لم يكن يعلم، وهو يتعلم أصول الصنعة على يد والده قبل أكثر من 35 عاماً، أنها سيأتى عليها يوم وتنقرض، ويصبح «وابور الجاز» قطعة أثرية فى منزل دخله الغاز الطبيعى، وصار البوتاجاز ذو «الأربع عيون» موضة قديمة، ليجد الرجل نفسه فى مأزق، فالمهنة التى ورثها عن والده لا يعرف غيرها، لكنه لم يستسلم للتكنولوجيا وثار عليها، ب«صفيحة ومكواة لحام بدائية». يفترش طارق غندر، الأرض كل صباح، وبجانبه موقد بدائى الصنع، وعدد من الصفائح البالية القديمة، إلى جوار مسجد «الفلاحين» بمنطقة «الحكر» بكفر الشيخ، ذلك الركن المخصّص له، الذى لم تربحه عائلته منذ 75 عاماً وأكثر، فيأتيه زبائنه فيه منذ كان صبياً يساعد أباه فى تصليح «بوابير الجاز»، وهى الأيام التى يترحّم عليها ويتمنى عودتها: «كانت الدنيا لسه بخير، والناس طيبة، وكان جدى بيصلحه بتعريفة، ووالدى بقرشين صاغ، وأنا أول ما بدأت تصليح كنت باخد ربع جنيه، وطبعاً دلوقتى نادر لما بيقع تحت إيدى بابور». يشعل «غندر» موقده، ويضع عليه «مكواة» لحامه، التى يتركها بضع دقائق حتى تتوهج، ويلتقط بها قطعاً من الرصاص، يبدأ بعدها فى الإمساك ب«ماكينة عيش» معدنية، أتت بها ربة منزل لإصلاحها، ثم يواصل الحديث: «المهنة لما انقرضت، والناس بدأت تشترى البوتاجاز، والعيشة ارتاحت، كنت هاتجنن، لكن ربنا هدانى لموضوع لحام الحاجات القديمة». لم يكتفِ الرجل الخمسينى بلحام الأدوات المنزلية القديمة، وإنما هداه تفكيره إلى جمع العلب الصفيح من محال البقالة، ليصنع منها البدع: «بقيت أجمع الصفايح، وأسيحها وأشكلها زى ما أنا عاوز، باعمل أقماع سكر وزيت وجاز بأحجام مختلفة، وصفايح للخزين، الناس بتحتاجها تخزن فيها رز وبصل، وكمان باعمل حصالات صفيح». رمضان سار موسماً آخر عند «غندر»، بعد أن اهتدى إلى فكرة تصنيع منتجات من صفائح السمنة، وسار يصنع الفوانيس من الصفيح ويلحمها ويزينها: «شهر كريم، ورزقه الحمد لله كويس، ورغم أن الإقبال على الفوانيس الصفيح، مش زى الأول، لكن بتُرزق، والحمد لله، بس ربنا يبعد عنا الصينى».