ سناً؛ أكثرَ بهاءً وأكثر إقبالاً وتوهُّجاً في الحياة. عانقَ الأريجُ طيناً قدَّسه عقلي وقلبي، وعصفَ له وجداني وسرتْ كهربةٌ لذيذة في شراييني.
ربَّاه..احْملْ إليَّ نسيماً أريجُه من البَّخور على ثيابِ مسافرٍ قادمٍ من أرضِ الحنين..؟ والتفتُ إلى يميني فإذا برجل يقفُ في جواري، عرفتُه للتّو فذُهِلتُ واعتراني صمتُ المدافن وذُهلَ أيضاً لمّا رآني..؟ كان بذاتِ الهيأة لم تغيِّره عِشرُون سنة بدَّدها الزمن؛ إلا وقد تزيَّن شعرُه بخصلاتٍ بيضاء، وخطوطٍ صغيرة حُفِرَتْ على جبينه كما تُرسمُ على صفحةِ بحرٍ ساكن من الزيتِ.
عانقتْ عينايَ عينيه وباحتْ لهما باللوعة والحنين، ولمستُ لهفَ قلبِه وشجونَ وجدِه في أعماقِ روحي. دنا مني أكثر.. وأكثر؛ حتى كادَ جسدُه يلتَصِقُ بِطِيْنٍ جَبَله الله في جسمي، ليرُدَّني في الزمنِ إلى الوراء، عندَ وادٍ قَصِيٍّ تجاوِرًه خميلة ترتوي من جدولٍ ماؤُه من الفردوس المفقود، وربوةٍ في الجوار كانت لنا مَلْعباً حيث رَشمْنا بذرةَ الحبِّ الأولى؛ فنَمَتْ وكبرتْ وتجذّرتْ في رحمِ الأرضِ الحنون. كان ذاتي وبعضُ أهلي وعشيرتي وقِبْلتي التي أتوجّه إليها في صلاتي، وكنتُ وليمة عشقٍ له وعناقيدَ خمرٍ معتّق في أقبية الزّمن، عَصَرَتْها خمّارةُ الجسمِ والرّوح، حتى غدرتْ بنا وفرقتْنا نوائبُ الأيام.
انتهى العرضُ الموسيقيّ وتفرَّقتْ جموعُ المشاهدين، إلا عيوننا فالتقتْ من جديد لتنقِّبَ في ذكرياتِ حبٍ قديم. بلا إرادة منا تسللتْ واهتدتْ أيادينا إلى بعضِها؛ كما يهتدي الرُّضَّعُ إلى أثداءِ الأمّهات، فتشابكتْ تتعانق وتوغلُ في ماض تناديه حرارة الأيدي وكلامُ العيون، مضينا نسيرُ بصمتٍ يلفُّ الكونَ في الطريقِ، إلا من غناءِ شجرة الليلك وأريجها يبارك حبَّنا من جديد.
موعدٌ مع الشمس
وحظوةٌ مع الريح
(2)"ضِجْرِتِ خْصُورِ الوَرْدْ مِنْ لَمِّ النِّدِي
والطَّيْرْ وَعَّى الزّنبقة البَيْضَا وْهِدِي
وانْتَ يا ضايِعْ إيْمْتي رَحْ تِهْتِدِي..؟"
أقبلَ صبحٌ جديدٌ بطلوعِ شمسٍ تنيرُ أرجاءً الكون. فصباحُ الخيرِ لطيورِ الغاباتِ تراقصُ وجهَ الشّمس، صباحُ الخيرِ للنّحلِ وفراشاتِ الحقول، للأزهارِ البَرِّيّة تتوسلُ قُبَلاً من الأرضِ البكرِ وماءِ السّماء، صباحُ الخيرِ لكلِّ خلقِ الله، وأخيراً صباحُ الخيرِ لكَ يا صديقي الحبيب. أرسلتُها عبرَ البريدِ وانتظرتُ بقلبٍ واجفٍ يخفقُ للجواب.. انتظرتُ ردَّه بعينينِ تراقبانِ بالثواني عقاربَ الساعةِ وشاشةَ الحاسوب.
كانَ حديثُه معي مختصراَ لا يروي ظمأي ولا يُبرِّدُ لوعةَ صدري، وردودُه تأتي متأخرةً في أغلبِ الأحيان، يذوي بسببِها قلبي كما تذوي أوراقُ تشرين. كأنّهنَّ جوانحي يَخفقنَ ويسقطْنَ في صدريَ الملهوف، فتمرُّ الساعةُ دهراً ويتقلّبُ فيها فؤادي على حصيرٍ من قشٍّ ابتدأتْ تلتهمُ النارُ حواشيه، والظنونُ تنالُ من روحي وتفترسني، فتغرسُ أنيابَها في خافقي تنهشُهُ بشراسةِ حيوانٍ هاجمَه الجوع. أدهى ما كانَ يؤلمني أن لا يكونَ لي محلٌ من الإعرابِ في عقلِه وروحِه.
لطالما انتظرتُ رسائلَه من السّاعةِ إلى السّاعة فلم تأتِ، حتى ثَقُلتْ أيامي وانقطعَ من قلبي الرّجاء، وتحوّلتْ نهاراتي بفعلِ التّرقبِ والمرارةِ والانتظار إلى إشواكٍ من اللهفةِ والعذاب. فمتى يا ربي تنزاحُ الصخرةُ وتلينُ بين ضلوعِه، وتتحوّلُ إلى خافقٍ كقلبي يضنيه طولُ الانتظار..؟
معَ أولى خيوطِ الشّمس، نزعتُ أوراقَ وردةٍ حمراءَ تزيِّنُ مكتبي، وبدّدتها باستخفافٍ في الهواء، لتتناثرَ أوراقُها مع كلِّ رعشةٍ في الفؤاد، فلا تجتمعُ ولا أعودُ ثانيةً إلى أحلامِ اليقظةِ ووحشة الرُّوح. ارتجفتْ يدايَ وخفقَ قلبي وطارتْ جموعُ الحمامِ من صدري، وهو يردُّ على رسالتي ليقول: "أحبّكِ.. صباح الخير".
لطالما انتظرتُ كلمةَ أحبُّكِ؛ أسعفتني ووصلتْ للتّو.. فما عسايَ أفعلُ أو أقول..!؟ من لهفتي وعَمَى قلبي.. ردَدتُ على رسالتِه بصفحةٍ خاليةٍ بيضاءَ كعمري قبله، ورسالتي التالية بعثتُها له مع الشّمس: "أيتها الشمسُ..يا أمَّنا الحنون، يا أمَّ الحياةِ والكون، مُدِّي خيوطَك من قلبي لقلبِه ومن روحي لروحِه.. ازرعيني قُبْلةً على وجنتيهِ وأخبريهِ أني أموتُ فداءً لشعره الأبيض وسنا عينيه الآسرتين.. النَّسرُ الجبليُّ العجوزُ لم تنلْ منه معاناةُ الشيخوخة ومرارةُ الهرم.
نغمة عود
(3)"عزة جمالك فين.. من غير ذليل يهواك..؟
وتجيب خضوعي منين ولوعتى في هواك..؟
صبحت أحب الحب من بعد عشق الحبيب
أهني كل قريب واواسي كل غريب
أضحك مع الفرحان وابكي مع الباكيين
وأبات وانا حيران أضحك وابكي لمين"..!؟
تمايلتْ كتفايَ تيهاً ودلالاً وكفايَ تحضنانِ رأسي ليستريحَ قليلاً. ابتسمتُ ببراءةٍ وقلتُ بعَطْفٍ مفعمٍ بالعذوبة: "مفتونةٌ أنا بعُمرِكَ وشعركِ الأبيض". لم يسمعْ تعبيرَ الودِّ منّي وبقيَ يشرحُ لي المعلومة..! وأنا مسافرة في وجههِ ووقارهِ وأناقةِ كنزتِه وقميصِه، سارحةً في عمقِ عينيه بلا زورق يُنَّجيني. رفعَ عينيه عن الكتابِ وتطلّعَ نحوي، شفَّهُ الوجدُ ورغبةٌ قرأتُها في سنا عينيهِ، فرقّ له قلبي وأغمضتُ عينيَّ وتركتُ له يدي لتنامَ كعصفورٍ بين يديه.
قالتْ صديقتي لي: "عينا أستاذكِ حديقتا حبٍ ونورٍ أزهارُهما لكِ وحدكِ؛ فافرَحي وطِيري يا نحلتي." دمعتْ عينايَ لقولِها وعضضتُ شفتي السفلى حتى أدميتًها، ورفَّ جفنايً من حرصي عليهِ ومن لهفتي. أمسكَ القلمَ مرتبكاً شارداً وراحَ يضغطُ به على شفتيهِ مرةً، أو يُقلبُه بينَ أناملِه مرةً أخرى، ويتظاهرُ مرتبكاً مرةً ثالثة بكتابةِ معلومةٍ على طرَفِ ورَقةٍ من كتابٍ بين يديه.
غِرْتُ من القلمِ وحسدتُه يلامسُ أناملَه حين هوى حسداً وتداعى مستعطفاً صاحبَه. سيطرَ عليّ الحبُّ وأضنتْني الصبابةُ والجوى، فرفعتُ القلمَ بيدي وكسرتُه وقلتُ له والدمعُ يهزمُني: "ليتني كنتُ القلم"..؟ في الأولى سأُنبتُ وردةً حمراءَ في شفتيك، وفي الثانية تضمُّني بين يديك، وفي الثالثة تكتبُ كلمةَ أحبّكِ في الهواء- صوتاً مَدْوِّياً عالياً فأسقطُ مغشياً عليَّ بين يديك". نظرَ نحوي وَلَهَاً.. لثمَ أطرافَ أناملي وعيونُه سكرانةٌ من صدقِ عواطفي، ثم أغلقَ كتابَه مرتبكاٌ وغادرني هروباً- ولحناً شجيّاً على قيثارةِ حبٍ ما انفكَّ شجوُها يلاحقني ويُسْكرني.
في جلال العشق
(4) "قولي لِطَيْفِكِ يَنْثَني عَنْ مَضْجَعي وَقْتَ المَنام
كي أسْتَريحَ وَتنْطفي نارٌ تأججُ في العِظامْ
مُضْنَىً تقلِّبُه الأكفُّ على فراشٍ من سَقامْ
أما أنا فكما عَلِمتِ فَهَلْ لِوَصْلِكِ من دَوامْ"..؟
زارني بين اليقظةِ والمنام طيفُ مَلكٍ كريم تشكّل وجهُه من موجِ البحرِ وأديمِ الفضاء، له جناحانِ أحدُهما من حبٍ والآخر من رحمة، تحفُّ به هالةٌ من نورِ السماء. حدَّثني فقالَ بصوتٍ رخيمٍ يشبهُ العزفَ على القيثار: " للعشقِ طقوسُه وسحرُه وطعمُه حلوٌ وأخّاذ، وعلاوةً عن طعمِه وسحرِه.. له طِيبُ العطرِ وطلاوةُ الأشعار.
وللعشّاقِ أجنحةٌ خفيَّةٌ ترفعُهم إلى أعلى سماوات، إلى جنّةِ آدم ومعه أنثاه حيثُ شهدتِ السماءُ أولى قصصِ الحبِّ في الكون، وأولُ حالةِ عشقٍ خلتْ من الدّمعِ والأحزان، فكانَ بكاءُ آدم توقاً لرائحةِ الفردوسِ المفقود وحنينِه إلى الحبِّ الأوّل، وإلى ذكراهُ المتروكة في جنَّةِ الخلدِ على ضفافِ نهرِ الكوثر.
عليكَ بدِينِ الهوى فكلُّ خفقةٍ في القلبِ فيها صلاة، وكل دمعةٍ في العينِ تختصرُ توبةَ المطرودينَ من الفردوس." سألتُه: "من أنت"..؟ فلم يجبْني وشقَّ طريقَه في صدري بطرَفِ جناحيه. دخلتُ في مجالِ العشقِ فاحترقتُ وتوهَّجَ بالضوءِ كياني كلُّهُ.. وقبلَ أن يرحلَ خَطفني نورٌ أخّاذ وفاحَ الطِّيبُ من حولي، وطرتُ إثرَه بخفةِ نسمةٍ شردتْ في حقلٍ من الأقحوان، تُمَجِّدُ الله خالقها وتقدِّسُ طبيعةَ الزهرِ وروعة الألوان.
تعال أحلم بك
(5)"سَكَنَ الليلْ وفي ثوب السكونْ .. تَخْتَبِي الأحلامْ
وَسَعَى البدرْ وللبدرِ عُيُونْ .. تَرْصُدُ الأيامْ
فَتَعَالَيْ يا ابْنَةَ الحقلِ نَزَورْ .. كَرْمَةَ العُشَّاقْ
عَلَّنا نُطْفِي بِذَيَّاكَ العَصِيرْ .. حُرْقَةَ الأشْواقْ
لا تَخَافِي يا فَتَاتِي فالنُجومْ .. تَكْتُمُ الأخبارْ
وضبابُ الليلْ في تِلْكَ الكُرومْ .. يَحْجُبُ الأسرارْ"
لم ينتهِ الليلً بعد.. فتعالَ نكملْ حلمَنا وننتظرِ اللقاء.
في الحُلم يغيبُ القدرُ ويهدأ القلبُ ويخبو لظى الأرواحِ والأجساد. يلتقي الأحبةُ الأحياءُ بالأموات.. والعشاق يسهرون خلفَ الجفونِ بلا خوفٍ ولا غضبٍ أو عتاب. في الحلم أيضاً لا فرقَ بين الحقيقةِ والخيالٍ بين الواقعِ والمستحيل. فتعالَ أحلمْ بك.. أكنْ أميرتُك وتكنْ مَلِيكي لتهديني قصرَ الأميراتِ وخزائنَ الياقوتِ.. فأحملُ لكَ عرشَ القيصر أو إيوانَ كسرى وأغلى منهما ابتسامٌ وتنهُّدٌ وأملٌ موعود.. أو فلتكنْ حكاياتٌ منسوجةٌ من خرافةٍ وخيال. أيها الفجرُ تمهّلْ قليلاً ودعنا نكملُ حلمَنا برجاءٍ خالٍ من الخيبات؛ قبلَ أن يدهمَنا الفراقُ والآتي من الأحزانْ.
مناجاة
(6)"يا من يحار الفهم فى قدرتك
وتطلب النفس حمى طاعتك
اسكرنى الإثم ولكننى
صحوت بالآمال فى رحمتك
إن لم أكن اخلصتُ فى طاعتك
فإننى أطمعُ فى رحمتك
وانما يشفعُ لى اننى قد
عشتُ لا أشركُ فى وحدتك"
سبحانَ من تجرَّدَ قلبي له واطّلعَ على خبايا مهجتي وعقلي، فأحَبَّني بلا تعبٍ مني أوعظيمِ عناء، ليصوغَ كياني كلّه من الماءِ الدافقِ وأتفهِ الأشياء، مددتُ له في دجى الليلِ يدي وجوانحي المكسورة، فمدَّ لي قبساً من نورِ السماء وغسلَ به مهجةً تأجّجَتْ عشقاً وصبابةً من طِيبِ عطاياه.
إلهي خالق الهوى والجوى وواجد كلّ شيء. خلقتَ الكونَ والحبَّ معا لتكتملَ شريعةُ الحياةِ والموت. ثم خلقتَ قوياً وضعيفاً ورهنتَ بكَ وحدكَ مصيرَ خلقكَ من عبادِك في الأرض. أيكونُ القلبُ الذي يسعدً نفسه هو القلبُ الذي يشقى..؟ وقلبي المتردِّدُ المكلومُ أبدعتَه من طينٍ حقيرٍ بين يديك.
إلهي ومولايّ خلقتَ الجنَّةَ وخلقتَ نعيمَها، والنارَ وما تعني خلقتَها قبلَ أو بعدَ بدايةِ الخلق. الجنَّةُ والنارُ لا تدركهما الأبصارُ إلاَّ بقدرتكَ ومن خلالِ عينيك. والربيعُ خلقتَه خيراً في الأرضِ قمحاُ ونحلاً وأزهاراً وفراشات، وكَرَزاُ متعةً للعينِ وشهوةً للفم.. ثم خلقتَ الذّكرَ والأنثى ليلتقيا على الدرب، فتقعُ العينُ على العين ويعزفُ القلبُ نشيدَ الحبّ، فتتّحِدُ الروحُ بالروحِ وتلتفُّ الساقُ على الساق، وتتردّدُ الأنفاسُ في الأنفاس، ويكونُ ماكانَ بين ذكرٍ وأنثى، منذ الكينونةِ الأولى وبداية الخلق.
إلهي ومولايَ.. حجبتَ نفسك عن ناظري فتلألأتْ أنوارُ محبّتكَ في لحمي وعظمي وفي عقلي وقلبي ودمي. لا اعتراضَ لي عليك، حين جبلتني من طينٍ بلا إرادةٍ منِّي.. بل سلَّمْتكَ أمري فسلِّمني إليه..!؟ تقدستَ ربِّي في أزليتك وملكوتِ سماواتِكَ والأرض، وتقدّسَ الحبيب في سرِّي وفي مجرى الوريدِ مني وتربَّعَ وحدَه في قلبي- كأنَّه أنت.. ربِّي واغفرْ لي هفواتي وذنوبي فأنتَ وحدكَ استوطنتَ إلى جانبِه في قلبي. لكَ الحمدُ والشكرُ ربِّي حينَ ملأتَ دنيايَ نوراً بنورِك. نورُكَ يفيضُ ضياءً على قلبي وسائرِ الكائنات، على الشمسِ والقمرِ ومجرّاتِ الكونِ ومصابيحِ البيت.
(1) راجعة- فيروز
https://www.youtube.com/watch?v=jUKYLtwnFi8
(2)مغرور قلبي- فيروز
https://www.youtube.com/watch?v=s4c1bmWEANk
(3) يللي كان يشجيك أنيني- أم كلثوم
https://www.youtube.com/watch?v=iXCAHM8KIZs
(4) قولي لِطَيْفِك- أم كلثوم
https://www.youtube.com/watch?v=TGIwispDG54
(5) سكن الليل- فيروز
https://www.youtube.com/watch?v=eMst65Bc0dw
(6) رباعيات الخيام – أم كلثوم
https://www.youtube.com/watch?v=DVpHC_JlP_Q


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.