لم يكن خبراً بل إفادة مُختصرة؛ فى صفحة الوفيات بجريدة «الأهرام» 24 ديسمبر 2012 بأن السيدة خيرية خيرى «توفيت إلى رحمة الله تعالى»، حين توقفت أمامها لم أتصوّر للوهلة الأولى أن المقصودة هى الصحفية الكبيرة الرائدة خيرية خيرى، التى تألقت على صفحات إصدارات دار «أخبار اليوم» خمسينات القرن الماضى، لولا الإشارة إلى أنها والدة «منى على أمين»، ابنة الأستاذ على أمين توأم الأستاذ مصطفى أمين صاحبى دار «أخبار اليوم» التى أسساها 11 نوفمبر عام 1944 لتكون واحدة من العلامات الكبرى فى تاريخ الصحافة المصرية. أهكذا إذن؟ تذكرتُ بيتاً للشاعر أحمد شوقى جاء فى مسرحية «مصرع كليوباترا» يقول: «اليوم يلقى الموت لم يهتف به ناعٍ ولا ضجّت عليه بواكى»، ومع ذلك ماذا يضير الصحفية الأستاذة الآن أن تكون مجرد «السيدة خيرية خيرى ابنة.. وأم..».؟ حين دخلت دار «أخبار اليوم»، نوفمبر 1955 طالبة بقسم الصحافة، أرجو التدريب الصحفى فى الدار التى شغفت بجريدتها منذ صباى، كان بالدار ثلاث صحفيات لامعات؛ خيرية خيرى وفتحية بهيج ومى شاهين فى أوج شبابهن وعطائهن، مُختلفات ومتكاملات: مى شاهين خريجة كلية الآداب جامعة فؤاد الأول، قبل تحولها إلى جامعة القاهرة، تكتب اليوميات، بالصفحة الأخيرة من جريدة «الأخبار»، قابعة فى مكتبها بالدور التاسع لا تتحرك خارجه سوى لأمور إدارية بسيطة يكلفها بها الأستاذ مصطفى أمين. فتحية بهيج، الحقوقية ابنة الجامعة المصرية، رئيسة قسم المرأة بمجلة «آخر ساعة» ومحررة ركن المرأة الأسبوعى بجريدة «الأخبار»، ممتلئة بالحيوية المهنية تشاغب بالجدال المثير فى قضايا المرأة، وأذكر لها الآن، وعلى شفتى ابتسامة، تربُّصها بالأميرة مارجريت، الشقيقة الصغرى لملكة إنجلترا، ترفض فضائحها وإحراجها لتقاليد القصر الملكى الإنجليزى!، وخيرية خيرى، خريجة المدارس الأجنبية حتى التخرُّج فى الجامعة الأمريكية، تنقل لنا بحملها الدائم آلتها الكاتبة الصغيرة، رائحة غادية، وإتقانها اللغة الإنجليزية، كأنها لغتها الأم، مهارة الصحفى الغربى، تسافر هنا وهناك خلف الأحوال العالمية تنقل آخر ما صدر من كتب وأحداث ثقافية وسياسية. كانت فتحية بهيج «بنت بلد» وكانت خيرية خيرى «الخواجاية» لكنهما تشابهتا فى الاهتمام بأمثالى من المتدربات اللاتى كن يبحثن عن يد تشجع وتوجّه بالرّفق والقدوة، لم يكن المطلوب أن يسقينا أحد بالملعقة أصول المهنة فى التعامل والتفكير والتحرير، كان يكفى أن تدعونى فتحية بهيج لأصاحبها فى لقاءاتها وتحقيقاتها، أتابعها وألاحظها وأكتشف ما ينقصنى وأستكمله، وأكتسب الثقة بنفسى حين تُفرحنى بنشر اجتهاداتى فى الكتابة، كان يكفى أن تتابع خيرية خيرى ما أنشره صغيراً أو كبيراً وتعلق عليه باشة دائماً وساخرة أحياناً ومُهوّنة، فى رقة وأناقة، ما نلاقيه من جهامة مى شاهين ودأبها على التسفيه والتسخيف. فى عنقى لأستاذية فتحية بهيج وخيرية خيرى ما لا أنساه لهما من جميل الرعاية بالاهتمام، والتوجيه بالقدوة، والعطاء الإنسانى المغدق بلا حدود. أسأل الله الرحمة لهما وفسيح جناته.