تظل عطيات الأبنودى إحدى العلامات الفارقة فى تاريخ السينما التسجيلية المصرية بعشقها الخالص لهذه السينما، وانحيازها الكامل للمواطن المصرى البسيط، وقدرتها على التعبير عن معاناته وهمومه وأحلامه وآماله وأشواقه، منذ بداياتها عام 1972 بفيلم «حصان الطين» الذى كان انعطافة فى تاريخ السينما التسجيلية فى مصر، ومؤصلاً للتيار الاجتماعى بها، وممثّلاً مع فيلم المخرج الكبير هاشم النحاس «النيل أرزاق» البداية الحقيقية للسينما التسجيلية المصرية الجديدة، ذلك أنها واحدة من القلائل الذين يملكون إدراكاً واعياً بطبيعة اللغة السينمائية وبدور الفيلم التسجيلى فى إعادة اكتشاف الواقع وقدرته على زيادة وعى الجماهير وتحريضهم للعمل على تغييره إلى الأفضل. أكثر من عشرين فيلماً وعشرات الجوائز من المهرجانات المحلية والعربية والدولية هى حصاد رحلة تلك الفتاة الصغيرة الطموحة التى انتقلت من مدينة السنبلاوين الهادئة فى دلتا النيل إلى القاهرة الصاخبة موظفة صغيرة بالسكة الحديد لتصل بموهبتها وقدراتها وطموحها إلى هذه المكانة الفريدة على المستويين المحلى والعالمى. تُفصح أفلام «عطيات» عن عشقها لمصر، المكان والإنسان، ترى البسطاء فى أفلامها فى حالة عمل دائم.. تتوغل بالكاميرا فى حياتهم لتكشف عن جوهرها، وتتقدم نحو العمق (التقدم إلى العمق 1979) محللة ظروف الواقع، مضيئة لعناصر الجمال والقوة فيه، شخوصها قوية، قادرة مكابدة، تعشق الحياة وتمارسها (إيقاع الحياة 1988).. تتحرك بوعى تاريخى تختزنه أعماق إنسان الحضارات من أقصى الصعيد (ساندوتش 1975) وحتى البحر.. والبحيرة (بحار العطش 1980)، مدافعةً عن حق المرأة المصرية فى الحرية والمساواة، منتصرةً لها، مؤمنةً بدورها فى المجتمع، رافضةً كل أنواع التمييز ضدها (نساء مسئولات 1994/ راوية - أحلام البنات 1995)، ترى فى الديمقراطية السياسية والاجتماعية ضرورة لحل مشكلات الواقع المصرى (أيام الديمقراطية 1996). ولأن «عطيات» تقوم بعمل مونتاج معظم أفلامها، ولأنها تدرك معنى الإيقاع، تأتى هذه الأفلام، عادةً، قصيداً إيقاعياً مُترعاً بالشعر، مُفعماً بالصدق، رغم خشونة مفرداته، وتكتسب الصورة أهميتها عند «عطيات» من خلال حرصها على استخدام زاوية مستوى النظر لتدفع المشاهد أن يرى.. ويتأمل.. ويفكر.. ليغيّر. فى «إيقاع الحياة»، الذى تتابع فيه الحياة اليومية للمصريين من أهل الصعيد من الميلاد إلى الموت، تحاول «عطيات» تقديم نموذج مصغر لحلمها فى تقديم موسوعة ل«وصف مصر» البشر والمكان سينمائياً، وهو حلم لا يزال يراودها، ونأمُل أن يتحقق. كانت «عطيات» -وما زالت- تعتبر الكلمة المكتوبة، كالسينما، أداة من أدوات التغيير، فأصدرت ثلاثة كتب؛ «أيام الديمقراطية» عن تجربتها فى إخراج فيلمها بذات العنوان، والثانى «أيام معه» وهو ذكريات شخصية عن فترة من فترات النضال السياسى فى مصر، والثالث -الذى صدر أخيراً- بعنوان «السينما الثالثة» بحث شائق عن تلك السينما المأمولة التى تستهدف بث روح الثورة فى جماهير العالم الثالث، كى ترفض الظلم والقهر والهيمنة، وتناضل من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.