عندما قرر نضال درويش وخلود سكرية عقد زواج مدني ممنوع في لبنان، لم يكونا يعلمان أنهما سيثيران جدلا لا ينتهي حول هذه المسألة، التي يطالب بها ناشطون مدنيون منذ عقود ويحظرها البلد ذو النظام السياسي الطائفي والذي ترعى قانون الأحوال الشخصية فيه الطوائف المتعددة. منذ الأحد الماضي، دخل رئيس الجمهورية ميشال سليمان على خط الجدل ليعلن تأييده لإقرار قانون للزواج المدني في لبنان، عبر حسابه على موقع "تويتر" وصفحته على موقع "فيسبوك"، فحصد خلال أيام نحو ثمانية آلاف تأييد "لايك"، لكن أيضا الكثير من الانتقادات في بلد لا تزال فئات واسعة منه محافظة، فيما تعول أوساط أخرى على العصب الطائفي لتحقيق نقاط سياسية. وقالت الشابة خلود "بالنسبة إلينا، الزواج لا يتعلق بالارتباط بين شخصين فحسب، إنه مسالة تعني كل لبنان، لأنها ترسي الحجر الأساس لنظام غير طائفي. إذا كان زواجنا مدنيا، فهذا يعني أننا نتمتع بحقوقنا كمواطنين، وليس كأبناء أو بنات الطوائف". وليس ثمة قانون للزواج المدني في لبنان. لكن خلود ونضال المسلمين، ولكن من مذهبين مختلفين، أرادا تحدي هذا الحظر، فتقدما من سجل النفوس وأقدما على شطب مذهبيهما، وهي مسألة بات في إمكان اللبنانيين القيام بها بعد إقرار قانون بهذا المعنى العام 2011. ثم أوكلا ملفهما إلى محام، كون ملفا قانونيا بعد الاستناد إلى مرسوم صادر العام 1936 خلال فترة الانتداب الفرنسي يؤكد حقوق الأفراد، وفيه إشارة إلى الزواج المدني الفرنسي. وبموجب هذا الاجتهاد القانوني، اعتبر المحامي أن خلود ونضال اللذين لا مذهب لهما، من حقهما التزوج مدنيا. ووقع الحبيبان عقد زواج مدني في منزل خلود العائلي وشهد لهما شقيقها، وقدما ملفهما إلى وزارة الداخلية طالبين توقيعها. وما أن أعلن نضال وخلود خطوتهما، حتى حصلت موجة تعاطف واسع معهما في وسائل الإعلام ولا سيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت. وأعطى هذا الإعلان دفعا لمنظمات المجتمع المدني التي تناضل منذ زمن من أجل إقرار قانون للزواج المدني. بعد أيام، دعا رئيس الجمهورية على صفحته على "فيسبوك" وحسابه على "تويتر" اللبنانيين إلى إبداء الرأي في مسألة الزواج المدني، وكتب "يجب أن نعمل على تقنين عقد الزواج المدني. فهي خطوة من خطوات إلغاء الطائفية وتعزيز العيش المشترك". وحظي التعليق بتعليقات كثيرة مؤيدة بينها لناشطين في المجتمع المدني وفنانين معروفين. وقال نزار مجد "نحن معك... لسنا على استعداد أن نكمل بحياتنا مسيرين من قبل رؤساء المذاهب". وقالت ماري بشعلاني "لازم يكون في زواج مدني بلبنان تا نرتاح من الطائفية اللي بتهدم وما بتبني وطن". لكن كثيرين أيضا تركوا تعليقات سلبية على صفحة الرئيس، مثل قول أحدهم "الزواج المدني مخالف للشريعة الإسلامية"، وقول آخر "الهدف من الزواج المدني تذويب مسيحيي الشرق". وكان رئيس الجمهورية الأسبق إلياس الهراوي طرح العام 1998 إقرار قانون "الزواج المدني الاختياري" في لبنان، لكن المشروع لم يجد طريقه إلى الإقرار في البرلمان بسبب حملة شرسة شنت عليه لا سيما من المرجعيات الدينية. وتنظم كل طائفة من طوائف لبنان ال 18 أحوال أفرادها الشخصية. وغالبا ما يتعرض الراغبون بالزواج من مذهبين مختلفين لضغوط اجتماعية. ورغم ذلك، تكثر الزيجات بين أشخاص من طوائف مختلفة. ويعمد أحد الشريكين أحيانا إلى تغيير مذهبه ليتمكن من عقد زواج ديني، أو ينتقل الشريكان إلى بلد آخر، وغالبا إلى قبرص المجاورة، لعقد زواج مدني يعترف به القانون اللبناني متى عقد في الخارج. لكن خلود ونضال أرادا أن يسجلا سابقة في بلدهما. ويقول نضال "نحن نريد الاتجاه نحو شيء اسمه لبنان الوطن. يتهموننا بالكفر وهذا غير جائز في المسيحية والإسلام لأننا لا نقوم بشيء خارج عن الدين". ويضيف "اسمها حرية .. عدم التصريح عن الدين. أنا لا أريد أن أذكر ما هو ديني، لكن ذلك لا يعني أنني لست مؤمنا". ويلوم نضال وخلود النظام الطائفي لرجال الدين، معتبرين أن رجال السياسة يلعبون على الوتر الطائفي للحفاظ على مكاسبهم السياسية. وتقول خلود "هؤلاء السياسيون هم نواب عن النظام الطائفي، وبالتالي، فإن الزواج المدني يهدد وجودهم". وتقول المحامية أوغاريت يونان التي ترأس الجمعية اللبنانية للحقوق المدنية "رغم أن مبادرة خلود ونضال شجاعة جدا، لكنها ليست قانونية". وتقدمت الجمعية بمسودة مشروع قانون إلى مجلس النواب حول إقرار الزواج المدني. وتقول يونان "قمنا بحملة كبيرة لإعطاء دفع لهذا المشروع، لكن للمرة الأولى، نشعر بأن لدينا فرصة لتحقيق هدفنا". وتضيف "هناك رجال دين وسياسيون يدعموننا". لكن رفضا قاطعا للبحث في المشروع صدر أمس من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي نقل عنه قوله في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، "إن الجدل حول الزواج المدني لا طائل منه"، مشيرا إلى أنه لن يعرض هذا الموضوع على النقاش خلال فترة توليه رئاسة الحكومة. وفي أوساط المجتمع المدني وبين داعمي خلود ونضال، الحماسة مستمرة. وتقول خلود إن بعض الناشطين عرضوا عليهما تنظيم احتفال كبير لهما في وسط بيروت، ما يشكل دفعا للحملة من أجل الزواج المدني. أما عن المستقبل والأولاد فتقول خلود "سنترك لهم أن يبحثوا ويتعلموا، ويختاروا ما يريدون".