تضارب التصريحات من مسئولى حركة فتح بشأن المصالحة بين رئيس الحركة ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وبين القيادى المفصول من «فتح»، محمد دحلان، تعكس انقساماً واضحاً فى حركة فتح بشأن هذا الملف، فمنذ إثارة قضية «دحلان» والحديث داخل «فتح» لا يشى بالرضا أو الارتياح فيما يتعلق بأداء الحركة فى معالجة لملفاتها الداخلية وبالذات قضية «دحلان». هناك تيار داخل «فتح» يدعم ويتبنى موقف الرئيس عباس الرافض رفضاً قاطعاً أى وساطة تسفر عن مصالحة أمثال جبريل الرجوب وعزام الأحمد اللذين انتقدا بشكل واضح تدخل بعض الدول العربية لرأب الصدع بين الرجلين وكاد انتقادهما الحاد أن يصل إلى أزمة، وتيار آخر يروج إلى اقتراب الأزمة من الحل وأن مساعى الرباعية العربية (مصر والسعودية والأردن والإمارات العربية) تحمل الخير ل«فتح» كى تستطيع لملمة شتاتها وترتيب أوضاعها الداخلية ومعالجة الانقسام والصراع الحاد داخلها استعداداً لخوض الانتخابات البلدية المحلية التى أُجلت بحكم قضائى فى مواجهة حركة حماس، يرى هؤلاء أن المصالحة تأتى فى إطار ترتيب البيت الفتحاوى وإنهاء حالة الاستقطاب والصراع الذى مزق وحدتها ووضعها على شفير هاوية، بما يسمح لحركة حماس بالسيطرة وكسب جولة الانتخابات البلدية المرتقبة وما تشكله من أهمية استراتيجية لإثبات مكانة «فتح» التى أهدرتها الخلافات والصراعات الداخلية، بينما يرى الرافضون أن وساطة الرباعية العربية تدخل سافر فى الشأن الفلسطينى وحركة فتح آن الأوان لإيقافه. لا مجال لتفنيد المواقف وتحليلها بقدر التوقف أمام أزمة حقيقية تواجهها حركة فتح وتعانى من تداعياتها، فإذا كان الرافضون يبررون رفضهم للوساطات العربية من منطلق استقلال القرار الفلسطينى ورفض التدخل الخارجى فى شأن فلسطينى داخلى بحت فلا غبار على ذلك، بل بالعكس فإن الكل الفلسطينى يرنو إلى الاستقلالية بعيداً عن التجاذبات السياسية الإقليمية وتأثيراتها على القرار الفلسطينى، غير أن ما يلاحظ أن هؤلاء يوظفون التبرير لغاية خاصة وليس لمصلحة عامة، فالموقف الرافض لإعادة «دحلان» هو موقف شخصى وليس سياسياً أيديولوجياً، لأنه لا خلاف فى السياسات بين «دحلان» ورئيس السلطة؛ كلاهما ينسق مع الاحتلال، وكلاهما ربما يتفق فى الأهداف، ومن هنا ينبع الخطر، خاصة عندما تدخل تركياوقطر على خط الأزمة لعرقلة المصالحة لإحياء جهود المصالحة فى الاتجاه المعاكس بين حركة حماس وحركة فتح، وهو ما بدا واضحاً فى الأيام القليلة الماضية بما يتم تداوله لبحث إمكانية جمع الطرفين مجدداً على طاولة المصالحة فى العاصمة القطرية بعد حصد ثمار الجولة العربية التى يقوم بها القيادى الحمساوى إسماعيل هنية الآن والتى تأتى فى السياق الترويجى لمصالحة ستستفيد منها «حماس» لتمهيد الرأى العام داخل «فتح» لدعم فكرة الانتخابات المحلية. ما يثير الدهشة إصرار الرئيس أبومازن، على رفض التصالح مع «دحلان»، ورغم أنها خطوة جريئة من ناحية كونه ثابتاً على موقفه، لكنها من ناحية ثانية تشكل عبئاً على إمكانية توحيد صفوف «فتح» وخوضها أى معركة سياسية مستقبلية وربما يكون التحدى الأكبر الذى ينتظرها هو الانتخابات المحلية، كما أن حركة حماس لا تستقر على مواقفها ومتقلبة فى سياساتها وتقلبها نابع من علاقتها مع دول إقليمية لها مصالحها وحساباتها السياسية فى المنطقة لا تختلف كثيراً عن الدول التى انتقدها الرئيس عباس، فضلاً عن أن الخلاف بين «عباس» و«حماس» خلاف فكرى جوهرى، بينما خلافه مع «دحلان» خلاف شخصى تكتيكى ولا يرقى إلى خلاف سياسى أيديولوجى، فلماذا يضحى «أبومازن» بمستقبل حركته التى تعصف بها الانقسامات والتفكك -خاصة أن ل«دحلان» نفوذاً ومؤيدين داخلها- ورغم المحاولات الحثيثة لإنهاء حالة الصراع والاستقطاب الداخلى؟! ولماذا يضع الرئيس عباس نفسه فى مواجهة وهو فى أضعف حالاته السياسية مع دول لها ثقلها وطالما تشاور معها فيما يخص الوضع الفلسطينى ووضعها أمام مسئولياتها تجاه القضية الفلسطينية؟! والأهم هل تخلى «عباس» عن حلفائه مهما كانت التحفظات عليهم واتجه إلى حلف قطر - تركيا لإنجاز مصالحة مع «حماس» استمرت سنوات تراوح مكانها بسبب حالة الاستقطاب السياسى من جهات إقليمية ليس من مصلحتها لهذه المصالحة أن تتم؟ وبماذا أغرته تلك الدول حتى يضحى باستقرار داخلى هو أحوج إليه من وعود زائفة؟ استقلال القرار الفلسطينى مطلب لا يختلف عليه أحد، لكن أيضاً يجب أن يكون فى اتجاه المصلحة الوطنية التى لا تقبل القسمة على اثنين.