لا يزال الشارع الإسلامى المتشدد فى تونس يمر بمرحلة المراهقة التى عرفتها مصر منذ عقود؛ مرحلة اغتيال المخالفين من الرموز المدنية كنجيب محفوظ، مرحلة حرق نوادى الفيديو ومنع المسرح الجامعى بالجنازير. فى هذا المناخ الذى تعيشه تونس الآن، يمكن فهم اغتيال المعارض شكرى بلعيد فى حادث فردى صدر على الأرجح عن متشددين تأثروا بفتوى أحد المشايخ، فعلى الرغم من اتهام البعض لحركة «النهضة» وللقيادات السلفية بالتغاضى عن انتشار هذا المناخ التكفيرى الفاسد، فإن أحداً لم يتهم أياً منهم بالضلوع المباشر فى تدبير الجريمة. فى مصر، تبدو اللحظة أكثر تطوراً وتعقيداً وخطورة؛ إذ تشير بعض الشواهد إلى اتجاه الإسلاميين إلى مرحلة أعلى هى مرحلة «شرعنة العنف»؛ بداية من إصرار البعض على النص فى الدستور على حق «كل» أفراد المجتمع فى مساعدة الدولة فى الحفاظ على «الأخلاق المصرية الأصيلة»، وهى عبارات عامة مطاطة تفتح الباب أمام كل تفسير، وانتهاءً بالنزول المنظم والمخطط لعناصر الإخوان لمساعدة الداخلية على الأرض فى منع حق التظاهر واعتقال المحتجين السلميين علناً، وتعمد الخلط بينهم وبين بلطجية مأجورين لا يعرف أحد من يدفع لهم. وصل الأمر إلى حد القبض على المتظاهرين والتحقيق معهم، وهو حق تقصره كل الدساتير والقوانين فى العالم على الأمن وجهات التحقيق الرسمية. ناهيك عن ممارسة هذه العناصر الإخوانية لجرائم لا تجوز لأجهزة القبض والتحقيق ذاتها من ضرب وسحل وتعذيب. أخيراً تتواتر الأنباء غير الموثقة حتى الآن عن تورط عناصر إخوانية وأمنية فى قتل قائمة طويلة مقصودة من قيادات الشباب المعارض وأكثرهم كشفاً لخطايا الإخوان وأكاذيبهم، أشهرهم محمد الجندى، ومحمد كريستى أدمن صفحة «إخوان كاذبون». على الرغم من وصول الأوضاع فى مصر إلى مستوى الأزمة بعد سقوط عشرات الشهداء ومئات المصابين خلال الأسابيع الأخيرة، وهو وضع لا يقارن بأحداث تونس، فإن المقارنة بين السلوك السياسى للرجلين الأكثر نفوذاً فى البلدين؛ الرئيس محمد مرسى ورئيس الوزراء حمادى الجبالى، تكشف عن فارق نوعى واضح فى درجة الحساسية السياسية؛ مرسى لا يزال رد فعله يتسم بالجمود وانعدام المرونة السياسية إزاء وضع سياسى يقترب بسرعة من حافة الحرب الأهلية. فى المقابل وبعد واقعة اغتيال فردى واحدة -لا عشرات القتلى والمختفين فى مصر- أبدى الجبالى حركية عالية ومرونة سياسية كبيرة، أدرك خطورة اللحظة على التماسك الوطنى التونسى، ورغم يقينه أن حزبه لا يزال هو الأقوى على الساحة؛ فإنه سارع بالتعهد بتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة غير حزبية، يشمل ذلك الوزارات السيادية المهمة؛ الداخلية والعدل والشئون الخارجية، التى كانت تتولاها قيادات إسلامية من «النهضة»، على أن تكون المهمة الرئيسية للوزارة إجراء انتخابات جديدة فى أسرع وقت، كى يطمئن كل تونسى إلى نزاهتها وشفافيتها، دون سيطرة حكومة حزبية عليها. أكد الرجل حرصه على الصالح الوطنى العام فى هذا الظرف الدقيق، وأكد استقلاليته وتجرده عن انتمائه السياسى الضيق لجماعته حين أعلن أنه «لم يستشر عند اتخاذه هذا الموقف لا أحزاباً حاكمة ولا معارضة، بل ضميره ومسئوليته أمام الله والشعب»، بل تحدى جماعته بعد أن رفضت اقتراحه. رغم حصول إسلاميى النهضة على الأغلبية فى أول انتخابات بعد الثورة، فإنهم وافقوا على اختيار رئيس مدنى للبلاد، كرسالة للتونسيين بكل فئاتهم واتجاهاتهم وللعالم كله، على خيار الديمقراطية التوافقية فى تونس. حينها سجل الغنوشى الهدف الأول فى مرمى بديع والشاطر، واليوم يسجل الجبالى الهدف الثانى فى مرمى مرسى.. وما زلنا فى انتظار المزيد من الأهداف.