أحب الابتكار والإبداع والاختراع، وأقبل الخروج عن المألوف، بل وبعض الممارسات التى يراها البعض ضرباً من الجنون وفقاً لدعوة «اتجنن»، وغيرها من دعوات التطوير والتغيير والتحديث والمعاصرة التى بلغت ذروتها عندما تَوحّد الشعب المصرى لينتج ثورته الكبرى فى تاريخ الثورات الإنسانية. أفرح بكل مبادرة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو علمية أو فنية.. ولكنى أرفض كل مظاهر العشوائية التى أرصد ارتفاع معدلاتها وتحديها للثورة وأهدافها الأسمى فى ضمان ممارسة الحريات، وحفظ الحقوق، ومشاركة الجميع فى اتخاذ القرارات المصيرية، وهو ما يُعرف بالديمقراطية. كسر الروتين والعشوائية فى الفن يرفعان درجات الإبهار، ويضاعفان من تحفيز عقول من يتلقى رسالات الفن تعميقاً لتأثيره الإيجابى على المجتمع.. أما العشوائية التى نتصور أننا نعالج بها مشكلاتنا، فكلها قنابل موقوتة تنفجر يوميّا فى وجوهنا؛ لقد زحفت العشوائية على عقولنا وسكنتها، فأصبحنا نتعامل مع عشوائية الإسكان على أنها حل لأزمة المساكن: «يعنى يعيشوا فى الشارع؟»!! يقولها من يلتمس العذر لكل اعتداء على أرض زراعية أو تعلية غير قانونية أو مقننة عن طريق الرشوة!! العشوائية فى افتراش الأرصفة والشوارع لممارسة أنشطة تجارية غير مسجلة؛ تُضاعف من حجم الاقتصاد الأسود! العشوائية فى إنفاق أموال الزكاة والصدقات أفرزت من نطلق عليهم ظلماً أطفال الشوارع وأعداداً لا تُحصى من المتسولين: «يعنى يموتوا م الجوع؟»!! العشوائية فى مواجهة سوء العملية التعليمية أدت إلى نشأة التعليم الموازى الذى لا يرحم الفقراء، سواء كان على شكل دروس خصوصية أو مجموعات أو غيرها من المسميات. العشوائية فى التصدى لأزمات المواصلات أدت إلى انتشار الوحدات غير المرخصة، والتى لا تسمح حالتها بترخيصها، كالكثير من الميكروباصات والتكاتك والموتوسيكلات وسيارات النقل وسيارات الشرطة. كفانا مغالطة لأنفسنا، كفانا احتقاراً للمناهج العلمية فى مواجهة مشكلاتنا العديدة! العشوائية لا تعرف العدالة، حيث تنطلق بغير معايير أو قواعد من أى نوع؛ إنها بالفعل ترسيخ لمنطق الغاب: «البقاء للأقوى»، أو الأكثر قدرة على البلطجة وتحدى القانون. الأسواق السوداء تقتل الأسواق البيضاء الشريفة، وتطيح بطموحات وآمال ومشروعات الشباب الحالم بمستقبل أفضل. القضاء على الرقعة الزراعية شديدة الخصوبة نُعوّضه باستثمارات خرافية ندفنها فى الصحراء. العشوائية هى الباب الذهبى لانتشار الفساد والرشوة والاستثناءات وكافة الممارسات القذرة! لست من الحماقة للمطالبة بالقضاء عليها اليوم أو غداً، لكنى أدعو إلى وضع رؤية متكاملة؛ يشارك فيها كل صاحب رأى، للتخلص من العشوائية وفقاً لخطة وجدول زمنى غير عشوائيين، واضعين فى أعيننا تحقيق قيم وأهداف الثورة المتمثلة فى تحقيق الكرامة والعدالة ومواجهة الفقر. أما اليوم وغداً، فإنه بإمكاننا القضاء على ظاهرة أطفال الشوارع بالحرص على توجيه المساعدة للمحتاجين من خلال قنوات رسمية محترمة كالجمعيات الأهلية حسنة السمعة، والملاجئ، ووحدات الضيافة النموذجية فقط..