عندما تنطفئ مواقد «الغلابة» ولا يجدون فى جيوبهم 70 جنيهاً ثمن «أنبوبة بوتاجاز» يفتشون فى دفاترهم القديمة، فيجدونه فى انتظارهم.. «وابور الجاز». كان جزءاً من كراكيب البيت فأصبح الأهم بعد أزمة الأنابيب، ومعه أصبح لمحل «صلاح إسماعيل» فى منطقة المرج أهمية كبرى. فى ورشة ضيقة يكسوها السواد، كان «صلاح» يجلس بلا عمل، أقدام زبائنه انقطعت عن المحل منذ سنوات، لكن أزمة الأنابيب جعلت الناس تتذكره، وجعلت الحياة تدب فى الورشة التى كانت مهجورة: «الرزق ده بتاع ربنا، أنا ما زلت محتفظ بالمحل وبمهنتى مهما المهنة شاخت وماعدش لها زبون». 70 عاماً يحملها «صلاح» على كاهله، يقف بالساعات على قدميه فى أوقات الأزمة لكنه لا يشعر بتعب، ما يتعبه هو الجلوس بلا عمل، أو الإحساس بانقراض المهنة التى تربى عليها ولا يعرف غيرها: «أنا ورثت المهنة عن والدى السمكرى، وكنت باشتغل معاه وأنا صغير، وعايز أحافظ على المهنة وعلى اسم أبويا»، لا يغالى «صلاح» فى أجر التصليح، الذى يبدأ من جنيه واحد ولا يزيد على 20 جنيهاً. قد يندهش البعض من الرجل الذى لا يستغل الأزمة ويغالى فى أسعار التصليح، لأنه يعمل بشكل موسمى لكنه يرضى بما قسمه الله له: «هغلى على مين بس؟ زباينى غلابة ما يقدروش يشتروا الأنبوبة أم 70 جنيه». سمعته فى التصليح تعدت المرج، زملاؤه فى المهنة انقرضوا بانقراضها، كثير منهم باع محله أو استبدل نشاطه إلا هو: «المهنة دى بتعلم الصبر على الناس، وبتعلم الكفاح مع البابور لحد ما أصلحه، بالظبط زى الدكتور اللى بيفضل ورا العيان لحد ما يخف». لا يعجبه «الوابور» الذى يستورد من الصين: «بيبوظ بسرعة، وشكله مش حلو خالص». ومن باب الإخلاص للمهنة لا يتكاسل «صلاح» عن جلب أدوات التصليح وقطع غيار «الوابور» من شارع «باب البحر»، فأيام البرد وغلاء أسعار الأنابيب بالنسبة له موسم رزق.