استوقفنى هذا الإحساس الغريب وأنا أصعد طائرة «مصر للطيران» فى طريقى إلى برلين لحضور افتتاح فرع الجامعة الألمانية هناك وحضور لقاء وبعض الإعلاميين المصريين مع مسئولين فى الخارجية الألمانية. كنت أتخيل أننى سأكون أفضل حالا عندما أبتعد يومين عن الأحداث والضغط العصبى والتوتر بسبب تلاحق الأحداث السيئة. ورأيت فيها فرصة جيدة للنوم، بعد أن جافانى شهورا طويلة وأصبحت مريضا باضطرابات النوم، ولكن ما إن بدأت الطائرة فى التحرك حتى تزايدت دقات قلبى وأحسست أننى أغادر حياتى هنا، وانتابنى إحساس بالفزع على وطنى وأولادى. ساعات السفر طويلة ومقلقة خاصة بعد قطع التردد عن الهواتف وانقطعت معه وسائل الاتصال. فهمت أكثر مخاوف المصريين فى الخارج وفزعهم وإحساسهم بأن مصر تضيع وهم يتابعون أخبارها عبر وسائل الإعلام المصرية أو العربية وحتى الغربية. مشاهد العنف والكر والفر تتصدر شاشات «الجزيرة» و«سى إن إن» والقنوات الألمانية، الإدانات متكررة للنظام السياسى والنخب. هنريك كرافت مساعد وزير الخارجية الألمانى المسئول عن الدبلوماسية العامة وحوار الحضارات بدا متحفظا وهو يتحدث معنا، يريد أن يسمع منا ونحن نريد أن نسأل، يقول إن الإخوان يكتشفون ذاتهم فى الحكم، وإن إخوان أوروبا أكثر انفتاحا وديمقراطية من إخوان مصر.. وعندما سألنا عن مستقبل الاستثمارات الألمانية فى مصر أجاب بأن هذا سيحدث عندما يستثمر المصريون فى بلادهم ولا يخرجون بأموالهم منها. فى المساء كان افتتاح فرع الجامعة الألمانية ببرلين، شعرت بالفخر وأنا أرى اسم الجامعة مكتوبا بالعربية بجوار الألمانية، د.أشرف منصور يتحدث بفخر عن بلادنا، وشباب الجامعة يغنى «حلوة يا بلدى»، الوزراء الألمان يعبرون عن فخرهم بأن جامعة مصرية تفتتح فرعا بألمانيا آملين أن تخرج مصر من كبوتها. قبل النوم الذى لم يأت تنقل القنوات التليفزيونية مشاهد الرعب فى مصر فيما تتحدث الفضائية المصرية عن تشجيع السياحة إلى مصر!! على طائرة العودة تخبرنا سيدة أعمال أنها ستغلق مصانعها فى مصر لأن شركاءها الألمان لن يتحملوا الخسائر أكثر من ذلك، سيذهبون إلى جزر المالاديف. فى المطار يلتف حولى العاملون: «خلاص مش قادرين نعيش هنموت من الجوع والخوف»، ويحاصرنا السؤال: نروح بيوتنا إزاى.. كل الطرق مقطوعة؟ عمار يا مصر!