كيف للنائب العام، نظرياً محامى الشعب الساهر على تطبيق القانون وحماية الصالح العام، أن يصدر الآن بياناً يدعو من خلاله المواطن إلى استخدام «حقه» فى الضبطية القضائية وفقاً للمادة 37 من قانون الإجراءات الجنائية؟ لن أتطرق إلى الجدل القانونى المرتبط بالمعايير المنصوص عليها فى المادة 37 لتنظيم هذا الحق بقصره على القبض على من يشاهد متلبساً وهو يرتكب جريمة من الجرائم التى يجوز بشأنها الحبس الاحتياطى وبشرط تسليمه الفورى إلى أقرب ممثل للدولة، ولا يعنينى هنا التكييف القانونى لهذا الحق المخول للمواطن ومدى انطباق صفة الضبطية القضائية عليه من عدمه. بل مناط نظرى هو البيئة المجتمعية والسياسية التى ستفعل بها دعوة النائب العام والتداعيات الكارثية التى ستحدثها. فالبيئة المجتمعية يرتفع بها وبصورة غير مسبوقة منسوب العنف الرسمى والأهلى وتتسع وتتداخل بها الدوائر الممارسة للعنف من أجهزة أمنية تتورط باستمرار فى انتهاكات لحقوق الإنسان إلى مجموعات من الخارجين على القانون مروراً بمحتجين تخلوا عن شرط سلمية التظاهرات والاعتصامات والعصيان المدنى. فى مثل هذه البيئة المجتمعية، ليس لدعوة المواطن لتطبيق القانون بيديه إلا أن تضع مصر فى أتون الاقتتال الأهلى وعنف الكل ضد الكل. والبيئة السياسية يرتفع بها منسوب الصراع والاستقطاب وانعدام الثقة وغياب فرص الوصول إلى توافقات، وتقارب بها الأحزاب والتيارات المختلفة أحوال البلاد كمعادلة صفرية وإقصائية بها فائز وحيد ومكسب غير قابل للقسمة. تتسم البيئة السياسية كذلك بتراجع قدرة الدولة على تطبيق القانون واحترام حقوق الإنسان على نحو يحمى كرامة المواطنات والمواطنين ويشعرهم بالأمن، وهو بجانب توفير الظروف المعيشية اللائقة الواجب الأساسى الأول للدولة. فى مثل هذه البيئة السياسية، ليس لدعوة النائب العام لخصخصة تطبيق القانون إلا أن تفتح أبواب مصر على مصراعيها لتشكل مجموعات وحركات شعبية (من أفراد) معسكرة (ميليشيات) تحل كبديل للأجهزة الأمنية النظامية وتشتبك مع الأخيرة فى صراعات مستمرة وتمارس بينياً (أى ضد بعضها البعض) عنفاً أهلياً كارثياً لن نتمكن كمجتمع ودولة من احتوائه وسيدفع بمصر من نقطة اللاحكم الحالية إلى فوضى واقتتال أهلى. لا تسمح البيئة المجتمعية والسياسية فى مصر بخصخصة تطبيق القانون وبإشراك المواطن كعامل مساعد للأجهزة الأمنية لسد الثغرات الكثيرة فى منظومة الأمن واحترام حقوق الإنسان. فالسبيل الوحيد لسد الثغرات هذه هو بإصلاح بنيوى للأجهزة الأمنية وإعادة هيكلتها على نحو يسمح بتطبيق القانون وحماية حقوق الإنسان. أما خصخصة الأمن، وهذه هى جوهر دعوة النائب العام، فستضع مصر فى البيئة الحالية فى أتون الاقتتال الأهلى وعنف الكل ضد الكل.