لا تملك وأنت جالس أمامه سوى أن تعتز وتفخر بأن هذا الشاب يشاركك فى مصر، ثم فجأة ينقلب مزاجك فى حضرته، ليقتحم قلبك شعور آخر بأنك مقصر إلى حد كبير فى حق نفسك لأنك لم تترك لها مساحة الحرية التى تستحقها، فتتحدى بها الدنيا لتفعل ما تريد، بشرط أن تصل به فى النهاية لاحترام من حولك.. وهذا هو دستور حياة أيمن: «لازم أعيش زى ما أنا عايز، المهم أرضى ربى وأقتنص تقدير الجميع». طوال الطريق داخل الجامعة، ونحن نتحدث عن صعوبة المواصلات التى أصبحت عائقا مرعبا فى مسألة ضبط واحترام المواعيد وكان محور الحديث كيف يمكننا الذهاب إلى الأماكن التى ننشدها وسط هذه الظروف وفجأة أوقفتنا كلمة الظروف.. يعنى إيه ظروف؟ ومع إنسان مثل أيمن ما هى قيمة الظروف؟ وبعد لحظات تأكدنا أنه لا قيمة للظروف إذا قررت أن تتحداها وتوافق على دخول المعركة معها ولو بشروطها.. وأثناء ذلك كنا قد وصلنا إلى كلية دار العلوم حيث كان موعدنا مع أيمن وحينما سألنا عنه وجدنا الجميع يبحث عن «موتوسيكل» أيمن لأن وجود الموتوسيكل أمام بوابة الكلية بجوار السلم المؤدى للمبنى الرئيسى معناه أن «الكابتن» أيمن هنا وأكد لنا الجميع أن موتوسيكل أيمن بات من أشهر معالم «دار علوم» جامعة القاهرة. بعدها التقينا بأيمن الذى كان فى استقبالنا فى حفاوة بالغة، وتقدمنا إلى حيث جلسنا معه، وطوال الطريق لغرفة رعاية الشباب لم يترك أيمن شخصا واحدا إلا وداعبه وعرفه علينا فى منتهى الفخر والسعادة، وهو يقول «الأساتذة صحافة وجايين يعملوا معايا حوار»، فى إشارة منه إلى أنه فخور بهذه المرحلة فى حياته. هنا سألناه: هل أنت سعيد أنك نجم تبحث عنه الصحافة؟ أم أنها «مش فارقة»؟ فرد أيمن بسرعة: «بالطبع سعيد وأحمد الله وحده الذى لولا عنايته بى ورضاه عنى لما وصلت إلى هذه المرحلة، لكن سعادتى ليست لمجرد الفخر السطحى، ولكنها سعادة أننى تحديت كل ظروفى ومن حولى وكنت بحمد الله سببا فى فخر الجميع بى». بعد أن استقررنا وطلب لنا أيمن بعض المشروبات، التى لاحظت بسببها مدى الحب والاحترام الذى يتمتع به أيمن من كل من حوله، وذلك لإقبال الجميع على الذهاب لتلبية طلبه. طلبنا منه أن يحكى لنا حكايته كما يحلو له أن يبدأ، فقال: السعادة التى أعيشها داخل جدران هذه الكلية لم أحصل عليها من قبل، لأنها كانت حلمى منذ أول يوم فى رحلة العلم فى حياتى، لكن كثيرا ما تصبح إرادة الأهل سببا فى كبح أحلام الأبناء، فعندما أكد لى أغلب معارفى وأصحابى أن أقصى ما يمكننى تحقيقه علمياً هو «الثانوية»، كنت «بأكل الكتب أكل»، لدرجة أنى حصلت عليها بمجموع حوالى 90%، ووقتها كنت مضطرا لتحقيق حلم أهلى بلقب الباشمهندس أيمن، لكن بعد أن حققت لهم حلمهم بالالتحاق بالهندسة، لم أجد نفسى ولم أعثر على حلمى، وبعد دراسة 5 سنوات هناك قررت أن أبحث عن ذاتى وألا أترك أحلامى بين يدى غيرى، وقتها قالوا لى إنى مجنون، عندما حوّلت من هندسة بعد سنوات الدراسة فيها من دون علم أهلى، ولكن عشقى الشديد للغة العربية والشعر والقصص كان وراء ذلك، فأنا الآن فى الفرقة الثانية بكلية دار العلوم، وعضو فى فريق المسرح بها، وعضو أسرة التغيير فى اتحاد الطلبة، ورئيس جماعة الشعر، وحاصل على تمهيدى دعاة بتقدير عام جيد جدا، وكل ذلك بفضل من كانوا يظنون ويؤكدون أنى لن أحصل على شىء سوى الثانوية العامة. بذمتك.. هل كنت سأعشق الحياة هكذا وأقدم على كل هذه الأنشطة وأنا أدرس ما لا أحبه ولا أجد فيه نفسى؟ هل أنا هكذا مجنون؟ لو كان هذا هو الجنون.. اتجنن. أما عن الرياضة والبطولات فى حياة أيمن، فقال «أول ما قيل لى فى دنيا الرياضة، كان من أصحاب الطفولة فكنت دوما بالنسبة لهم عائقا فى استمرار اللعب، ولم يكن أحدهم يختارنى فى الفريق الخاص به، وكثيرا ما سمعت جملة «ملكش لعب معانا»، وهى جملة ما زلت أكرهها ولا أطيق سماعها، رغم كل الألعاب التى أمارسها، لذا أطلب من الجميع أن يتسع قلبهم لمن حولهم ولا يقصى أحد أحدا من حياته، لأننا نكمل أحلام بعضنا وسعادة بعضنا، وأتذكر أن حياتى تحولت حينما سمعت كلمة «انت رخم.. ورخامتك ستكون سر تفوقك فى الرياضة».. هذا ما قاله لى الكابتن «صفوت العونى»، الذى قابلته عندما أصررت وطلبت من والدى أن يذهب بى للنادى الذى سمعت عنه من أصحابى. بالفعل اشترك لى والدى فى نادى بنها للمعاقين، ومنذ ذلك الوقت لم أتوقف يوما عن لعب الرياضة، حتى أكرمنى الله بهذا العدد من البطولات فى العديد من الرياضات، فأنا بفضل الله حاصل على 5 بطولات مع فريق كرة السلة على مستوى الأندية، و3 ميداليات فى السباحة، و3 فى رفع الأثقال وألعاب القوى والريست وتنس الطاولة، حتى بلغ عدد الميداليات على مستوى جامعات مصر حتى الآن 29 ميدالية، ولكن تظل رياضتى المفضلة هى السير بالكرسى المتحرك الذى يذكرنى بأيام حلوة كثيرة، وأعتبره «الأصل»، حتى بعد شرائى للموتوسيكل الكهربائى. سألناه: ما حكايتك مع الثورة، خاصة أنك كنت من مشاهير الميدان؟ يبتسم أيمن وهو يتذكر تلك الأيام، يقول «إنها حقا أجمل وأمجد أيام العمر.. سبحان الله، اللى قدامك ده بيكره المظاهرات كرها شديدا، وكنت حينما أسمع عن وقفات احتجاج للمعاقين مثلا أقول وليه كده؟ كل شىء ممكن حله بسهولة أكتر من كده، لكن فى ثورة يناير كان الوضع مختلفا تماما، وأذكر أنه بمجرد عودة شبكة الاتصالات المحمولة اتصلت على الفور يوم 30 بصديق عمرى فرج، لأعرف منه هل نزل أحد أصحابنا الميدان، خاصة أننا كنا فى بلدنا بالمنوفية وجاءتنى المفاجأة أن فرج نفسه كان فى التحرير، وإن المسألة المرة دى ثورة بجد وإن الناس بتموت وفيه دم.. وهنا أحسست أننى مقاتل فى حرب وتخلى عن موقعه، ولم أتقدم لخدمة وطنى حينما استنجد بى هذا الوطن العزيز، وعلى الفور قمت بتجهيز نفسى وحقيبتى، لكن أمى استغاثت بالجيران وعملت «هيصة»، وكأنى لو نزلت هموت أمام الباب، حاولت أتفاهم معها وأشرح لها شعورى لكن لم تكن هناك فائدة، وفى ليلة 5 فبراير سلمت على الجميع وأكدت لهم أنى هاصلى الفجر، وكنت اتخذت القرار، حيث سافرت لمصر بمساعدة مصريين جدعان، كانوا بدورهم فى طريقهم لتلبية نداء الوطن، وفى ظهيرة ذلك اليوم كنت محمولا أنا والكرسى المتحرك على أعناق الثوار الشرفاء، وأهتف وهم يرددون من بعدى، فى مشهد لن يمحى من مخيلتى ما حييت، وبعدها أصبحت أحد المتحدثين الأساسيين من فوق المنصة، وقابلت هناك كل الرموز الثورية وأصبحت من أول يوم من مشاهير ثورة يناير، ومن يومها وحتى يوم التنحى لم أترك الميدان، رغم صعوبة المعيشة على أمثالى خاصة فى مسألة الحمام، وكنا نأكل الفول والطعمية والكشرى ونحن نتندر على أنها وجبات كنتاكى.. والله كانت أجمل أيام العمر. ويتابع «كانت الدبابة هى بيتى الذى أستظل به وكانت المشكلة لما تتحرك لأنها كانت بتعمل صوت عنيف جدا وكانت كل ما تمشى أبحث عن غيرها ليكون بيتى الجديد.. مش باقولك أيام روعة». سألناه أيضاً: كيف ترى مصر بعد الثورة؟ فرد «أكيد فيه غلط.. هناك حسبة ليست مضبوطة، خاصة أن الجميع لا يفكر فى مصر، بل الأغلب يفكر فى نفسه وينساها وينسى رفقاء الميدان وينسى من مات بجواره، وإنه عايش الآن ليحقق للشهيد حلمه الذى مات من أجله، فهذا هو حقه عليه.. ومع هذا فأنا ما زلت متفائلا بأن مصر تستطيع أن تقف على قدميها فى أى وقت». وهنا استعد أيمن لاجتماع صغير مع بعض الطلاب، وتركناه يجلس معهم بعد أن استأذنا لمدة 10 دقائق، وغادرنا بتلك الكاريزما العجيبة التى لا يملك من يناقشها سوى الاستماع لكل ما يقوله وتنفيذ كل ما يطلبه، وهذا ما يحتاج إلى كثير من الحكمة التى يتمتع بها أيمن أهلته لثقة كل من حوله. بعد ذلك تحركنا إلى المدينة الجامعية بناء على دعوة أيمن لنا، وتحركنا كل بوسيلته المعتادة، وكانت «فسبة» أيمن محل انتباه كل من كان يقابلنا، وهم يشيرون للنجم وهو فوقها والجميع يطلب منه أن يشرفهم بالجلوس معهم قليلا، وهو وفى منتهى التواضع يشير للجميع بالشكر والثناء، وعندما وصلنا المدينة لاحظت النجومية الحقيقية التى يتمتع بها أيمن هناك، فالكل يصافحه ويعرض عليه خدماته، خاصة أنه الشهير بأبوتريكة فرقة المدينة الجامعية فى مباريات كرة القدم، وأنه على حد تعبير رجل الأمن أمام المدينة «ده اللى رافع راس المدينة فوق»، ومنهم من طلب أيمن منه بالفعل إحضار الغذاء له من مطعم المدينة فسارع لذلك وهو فى منتهى السعادة، وبعد أن صلينا العصر فى غرفته بالدور الأرضى بالمبنى الثالث، فتح أيمن خزينة أسراره وإنجازاته الموجودة بالكمبيوتر الشخصى الخاص به، لنشاهد أكثر من 3 آلاف صورة، ومئات القصائد والأشعار والقصص والحكم. هذه هى حياة أيمن فهيم التى تعلمنا أن الإرادة التى لا يملكها العديد منا هى سر النجاح والتفوق والتمكن من عيش حياة سعيدة حتى إذا وجدت تحديات عديدة فأيمن هو بطل وشاعر وثائر على كرسى متحرك.