ألقى الأنبا إبراهيم أسحق، بطريرك الكنيسة الكاثوليكية، كلمة خلال قداس عيد القيامة المجيد، الذي يترأسه بكاتدرائية العذراء للأقباط الكاثوليك بمدينة نصر، وسط حضور مندوب عن رئيس الجمهورية. وحملت كلمة بطريرك الكاثوليك عنوان: "إنه ليس ههنا، لكنّه قد قام (لوقا 24 : 6)". وجاء النص الكامل للكلمة التي حصلت "الوطن" عليها: "يتساءل الكثيرون في أنحاء العالم اليوم، إلى أين يمضي هذا العالم، والكوارث والمحن تحيط به في جنبات الأرض، حروب ودماء تسفك، ودموع تسيل، لاجئون هاربون يهيمون على وجوههم وقد عجز العالم عن حل معضلتهم، بدع وتطرف هنا وهناك، انحسار واضح للقيم الروحية وإنفلات في الأخلاق حتى ظن الكثيرون أن ليس للعالم غد أفضل أو مستقبل أكثر أمنًا ورقيًا. وتأتي ذكرى قيامة المسيح لتعلمنا لا لليأس والإحباط إن العالم في يد أمينة هي يد الخالق، وكم مر على هذا العالم من مآسي لا تحصى لكن الغلبة دوماً كانت للإيمان والرجاء والمحبة لأن المسيح داس الموت وظلامه، ومزق الخوف والشك وقام من الموت. وصارت عبارة (قام المسيح من الموت، حقًا قام) هي تحية المسيحيين وأملهم لأجيال متتالية، وغمر فرح القيامة كل إيمان الكنيسة وطقوسها وصلواتها، بل كانت قيامة المسيح نقطة انطلاق لكل الفنون والآداب. - قيامة المسيح أقامت الإنسانية من سقطتها يقول بولس الرسول "بما أن الموت بإنسان، فبإنسان أيضًا قيامة الأموات، فكما في آدم يموت الجميع كذلك في المسيح سيحيا الجميع" (1 كور 15 : 21 – 22 ). قال الملاك "أنه ليس هو ههنا، لقد قام من الموت"، فلم يكن للموت سلطان على المسيح ليبقى مع الراقدين وهو القائل أنا الطريق والحق والحياة (يوحنا 14 : 6)، قام وعاد ليملأ حياة الناس بالنور والنعمة، إن الإنسانية كافة مدعوة من المسيح، كأسرة واحدة، لتعيش في آمن وسلام، ينبغي أن تسقط العداوة والكراهية والتطرف، ويحل محل ذلك التضامن والمحبة والتسامح، قيامة المسيح أسست بشرية جديدة، وأكدت أن الحياة بعد الحياة، وإنسانية الانسان الحقيقية في اتحاده بخالقه، مصدره ومصيره، وكل إنسان مؤمن عليه أن يقوم من ضعفه ومن سقطاته بعد أن قام المسيح من الموت ليأخذ بيد كل محتاج أو ضعيف، ووضع قيماً روحية تقود الفرد والأسرة والمجتمع في طريق النور والخلاص، قيامة المسيح علمت البشرية أن الحياة أقوى من الموت، وأن الإنسان يحمل رسالة من الله وأمانة، وأن كل إنسان مسؤول عن أخيه الإنسان. إن عيد القيامة هو عيد لقيامة ويقظة ضمير كل إنسان، لنترك الأكفان جانبًا، ولا نُستعبد لذكريات الألم ولا نستسلم لليأس بل لنرى في قيامة المسيح الرجاء الأكيد، والأمل الحقيقي والتجديد المتصل لكل شؤون الحياة ، نقوم من كل حدث مؤلم، أو خبرات الفشل، وننظر إلى من تحمل الألم والموت ثم قام لتقوم معه البشرية وتتفاءل في المستقبل وعمل الواجب والخير، قام المسيح، دحرج الحجر، سقطت القوى الغاشمة التي كانت تظن أنها تحرس القبر. الروح لا تُحبس، والحق مهما ضاق عليه الخناق سينتصر، قام المسيح فليفرح كل من يجاهد للبناء والتقدم، وكل من تألم ويتألم من أجل خدمة الإنسان وتقدم الحياة، وكل من يثق في أن الله قد دعا كل إنسان "كن أمينًا حتى الموت فلسوف أعطيك إكليل الحياة" (رؤيا 2 : 10). ختامًا: أصلي معكم اليوم، مؤكدًا لكم أنكم دائمًا في قلبي وصلاتي، برغم بعد المسافات، فكم سعدت أن أكون في الشهر الماضي مع أبناء كنيستنا في ملبورن وسيدني، إذ كانت مناسبة جيدة لكى أعيش معهم وأستمع إليهم. نصلي معكم اليوم متمنيًا لكم كل توفيق في حياتكم الجديدة في عالم تختلف ثقافته عن ثقافتنا، مدركًا الجهد الذي عليكم أن تبذلوه لكي تظلوا على انتمائكم ومحبتكم لكنيسكم وبلدكم مصر ولكي تحافظوا على التقاليد الجميلة التي تربيتم عليها فتبقوا متصالحين دائمًا مع أنفسكم ومع الله، ونصلي متحدين مع قداسة البابا فرنسيس، ومن أجل كل شهيد أو شهيدة تشعل شمعة في ظلام التعصب والتطرف، وفي هذا المساء المبارك، نرفع صلاتنا متحدين مع سائر البطاركة والأساقفة وكل المؤمنين من أجل أن يعم السلام عالمنا المثقل بالآلام والأحزان. تحية لكل أم تشعل في بيتها نور الحب والعطاء، تحية لكل أب يتفانى في تربية أولاده وخدمة وطنه تحية لكل إنسان يجتهد لإسعاد الإنسان. صلاتنا أيضًا من أجل البلاد التي تعاني الحروب، فقد آن الأوان للتفرغ لبناء الإنسان ومستقبله ولأجيالنا القادمة، إن سنة الرحمة هي فرصة روحية لكي نبادر دوماً بأعمال الخير والعطف على كل إنسان. نلتمس شفاعة مريم العذراء الشاهدة الأمينة على قيامة المسيح وعلى رحمة الله اللانهائية لمخلوقاته، أن يملأ الرب قلوبنا بفرح القيامة فنكون شهودًا له في كل مكان".