لو بذل تنظيم الإخوان عُشر الجهد الذى يبذله فى محاولة السيطرة على الدولة فى اتجاه التوافق مع الشعب المصرى ومع القوى السياسية المناوئة لكانت مصر الآن على أرضية صلبة تسير واثقة فى اتجاه التطور والنهوض والتقدم. ولكن بعناد، وغباء غير مفهوم، يصر هذا التنظيم على تصدير نغمة الحوار دون النظر فى مضمون التوافق. يسير تنظيم الإخوان فى طريق السيطرة على المفاصل والمناصب والمعلومات والقوانين مستخدما فى ذلك كل الأسلحة غير الشرعية، من أول محاصرة المحكمة الدستورية إلى تحصين عمل اللجنة التأسيسية ومجلس الشورى.. مروراً بفرض منطق البلطجة (الجنائية والسياسية) على المجتمع، ولا ينتهى الأمر عند هذا الحد.. بل يستمر هذا التنظيم الإخوانى إلى آخر المدى فى تمكين عديمى الأهلية والكفاءة وفرضهم على مناصب الدولة ومكوناتها وأملاكها.. وهذا ما يؤدى بالتأكيد إلى «الدولة الفاشلة». و«الدولة الفاشلة» هى الدولة التى لا تستطيع أن توفر وسائل الحياة لأفرادها من عمل وغذاء وصحة وتعليم.. وقبل كل هذا.. الأمن. فإذا وصل الأمر إلى هذا الحد.. يسقط القانون.. وتشيع الفوضى.. وتتدخل الأطراف الخارجية لتتلاعب بمكونات الدولة.. مما يؤدى إلى تمزيقها بين القوى المتصارعة على أرضها. هذه هى الدولة الفاشلة. وهذا هو ما يقودنا إليه تنظيم الإخوان.. وهذا هو الوصف الدقيق لكلمة «ثورة الجياع» التى يحذرنا منها الكثيرون، بينما أعتقد أنها بدأت بالفعل. شاهدوا.. وتابعوا.. وحللوا.. نوعية الحوادث التى تنشرها صحف الحكومة -قبل صحف المعارضة- فى هذه الأيام.. لتكتشفوا أن (الجياع) قد أعلنوا عن أنفسهم من خلال الموجة الأولى.. إنها موجة البلطجة العلنية.. حوادث نهارية.. تستخدم فيها الأسلحة النارية علنا لخطف أفراد أو سيارات أو أموال.. وتهديد المارة من الاقتراب.. حتى ينصرف المجرمون بغنائمهم تحت حماية السلاح.. وقريبا -ونتمنى ألا يحدث- ينضم إلى هؤلاء.. الجياع إلى الخبز.. وربما هذا ما يحذر منه الجميع.. فهؤلاء هم الأكثر عدداً.. إنهم بالملايين.. وكلنا يعلم أن الجوع إلى الخبز لا يمكن لجْمه.. وهو يبرر لصاحبه القتل والنهب والسلب. جياع الخبز.. شىء آخر تماما.. إنهم يشاهدون.. ويراقبون.. ويحشدون ثقتهم بأنفسهم ويقيسون فرق القوة بينهم وبين الآخرين (الجيش والشرطة وبقية طوائف المجتمع..)!! إن جياع الخبز هم الموجة الأخيرة المدمرة من الجياع.. والتى تؤدى إلى الفوضى العارمة.. وحين أحدد جياع الخبز.. فهذا يعنى أن هناك أنواعا أخرى من الجياع.. وهؤلاء يملأون شوارع مصر وميادينها وفى جميع المحافظات.. إنهم الجياع (للكرامة).. الجياع (للعدل الاجتماعى).. الجياع (لتمثيل حقيقى فى الحكم).. الجياع (للتعامل الآدمى فى دولة ديمقراطية تتسع لكل التيارات).. الجياع (لمصر قادرة قوية مستندة إلى نفسها.. وليست مستجدية). هل يفهم الإخوان هذا!! أم أنهم ينفذون مخطط إنهاك مصر لمصلحة أهداف وأطراف لا يعلمها إلا الله؟! دعونى أتمنَّ من الله ألا تصدق جميع تصوراتى السابقة.. وأن يسعى تنظيم الإخوان إلى توافق حقيقى يهدينا جميعا مصر التقدم.. مصر الأمل.. مصر الأمان.