مصر تمر هذه الفترة بارهاصات محنة كبيرة، ومأساة خطيرة أتحفتنا بها قوى الثورة المضادة القذرة، الهدف منها وقف العبور الثالث بمصر الثورة، بانتخابات برلمانية للوصول إلى الدولة الدستورية المستقرة. ثورة مضادة يصنعها ويمولها عدة أطراف لا تريد لمصر الخير تعلو نبرتها كلما اقتربت مصر من اتخاذ أى خطوة كبيرة على طريق بناء الدولة المستقرة، والديموقراطية الحديثة. ويجب أن نكون حذرين لأننا كلما اقتربنا من الدولة المستقرة يتحفنا الفلول الضالة، وعناصر الإجرام بأعمال سوداء تعود بنا إلى نقطة الصفر مرة أخرى. هذه الموجة من موجات الثورة المضادة اتخذت أبعادا خطيرة مستخدمة العنف والتمرد فى جميع أنحاء الدولة المصرية، مستغلة خروج الجماهير فى الذكرى الثانية للثورة، ومستغلة الصدمة التى نتجت عن قرار المحكمة الخاصة بمذبحة استاد بورسعيد بإعدام أكثر من عشرين بلطجيا من بلطجية الثورة المضادة المتورطين فى هذه المذبحة العام الماضى. هذه الموجة تميزت بظهور جماعات عنف وتمرد أفرادها ملثمون وأيضا استخدم فيها أطفال الشوارع والمشردون وأيضا الكثير من الشباب الذى يعانى من إحباط شديد، ومصر كلها شاهدت أشخاصا يوزعون المال على البلطجية، وتجهيز قنابل المولوتوف وتم تصوير هؤلاء البلطجية وهم يحملون الأسلحة الأوتوماتيكية والثقيلة ويحملون أسماء غريبة مثل سردينة وكامبا وبندق وفجلة وحنوس وأبو إسكندر وأغلبهم عناصر إجرامية ومسجلون خطر لدى أجهزة الأمن. كل ذلك لن يجدى مع مصر أرض التسامح ومنبع الأخلاق والأديان، كل ذلك لن ينجح مع شعب مسالم لا يميل للعنف بل يرفضه ويمقته، كل ذلك لن يجدى مع مصر المحروسة من السماء مصر الآمنة المطمئنة كنانة الله فى الأرض. كل ذلك لن يجدى أبدا، ومصر بها خير أجناد الأرض جيش مصر الباسل وسيفها البتار. يجب التفريق تماما، بين ممارسة الغنف، وأعمال البلطجة وارتكاب جرائم فى حق الشعب، وقواته الأمنية، وبين من يمارسون الحراك الثورى السلمى، الذى يجب أن يستمر حتى تحقيق أهداف ثورتنا وبين من يمارسون الحراك السياسى للتنافس الطبيعى على كراسى السلطة ومقاعد المجالس النيابية والمحلية. نعم هناك حالة من الغضب عند فئات كثيرة من الشعب أحيانا نجدها هستيرية بسبب تأخر العدالة الاجتماعية وبطء وضعف القرارات الحكومية وتدهور الاقتصاد. هناك حالة من الرعب من صعود الإسلام السياسى إلى سدة الحكم فى أطار الخوف من المجهول وهناك حالة رفض للدستور الجديد. هناك حالة من الاستقطاب السياسى الحاد بين الفريق الذى يحكم والفريق الذى يعارض وصلت إلى حد التراشق الإعلامى ورفض أى دعوات للحوار، وقطع طرق التواصل بين القوى السياسية. بالرغم من كل ذلك يجب على الجميع إدانة العنف بكل أشكاله ودعم قواتنا الأمنية ومساعدتها على صد هذا العدوان من جيوش البلطجية وخاصة جيوش الإجرام الملثمة. يجب على الجميع الامتناع عن إعطاء أى غطاء من أى نوع لمن يمارسون العنف ويحملون المولوتوف والخرطوش والأسلحة الأوتوماتيكية والجرينوف. يجب على القوى السياسية المتصارعة التخلى عن فكرة الإقصاء والاستحواذ والتمكين، والتحلى بالتسامح وثقافة التعاون والتضامن وثقافة الحوار. نحذر من استمرار العتاد وممارسة الغباء السياسى الذى يغذى موجات العنف ويمنحها الغطاء والتى تهدف إلى إسقاط هيبة الدولة تمهيدا لإسقاط الدولة وإفشال الثورة، موجات العنف التى تجمعت وتكاثرت حيث نجد السلاح والمال والملثمين والفلول الضالة والبلطجية ومؤامرات داخلية وخارجية. من العار على القوى السياسية والثورية والأحزاب والجماعات والجمعيات والطوائف أن تتصارع على أشلاء أبناء الوطن، أن تصمت على استمرار نزيف الدم المصرى. إن استمرار حالة الفشل السياسى سيؤدى بنا الاقتراب من الهاوية وإعلان حالة الحداد على أعظم ثورة فى تاريخ الشعب المصرى بل فى تاريخ العالم كله. نحذر من الانزلاق بخطى متسارعة إلى مستنقع التدهور السياسى والاقتصادى والاجتماعى والأخلاقى الذى لن نجنى من ورائه إلا الفشل والتفكك والتقسيم لا قدر الله، نحذر من استمرار ما نحن فيه من أخطاء جسيمة توصلنا إلى دولة فاشلة لا تقدر على بسط سيطرتها وحماية أراضيها، دولة فاشلة لا تقدر على توفير الاحتياجات الأساسية لمواطنيها، دولة فاشلة لا تستطيع توفير الأمن لمواطنيها. إن التحول من نظام سلطوى استبدادى إلى نظام ديموقراطى غالبا ما تكون تكلفته عالية، وندفع من أجل ذلك ثمنا باهظا ولكن فى مصر دعونا نقولها صريحة السياسة تكاد تفسد ثورتنا وعلى القوى السياسية الحاكمة والمعارضة واجب تحمل المسئولية وإنهاء حالة الإحباط التى نعانى منها مع أن الواقع يقول إن الفشل والغباء السياسى أصبح الآن هو سبب مشكلة الإحباط التى يعانى منها الشعب. عندما يفشل السياسيون فى إنقاذ ثورة مصر العظيمة من الفشل وعندما تفشل القوى السياسية سواء حاكمة أو معارضة فى إنقاذ مصر الغالية على الجميع الرحيل وترك الأمر طواعية لقواتنا المسلحة الباسلة الوطنية والشريفة لتدير البلاد وتأخذها نحو الاستقرار والتنمية وهى قادرة على ذلك وإنقاذنا من الجوع وثورة الجياع. فشل السياسيين ستكون نتيجته ثورة جياع لا تبقى ولا تذر لأن الجائع لا يمكن أن نطالبه بالصبر والوطنية والإخلاص لوطنه. مع كل هذه المشاهد المأساوية فى عمومها الأمل موجود ومازال هناك بصيص أمل لو ضاعفنا الجهود الوطنية المخلصة ورفضنا الاستسلام لغباء بعض السياسيين، يجب التضافر والتعاون على إصلاح ذات البين بالحوار المستمر والبناء. يجب على جميع السياسيين الدخول فى هدنة ولا يهم الآن من يحكم ولكن المهم كيف يحكم المهم طريقة الحكم والالتزام بمبادىء الحرية والتحلى بالصبر والحكمة والتمسك بالعدل والمساواة واعتماد مبدأ المشاركة والتخلى عن مبدأ المغالبة. مصرنا الغالية فى حاجة إلى برنامج عمل سياسى يتشارك فيه الجميع بدون إقصاء لوضع سياسات محددة تخرجنا من الأزمة الحالية وتوصلنا إلى مرحلة استقرار وتنمية فى كل المجالات وفى كل أنحاء البلاد. مصر بحاجة شديدة للاعتراف بأننا جميعا مذنبون بحقها ومن ثم نتخلى عن المراهقة السياسية التى تمارسها القوى السياسية سواء الحاكمة أو المعارضة، مصرنا الغالية الآن تنادى وتصرخ لكى نخلصها من قبضة جيوش البلطجية وإلا سنصحو جميعا ونجد أنفسنا نتصارع على حكم بلد غير موجودة على خريطة الأرض. الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها وحمى الله مصر من شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن.