الحالة الحوارية التى تديرها مؤسسات الدولة تبعد عن مفهوم الدولة الحديثة ومقتضيات الحوار فيها. فالأطراف التى تشارك فى الحوار أطراف مهمة معنوياً وتاريخياً وسياسياً، لكنها ليست الأطراف المرجوّة. وإطلالة واحدة على تشكيل المنضدة الحوارية يفيد بأن المنطق الذى تُدار به حالتنا الحوارية هو منطق القبيلة، حيث يجتمع رموز المجتمع كل مرة؛ ليقرِّروا الحلقة الوسط التى يجب أن تنتج عن عملية تفاوضية لا تراعى أصحاب المصلحة بالمفهوم الذى تدير به الدولة الحديثة تفاعلاتها. فمنطق اتصالات الأزمة؛ التى ولّدت حاجتنا الراهنة إلى الحوار، تستدعى البحث عن أصحاب الشأن المعنيين؛ وهى ترجمة رأيتها مقبولة لمفهوم «Stakeholders» فى أدبيات «اتصالات الأزمة». وأصحاب الشأن المعنيون هنا هم من يحرك الشارع. ولا أعنى بأصحاب الشأن هنا قيادات الجبهة، فالمتأمل لحركة الشارع وأنماط استجابة شيوخ الجبهة يدرك أنهم المتغير التابع لا الفاعل، أى أن الشباب هم المحرك وهم أصحاب الشأن المعنيون. ولا أريد أن يفهم القارئ من كلامى أن السادة حضور الحالة الحوارية الراهنة ليسوا أصحاب شأن، فكل مصرى هو صاحب شأن فى ما يتعلق بحالة مصر الراهنة «المأزومة»، لكن الجالسين لمنضدة الحوار ليسوا فاعلين مباشرين منخرطين فى الأزمة الراهنة. الأمر هنا يحتاج إلى الاستعانة بعلم السياسة ليوضح لنا دلالة أصحاب الشأن المعنيين. فعلم السياسة يتحدث عن الفاعلين المركزيين فى الأزمة، كما يتحدث عن حيازة ركائز القوة المؤهلة للمشاركة فى رسم ملامح مصر القادمة. وخلال الفترة الماضية؛ نجح شباب الشارع فى توضيح حالة عدم احتكار جماعة الإخوان للقوة السياسية فى الشارع؛ حتى ولو كان انسحاب الإخوان والسلفيين من الشارع ذا هدف نبيل عنوانه: تفادى الصدام. وبهذا المعنى، فإننا بإزاء فاعلين ناشطين منخرطين مباشرة فى الأزمة؛ وحائزين لموارد قوة سياسية نافذة، ومع ذلك؛ فقد تم استبعادهم من الحوار عملياً. أؤكد هنا أنى أتحدث عن أن استبعادهم من الحوار هو نتيجة عملية، حتى وإن كانت غير مقصودة. فرغم توجيه الدعوة إلى قيادات الجبهة للانخراط فى الحوار؛ ورغم قبولهم المشروط/ رفضهم، لهذه الدعوة، فإن غياب الفاعل الناشط المؤهل للمشاركة والمنخرط مباشرة فى الأزمة هو عيب سياسى لا يشفع له أن الدعوة تم توجيهها إلى أصحاب الشأن. وكما أن السياسة هى فن الممكن تفاوضياً؛ فإن المسئولية فيها تترتب على النتائج لا النوايا ولا الدعوات المقبولة أو المرفوضة. لا شك فى أن المراقب المنصف يدرك أن تراجعات الرئيس محمد مرسى عن بعض قراراته توخياً لرأب الصدوع قد أرسلت رسائل خاطئة إلى الشارع المصرى والقوى السياسية، وهو ما يدفع مؤسسة الرئاسة إلى عدم تكرار منطق التنازلات، لكن هذا يبعث أيضاً على البحث والابتكار للوصول إلى وسائل جديدة لجذب فرقاء/ شركاء الوطن إلى منضدة الحوار غير التراجعات. وإن كان الفرقاء/ الشركاء لا يريدون المجىء لأجهزة الدولة؛ فلا ضير فى أن تذهب الدولة إليهم ل«غرض الحوار». مصر لم تعد فرعونية. والحوار فيها لم يعد منحة تمنحها الدولة التى لم تعد أقوى من المجتمع. والنخبة الحاكمة ما بعد 25 يناير ينبغى أن تدرك أن التحرُّك الحوارى هو قيمة مضافة إيجابية إلى تراث ثورة يناير، بقدر ما هو قيمة مضافة إيجابية للممارسة السياسية لسياسيى «الحرية العدالة»، وأنه ليس نيلاً من هيبة أحد ولا حتى هيبة الدولة. ولتعلم النخبة الحاكمة أن رجل الشارع يرى أن الرئيس «مش عارف ياخدهم تحت جناحه».