لم أستغرب الطريقة التى أديرت بها المناقشات حول قانون انتخابات مجلس الشعب الجديد، سواء ما دار من نقاشات فى الحوار الوطنى أو فى مجلس الشورى أو على صفحات الجرائد أو بين المجموعات المختلفة على الإنترنت. فالأمر كله يشكل -من وجهة نظرى- استمراراً للطريقة السيئة التى أديرت بها عملية إنتاج الدستور العجيب الذى دعا كاتبوه إلى تعديله بعد إقراره باستفتاء معيب!! لكننى توقفت عند المناقشات التى دارت حول تمثيل المرأة والأقباط فى القانون الجديد، وقد استوقفنى عدم الجدية وربما اللامبالاة فى التعامل مع قضية خطيرة، هى فى رأيى أهم ما يجب أن يحققه القانون، وهى كيفية الوصول إلى التمثيل العادل والمناسب الذى يعبر بصدق عن المجتمع المصرى، ليس فقط على المستوى الجغرافى أو السكانى، وإنما أيضاً على المستوى النوعى والاجتماعى. بالطبع لم أندهش من أداء أحزاب اليمين الدينى مثل الحرية والعدالة والأحزاب السلفية، فكلاهما لا يرى أهلية لتمثيل المرأة والأقباط طبقاً لمقاييس الولاية كما تعبر عنها أدبياتهم السياسية والفقهية، لكن دهشتى كانت من الشخصيات السياسية التى قدمت نفسها لسنوات باعتبارها تمثل تيار الإسلام الحضارى الوسطى، فلم نجد أحداً يقدم بدائل عملية تساعد المشرع على التقدم ولو خطوة إلى الأمام فى مسألة شائكة مثل مسألة تمثيل الفئات المهمشة فى المجالس النيابية. فالحوار الذى دار حول الاقتراحات المقدمة لتمثيل المرأة ووضعها فى مقدمة القوائم والموافقة المبدئية عليه ثم التراجع عنه فى التصويت النهائى لئن دلَّ فإنه يدل على عدم اهتمام «الوطنيين» الجدد من التيار الإسلامى بالمسألة من أساسها، كما أنه يعبر عن مدى تدهور الخيال السياسى لدى النخبة المتصدية لتشكيل اللبنات الأساسية لنظام الدولة الجديد. والأكثر بؤساً فى المشهد كان هذا المقترح بتخصيص كوتة للأقباط، فقد هبط الاقتراح على المجلس بشكل مفاجئ من أحد النواب الذين لم يعرف عنه يوماً اهتمامه بقضايا الأقباط، كما أنه لا يعرف عنه انتماؤه لتيار سياسى يضع القضية على سلم أولوياته، ولا نعرف ما هى حجيته السياسية فى طرح اقتراح يعلم هو قبل غيره أنه لا يحظى بالتوافق عليه بين الأقباط أنفسهم. لكنه العبث الذى يحيط بأداء النخبة السياسية المهيمنة على المسار السياسى منذ أن سلمها إياه المجلس العسكرى وحتى الآن. وليس لدىّ أى شك فى أن نهاية هذا العبث قربية وأن إعادة المشهد المصرى إلى صورته التقدمية قادم. فالواضح أننا نمر بالمرحلة الانتقالية الثانية التى تصدى فيها الأقل كفاءة والأكثر ادعاء لإدارة المشهد، ويبدو أن هذه المرحلة وهذه التجربة من حكم الإسلاميين لمصر كانت واجبة حتى يتمكن المصريون من الاختيار الصحيح فى المستقبل القريب.