أسعار اللحوم البلدي والكندوز اليوم الثلاثاء 24-6-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    الثانوية العامة 2025.. بدء امتحان الإنجليزي لطلاب STEM    اليوم.. الحكم على المتهمين فى قضية "خلية المرج الثالثة"    بدء تلقي التظلمات على نتيجة الشهادة الإعدادية بالشرقية اليوم.. اعرف الخطوات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 24-6-2025 في محافظة قنا    الديدان الطفيلية تساعد البشر في مكافحة السمنة.. كيف؟    رئيس الوزراء يستعرض مع رئيس "برجيل القابضة" التعاون في مجال زرع النخاع    علي الحجار يشيد ب«الأرتيست»: عرض عالمي يُشرف مصر نصًا وإخراجًا وتمثيلًا    رد مثير من أفشة على الانتقادات والسخرية من لقطته أمام بالميراس    أسعار سبائك الذهب اليوم الثلاثاء 24 يونيو 2025 بعد الارتفاع العالمي ل المعدن الأصفر    أسعار الفراخ اليوم الثلاثاء 24-6-2025 بعد الانخفاض وبورصة الدواجن الرئيسية    ارتفاع حصيلة قتلى صاروخ إيران الأخير إلى 11 إسرائيليا على الأقل    الأمن العراقى: طائرة مسيرة مجهولة استهدفت الرادار فى معسكر التاجى    بعد تعادل مثير مع بورتو.. الأهلي يودع كأس العالم للأندية    أولى تصريحات ريبيرو بعد التعادل الماراثوني بين الأهلي وبورتو    «أفضل مبارياته مع الأحمر».. تقييم زيزو في مواجهة الأهلي وبورتو    رغم تحذير أسرته، عودة العندليب بتقنية الهولوجرام بمهرجان موازين تثير اندهاش الجمهور (صور)    ما حكم تيمّم المرأة التي تضع «المكياج»؟.. الإفتاء تُجيب    ضبط المتهمين باشعال النيران داخل سوق في حدائق القبة    بوجبا يقترب من العودة إلى منتخب فرنسا    "زيزو لا إنهارده والسوشيال ميديا جابتنا ورا".. انتقادات قوية من نجم الأهلي على أداء كأس العالم للأندية    "طلعت مصطفى" تتصدر قائمة أقوى 100 شركة في مصر.. وتحصد جائزة المطور العقاري الأول لعام 2025    البترول: حقل ظهر لا يزال واعدًا وخطة لإضافة 200 مليون متر مكعب غاز عبر آبار جديدة    أحمد جمال يكتب: قنبلة صيفية    عراقجي: إذا أوقفت إسرائيل هجماتها عند الرابعة فجرًا سنلتزم ب عدم الرد    اليوم.. طلاب الثانوية العامة يؤدون امتحان اللغة الأجنبية الثانية    ضبط صاحب محل ملابس ب سوهاج استولى على 3 ملايين جنيه من 8 أشخاص بدعوى توظيفها    استدعاء مالك عقار شبرا المنهار لسماع أقواله    متحدثة الحكومة الإيرانية: لم نبدأ الحرب وسندافع عن حياة شعبنا حتى النهاية    العدالة المدفوعة في زمن السيسي.. نقابة المحامين تجدد رفضها لفرض الرسوم القضائية    سلمى أبو ضيف: «مش مقتنعة بالخطوبة واتجوزت على طول عشان مضيعش وقت»    سلمى أبوضيف: وزني زاد 20 كيلو ب الحمل وتمنيت ولادة صوفيا يوم عيد ميلادي    البابا تواضروس يعزي بطريرك أنطاكية للروم الأرثوذكس في ضحايا الهجوم على كنيسة مار إيلياس    لطلاب الثانوية.. منح 75% للتسجيل المبكر بالبرامج الدولية بهندسة عين شمس    هل الشيعة من أهل السنة؟.. وهل غيّر الأزهر موقفه منهم؟.. الإفتاء تُوضح    تفسير آية | معنى قولة تعالى «وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي 0لۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي 0لۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ»    "تعليم الشيوخ" تُطالب بتكاتف الجهود لمواجهة التنمر بالمدارس    مصر للطيران تعلن استئناف تدريجي للرحلات الجوية بعد تحسن الأوضاع الإقليمية    فرص تأهل الهلال إلى دور ال 16 من كأس العالم للأندية    قطر تعلن استئناف حركة الملاحة الجوية بعد تعليقها مؤقتًا    تامر عاشور يشعل ليالي "موازين 20" بالرباط.. ومسرح العظماء يستعد لصوته    غدا ميلاد هلال شهر المحرم والخميس بداية العام الهجري الجديد 1447 فلكيا    85.3 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال تداولات جلسة الإثنين    جماهير الأهلى تحفز اللاعبين بلافتات "أعظم نادى فى الكون"    تحرير 8 محاضر منشآت طبية غير مرخصة في سوهاج (صور)    طريقة عمل المسقعة باللحمة المفرومة في خطوات بسيطة    علاج الإمساك المزمن، بالأعشاب الطبيعية في أسرع وقت    مسئول إيراني: طهران لم تتلق أي مقترحات لوقف إطلاق النار    قطر تعلن استئناف حركة الملاحة الجوية    ترامب: الحرب كادت تدمر الشرق الأوسط لسنوات لكنها لم ولن تفعل    أيمن سمير يكتب: 4 سيناريوهات للحرب الإسرائيلية - الإيرانية    ترجمات| «هكذا تكلم زرادشت».. صدم به «نيتشه» التيارات الفلسفية المتناقضة في أوروبا    عرفت من مسلسل.. حكاية معاناة الفنانة سلوى محمد علي مع مرض فرط الحركة    إصابة عامل بطلق خرطوش في دار السلام بسبب خلافات الجيرة وضبط الجاني    بروتوكول بين «الجمارك» وجامعة الإسكندرية لتعزيز الاستثمار في التنمية البشرية    انعقاد لجنة اختيار المرشحين لمنصب عميد كلية الحاسبات والمعلومات بجامعة قناة السويس    ليلى الشبح: الدراما العربية تعد من أبرز أدوات الثقافة في المجتمعات    وزير قطاع الأعمال يشارك ممثلا عن مصر في افتتاح قمة الأعمال الأمريكية الأفريقية في دورتها ال17 بأنجولا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ديو المتيمة والعجوز
نشر في شباب مصر يوم 23 - 05 - 2016

ابراهيم يوسف من لبنان و ايناس ثابت من اليمن
"دِيُّو" المُتيَّمَة والعجوز
من إعداد
ابراهيم يوسف – لبنان
إيناس ثابت – اليمن
إليك
أبصرتُك في وجهي
فألهَمَني سَنَا وَجْهِكَ أولى حروفِ الحب
غابتْ وجوهُنا
وبقيَ الرجاءُ حروفَ حبٍّ أزلية لا يصيبُها الفناء.
شجرة الليلك
(1)"وِسْمِعِتْ صَوْت بْعِيدْ وْعْرِفْتو نِدَاهْ
وْلَكْ رَاجْعَة وِحْيَاةْ عَيْنو راجْعَة
والقَلْبْ عَمْ يِسْألْ وْعَيْنِي دَامْعَة
وْلَكْ رَاجْعَة أُوْقَفْ عَ بَابُو خَاشْعَة
أسْتَغْفْرو عَنْ غَيْبْتِي وأُطْلُبْ رِضَاهْ"
كنتُ أتابعُ عرضاً موسيقياً واضحَ الإيقاعِ عاليَ الأثرِ على الحواس، تؤدِّيه فرقة شبابٍ جوّالة تحتَ شجرةِ ليلكٍ تضوَّعَ شذاها في البعيد، ولونُها يحملُ للعينِ البهجةَ والفرحَ والسلام. بلغَ أنفي أريجُ نسيمٍ عرفتُهُ من قبل. لامسَ شغافَ القلبِ وأوتارَ الشجن، فوَجَفَ خافقي واضطربتْ روحي له، وردَّني معه عقدينِ من الزّمنِ إلى الوراء؛ عندما كنتُ أصغرَ سناً؛ أكثرَ بهاءً وأكثر إقبالاً وتوهُّجاً في الحياة. عانقَ الأريجُ طيناً قدَّسه عقلي وقلبي، وعصفَ له وجداني وسرتْ كهربةٌ لذيذة في شراييني.
ربَّاه..احْملْ إليَّ نسيماً أريجُه من البَّخور على ثيابِ مسافرٍ قادمٍ من أرضِ الحنين..؟ والتفتُ إلى يميني فإذا برجل يقفُ في جواري، عرفتُه للتّو فذُهِلتُ واعتراني صمتُ المدافن وذُهلَ أيضاً لمّا رآني..؟ كان بذاتِ الهيأة لم تغيِّره عِشرُون سنة بدَّدها الزمن؛ إلا وقد تزيَّن شعرُه بخصلاتٍ بيضاء، وخطوطٍ صغيرة حُفِرَتْ على جبينه كما تُرسمُ على صفحةِ بحرٍ ساكن من الزيتِ.
عانقتْ عينايَ عينيه وباحتْ لهما باللوعة والحنين، ولمستُ لهفَ قلبِه وشجونَ وجدِه في أعماقِ روحي. دنا مني أكثر.. وأكثر؛ حتى كادَ جسدُه يلتَصِقُ بِطِيْنٍ جَبَله الله في جسمي، ليرُدَّني في الزمنِ إلى الوراء، عندَ وادٍ قَصِيٍّ تجاوِرًه خميلة ترتوي من جدولٍ ماؤُه من الفردوس المفقود، وربوةٍ في الجوار كانت لنا مَلْعباً حيث رَشمْنا بذرةَ الحبِّ الأولى؛ فنَمَتْ وكبرتْ وتجذّرتْ في رحمِ الأرضِ الحنون. كان ذاتي وبعضُ أهلي وعشيرتي وقِبْلتي التي أتوجّه إليها في صلاتي، وكنتُ وليمة عشقٍ له وعناقيدَ خمرٍ معتّق في أقبية الزّمن، عَصَرَتْها خمّارةُ الجسمِ والرّوح، حتى غدرتْ بنا وفرقتْنا نوائبُ الأيام.
انتهى العرضُ الموسيقيّ وتفرَّقتْ جموعُ المشاهدين، إلا عيوننا فالتقتْ من جديد لتنقِّبَ في ذكرياتِ حبٍ قديم. بلا إرادة منا تسللتْ واهتدتْ أيادينا إلى بعضِها؛ كما يهتدي الرُّضَّعُ إلى أثداءِ الأمّهات، فتشابكتْ تتعانق وتوغلُ في ماض تناديه حرارة الأيدي وكلامُ العيون، مضينا نسيرُ بصمتٍ يلفُّ الكونَ في الطريقِ، إلا من غناءِ شجرة الليلك وأريجها يبارك حبَّنا من جديد.
موعدٌ مع الشمس
وحظوةٌ مع الريح
(2)"ضِجْرِتِ خْصُورِ الوَرْدْ مِنْ لَمِّ النِّدِي
والطَّيْرْ وَعَّى الزّنبقة البَيْضَا وْهِدِي
وانْتَ يا ضايِعْ إيْمْتي رَحْ تِهْتِدِي..؟"
أقبلَ صبحٌ جديدٌ بطلوعِ شمسٍ تنيرُ أرجاءً الكون. فصباحُ الخيرِ لطيورِ الغاباتِ تراقصُ وجهَ الشّمس، صباحُ الخيرِ للنّحلِ وفراشاتِ الحقول، للأزهارِ البَرِّيّة تتوسلُ قُبَلاً من الأرضِ البكرِ وماءِ السّماء، صباحُ الخيرِ لكلِّ خلقِ الله، وأخيراً صباحُ الخيرِ لكَ يا صديقي الحبيب. أرسلتُها عبرَ البريدِ وانتظرتُ بقلبٍ واجفٍ يخفقُ للجواب.. انتظرتُ ردَّه بعينينِ تراقبانِ بالثواني عقاربَ الساعةِ وشاشةَ الحاسوب.
كانَ حديثُه معي مختصراَ لا يروي ظمأي ولا يُبرِّدُ لوعةَ صدري، وردودُه تأتي متأخرةً في أغلبِ الأحيان، يذوي بسببِها قلبي كما تذوي أوراقُ تشرين. كأنّهنَّ جوانحي يَخفقنَ ويسقطْنَ في صدريَ الملهوف، فتمرُّ الساعةُ دهراً ويتقلّبُ فيها فؤادي على حصيرٍ من قشٍّ ابتدأتْ تلتهمُ النارُ حواشيه، والظنونُ تنالُ من روحي وتفترسني، فتغرسُ أنيابَها في خافقي تنهشُهُ بشراسةِ حيوانٍ هاجمَه الجوع. أدهى ما كانَ يؤلمني أن لا يكونَ لي محلٌ من الإعرابِ في عقلِه وروحِه.
لطالما انتظرتُ رسائلَه من السّاعةِ إلى السّاعة فلم تأتِ، حتى ثَقُلتْ أيامي وانقطعَ من قلبي الرّجاء، وتحوّلتْ نهاراتي بفعلِ التّرقبِ والمرارةِ والانتظار إلى إشواكٍ من اللهفةِ والعذاب. فمتى يا ربي تنزاحُ الصخرةُ وتلينُ بين ضلوعِه، وتتحوّلُ إلى خافقٍ كقلبي يضنيه طولُ الانتظار..؟
معَ أولى خيوطِ الشّمس، نزعتُ أوراقَ وردةٍ حمراءَ تزيِّنُ مكتبي، وبدّدتها باستخفافٍ في الهواء، لتتناثرَ أوراقُها مع كلِّ رعشةٍ في الفؤاد، فلا تجتمعُ ولا أعودُ ثانيةً إلى أحلامِ اليقظةِ ووحشة الرُّوح. ارتجفتْ يدايَ وخفقَ قلبي وطارتْ جموعُ الحمامِ من صدري، وهو يردُّ على رسالتي ليقول: "أحبّكِ.. صباح الخير".
لطالما انتظرتُ كلمةَ أحبُّكِ؛ أسعفتني ووصلتْ للتّو.. فما عسايَ أفعلُ أو أقول..!؟ من لهفتي وعَمَى قلبي.. ردَدتُ على رسالتِه بصفحةٍ خاليةٍ بيضاءَ كعمري قبله، ورسالتي التالية بعثتُها له مع الشّمس: "أيتها الشمسُ..يا أمَّنا الحنون، يا أمَّ الحياةِ والكون، مُدِّي خيوطَك من قلبي لقلبِه ومن روحي لروحِه.. ازرعيني قُبْلةً على وجنتيهِ وأخبريهِ أني أموتُ فداءً لشعره الأبيض وسنا عينيه الآسرتين.. النَّسرُ الجبليُّ العجوزُ لم تنلْ منه معاناةُ الشيخوخة ومرارةُ الهرم.
نغمة عود
(3)"عزة جمالك فين.. من غير ذليل يهواك..؟
وتجيب خضوعي منين ولوعتى في هواك..؟
صبحت أحب الحب من بعد عشق الحبيب
أهني كل قريب واواسي كل غريب
أضحك مع الفرحان وابكي مع الباكيين
وأبات وانا حيران أضحك وابكي لمين"..!؟
تمايلتْ كتفايَ تيهاً ودلالاً وكفايَ تحضنانِ رأسي ليستريحَ قليلاً. ابتسمتُ ببراءةٍ وقلتُ بعَطْفٍ مفعمٍ بالعذوبة: "مفتونةٌ أنا بعُمرِكَ وشعركِ الأبيض". لم يسمعْ تعبيرَ الودِّ منّي وبقيَ يشرحُ لي المعلومة..! وأنا مسافرة في وجههِ ووقارهِ وأناقةِ كنزتِه وقميصِه، سارحةً في عمقِ عينيه بلا زورق يُنَّجيني. رفعَ عينيه عن الكتابِ وتطلّعَ نحوي، شفَّهُ الوجدُ ورغبةٌ قرأتُها في سنا عينيهِ، فرقّ له قلبي وأغمضتُ عينيَّ وتركتُ له يدي لتنامَ كعصفورٍ بين يديه.
قالتْ صديقتي لي: "عينا أستاذكِ حديقتا حبٍ ونورٍ أزهارُهما لكِ وحدكِ؛ فافرَحي وطِيري يا نحلتي." دمعتْ عينايَ لقولِها وعضضتُ شفتي السفلى حتى أدميتًها، ورفَّ جفنايً من حرصي عليهِ ومن لهفتي. أمسكَ القلمَ مرتبكاً شارداً وراحَ يضغطُ به على شفتيهِ مرةً، أو يُقلبُه بينَ أناملِه مرةً أخرى، ويتظاهرُ مرتبكاً مرةً ثالثة بكتابةِ معلومةٍ على طرَفِ ورَقةٍ من كتابٍ بين يديه.
غِرْتُ من القلمِ وحسدتُه يلامسُ أناملَه حين هوى حسداً وتداعى مستعطفاً صاحبَه. سيطرَ عليّ الحبُّ وأضنتْني الصبابةُ والجوى، فرفعتُ القلمَ بيدي وكسرتُه وقلتُ له والدمعُ يهزمُني: "ليتني كنتُ القلم"..؟ في الأولى سأُنبتُ وردةً حمراءَ في شفتيك، وفي الثانية تضمُّني بين يديك، وفي الثالثة تكتبُ كلمةَ أحبّكِ في الهواء- صوتاً مَدْوِّياً عالياً فأسقطُ مغشياً عليَّ بين يديك". نظرَ نحوي وَلَهَاً.. لثمَ أطرافَ أناملي وعيونُه سكرانةٌ من صدقِ عواطفي، ثم أغلقَ كتابَه مرتبكاٌ وغادرني هروباً- ولحناً شجيّاً على قيثارةِ حبٍ ما انفكَّ شجوُها يلاحقني ويُسْكرني.
في جلال العشق
(4) "قولي لِطَيْفِكِ يَنْثَني عَنْ مَضْجَعي وَقْتَ المَنام
كي أسْتَريحَ وَتنْطفي نارٌ تأججُ في العِظامْ
مُضْنَىً تقلِّبُه الأكفُّ على فراشٍ من سَقامْ
أما أنا فكما عَلِمتِ فَهَلْ لِوَصْلِكِ من دَوامْ"..؟
زارني بين اليقظةِ والمنام طيفُ مَلكٍ كريم تشكّل وجهُه من موجِ البحرِ وأديمِ الفضاء، له جناحانِ أحدُهما من حبٍ والآخر من رحمة، تحفُّ به هالةٌ من نورِ السماء. حدَّثني فقالَ بصوتٍ رخيمٍ يشبهُ العزفَ على القيثار: " للعشقِ طقوسُه وسحرُه وطعمُه حلوٌ وأخّاذ، وعلاوةً عن طعمِه وسحرِه.. له طِيبُ العطرِ وطلاوةُ الأشعار.
وللعشّاقِ أجنحةٌ خفيَّةٌ ترفعُهم إلى أعلى سماوات، إلى جنّةِ آدم ومعه أنثاه حيثُ شهدتِ السماءُ أولى قصصِ الحبِّ في الكون، وأولُ حالةِ عشقٍ خلتْ من الدّمعِ والأحزان، فكانَ بكاءُ آدم توقاً لرائحةِ الفردوسِ المفقود وحنينِه إلى الحبِّ الأوّل، وإلى ذكراهُ المتروكة في جنَّةِ الخلدِ على ضفافِ نهرِ الكوثر.
عليكَ بدِينِ الهوى فكلُّ خفقةٍ في القلبِ فيها صلاة، وكل دمعةٍ في العينِ تختصرُ توبةَ المطرودينَ من الفردوس." سألتُه: "من أنت"..؟ فلم يجبْني وشقَّ طريقَه في صدري بطرَفِ جناحيه. دخلتُ في مجالِ العشقِ فاحترقتُ وتوهَّجَ بالضوءِ كياني كلُّهُ.. وقبلَ أن يرحلَ خَطفني نورٌ أخّاذ وفاحَ الطِّيبُ من حولي، وطرتُ إثرَه بخفةِ نسمةٍ شردتْ في حقلٍ من الأقحوان، تُمَجِّدُ الله خالقها وتقدِّسُ طبيعةَ الزهرِ وروعة الألوان.
تعال أحلم بك
(5)"سَكَنَ الليلْ وفي ثوب السكونْ .. تَخْتَبِي الأحلامْ
وَسَعَى البدرْ وللبدرِ عُيُونْ .. تَرْصُدُ الأيامْ
فَتَعَالَيْ يا ابْنَةَ الحقلِ نَزَورْ .. كَرْمَةَ العُشَّاقْ
عَلَّنا نُطْفِي بِذَيَّاكَ العَصِيرْ .. حُرْقَةَ الأشْواقْ
لا تَخَافِي يا فَتَاتِي فالنُجومْ .. تَكْتُمُ الأخبارْ
وضبابُ الليلْ في تِلْكَ الكُرومْ .. يَحْجُبُ الأسرارْ"
لم ينتهِ الليلً بعد.. فتعالَ نكملْ حلمَنا وننتظرِ اللقاء.
في الحُلم يغيبُ القدرُ ويهدأ القلبُ ويخبو لظى الأرواحِ والأجساد. يلتقي الأحبةُ الأحياءُ بالأموات.. والعشاق يسهرون خلفَ الجفونِ بلا خوفٍ ولا غضبٍ أو عتاب. في الحلم أيضاً لا فرقَ بين الحقيقةِ والخيالٍ بين الواقعِ والمستحيل. فتعالَ أحلمْ بك.. أكنْ أميرتُك وتكنْ مَلِيكي لتهديني قصرَ الأميراتِ وخزائنَ الياقوتِ.. فأحملُ لكَ عرشَ القيصر أو إيوانَ كسرى وأغلى منهما ابتسامٌ وتنهُّدٌ وأملٌ موعود.. أو فلتكنْ حكاياتٌ منسوجةٌ من خرافةٍ وخيال. أيها الفجرُ تمهّلْ قليلاً ودعنا نكملُ حلمَنا برجاءٍ خالٍ من الخيبات؛ قبلَ أن يدهمَنا الفراقُ والآتي من الأحزانْ.
مناجاة
(6)"يا من يحار الفهم فى قدرتك
وتطلب النفس حمى طاعتك
اسكرنى الإثم ولكننى
صحوت بالآمال فى رحمتك
إن لم أكن اخلصتُ فى طاعتك
فإننى أطمعُ فى رحمتك
وانما يشفعُ لى اننى قد
عشتُ لا أشركُ فى وحدتك"
سبحانَ من تجرَّدَ قلبي له واطّلعَ على خبايا مهجتي وعقلي، فأحَبَّني بلا تعبٍ مني أوعظيمِ عناء، ليصوغَ كياني كلّه من الماءِ الدافقِ وأتفهِ الأشياء، مددتُ له في دجى الليلِ يدي وجوانحي المكسورة، فمدَّ لي قبساً من نورِ السماء وغسلَ به مهجةً تأجّجَتْ عشقاً وصبابةً من طِيبِ عطاياه.
إلهي خالق الهوى والجوى وواجد كلّ شيء. خلقتَ الكونَ والحبَّ معا لتكتملَ شريعةُ الحياةِ والموت. ثم خلقتَ قوياً وضعيفاً ورهنتَ بكَ وحدكَ مصيرَ خلقكَ من عبادِك في الأرض. أيكونُ القلبُ الذي يسعدً نفسه هو القلبُ الذي يشقى..؟ وقلبي المتردِّدُ المكلومُ أبدعتَه من طينٍ حقيرٍ بين يديك.
إلهي ومولايّ خلقتَ الجنَّةَ وخلقتَ نعيمَها، والنارَ وما تعني خلقتَها قبلَ أو بعدَ بدايةِ الخلق. الجنَّةُ والنارُ لا تدركهما الأبصارُ إلاَّ بقدرتكَ ومن خلالِ عينيك. والربيعُ خلقتَه خيراً في الأرضِ قمحاُ ونحلاً وأزهاراً وفراشات، وكَرَزاُ متعةً للعينِ وشهوةً للفم.. ثم خلقتَ الذّكرَ والأنثى ليلتقيا على الدرب، فتقعُ العينُ على العين ويعزفُ القلبُ نشيدَ الحبّ، فتتّحِدُ الروحُ بالروحِ وتلتفُّ الساقُ على الساق، وتتردّدُ الأنفاسُ في الأنفاس، ويكونُ ماكانَ بين ذكرٍ وأنثى، منذ الكينونةِ الأولى وبداية الخلق.
إلهي ومولايَ.. حجبتَ نفسك عن ناظري فتلألأتْ أنوارُ محبّتكَ في لحمي وعظمي وفي عقلي وقلبي ودمي. لا اعتراضَ لي عليك، حين جبلتني من طينٍ بلا إرادةٍ منِّي.. بل سلَّمْتكَ أمري فسلِّمني إليه..!؟ تقدستَ ربِّي في أزليتك وملكوتِ سماواتِكَ والأرض، وتقدّسَ الحبيب في سرِّي وفي مجرى الوريدِ مني وتربَّعَ وحدَه في قلبي- كأنَّه أنت.. ربِّي واغفرْ لي هفواتي وذنوبي فأنتَ وحدكَ استوطنتَ إلى جانبِه في قلبي. لكَ الحمدُ والشكرُ ربِّي حينَ ملأتَ دنيايَ نوراً بنورِك. نورُكَ يفيضُ ضياءً على قلبي وسائرِ الكائنات، على الشمسِ والقمرِ ومجرّاتِ الكونِ ومصابيحِ البيت.
(1) راجعة- فيروز
https://www.youtube.com/watch?v=jUKYLtwnFi8
(2)مغرور قلبي- فيروز
https://www.youtube.com/watch?v=s4c1bmWEANk
(3) يللي كان يشجيك أنيني- أم كلثوم
https://www.youtube.com/watch?v=iXCAHM8KIZs
(4) قولي لِطَيْفِك- أم كلثوم
https://www.youtube.com/watch?v=TGIwispDG54
(5) سكن الليل- فيروز
https://www.youtube.com/watch?v=eMst65Bc0dw
(6) رباعيات الخيام – أم كلثوم
https://www.youtube.com/watch?v=DVpHC_JlP_Q


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.