احتفل الفنان الكبير سمير خفاجي بعيد ميلاده و«العدد في الليمون» فسمير منذ عشر سنوات توقف عن العدد وثبت رقم 74 عاما يبدو لأنه يتفاءل بهذا الرقم وقد لب دعوة سمير علي السحور أحباؤه وأصدقاء عمره من أهل الوسط الفني جاء محمود عبدالعزيز ذلك العملاق الذي أفتقدته الشاشتان الصغيرة والكبيرة والذي لا أدري ما هو سر ابتعاده عن مجاله الحيوي الذي أعطي فيه أجمل سنوات العمر وترك خلفه تراثا في مجالات الفنون يتباهي بها أي فنان، بل ونباهي بها نحن معشر المشاهدين في بر مصر. عالمنا العربي بأكمله وبالطبع لو كان محمود عبدالعزيز ممثلا في مؤسسة فنية مثل هوليوود لأصبح حاله اليوم كمثل أحوال مارلون براندي وروبرت ميتشموم.. ولكن السينما تبعنا بالتأكيد ليست لها علاقة من قريب أو بعيد بنظام وأخلاق وإمكانيات هوليوود ولا أخفي علي حضراتكم أن وجود محمود عبدالعزيز في أي مجلس يضفي عليه بهجة من نوع خاص، فهو الذي تربي ونشأ في أحياء الإسكندرية وسط أولاد البلد الذين أخذ عنهم خفة الظل وصنعة الكلام وتزويق الحديث وحلاوة الرواية.. فأنت لا تمل من عملية الاستماع والإنصات إلي هذا الفنان الكبير، وقد حضر أيضا الفنان يحيي الفخراني الذي يملك روح وبراءة الأطفال فهو لا يخفي مشاعره ولايتجمل ولكن تعبيرات وجهه تفضح عما بداخله، ولذلك فهو كفنان يقرأ الأوراق جيدا فإذا أدخلت السرور والحبور علي قلبه قبلها دون تفكير وقد كان آخر عمل فني أحدث في قلبه هذا الأمر هو مسلسل «شيخ العرب همام» الذي اعتبره واحدا من أفضل ما قدم الفخراني طيلة سنوات العطاء النبيل.. لقد سألت النجم الكبير عما شاهد خلال رمضان فكان رده أنه تصور أن عملية المشاهدة والمتابعة قد تكون أفضل هذا العام لعدم وجود هذا الكم الهائل الذي اعتدنا عليه.. وخلصنا إلي نتيجة واحدة للحفاظ علي قامة الدراما المصرية الشامخة وقيمتها والعائد والمردود منها علي مصر باعتبار أن العمل الدرامي هو منارة تشع بضوئها علي أنحاء عالمنا العربي الكبير.. أما النتيجة التي توصلنا إليها الفنان الفخراني وشخصي الضعيف فهي عودة الرجل الفهمان العالم ببواطن أمور الدراما وبفرسان الكتابة والإخراج والذي شهد عهده أزهي عصور الدراما المصرية الرجل الفاضل ممدوح الليثي.. ويا ريت ينتبه معالي وزير الإعلام وإن كنت لا أحب كلمة معالي هذه وخصوصا أن الرجل زميل وصحفي.. وعليه أن يستمع إلي النصح ويتبع أفضله.. وأقول ليت الأستاذ أسامة هيكل يتفضل ويتكرم ويسلم قطاع الإنتاج إلي ممدوح الليثي حتي لا نصل إلي مرحلة سوف يعقبها ندم شديد.. فمكانة مصر ودورها يلعب الفن فيهما الدور الأكبر وله التأثير الأخطر ولا ينبغي لكائن من كان أن يقلل من حجم هذا الدور وذلك الأثر.. إلا إذا كان عدوا أو كارهاً لمصر. ومن الذين أبهجوا قلب خفاجي بالمجئ هذه النسمة التي هلت ذات يوم علي السينما العربية عندما وقفت أمام العندليب الأسمر في فيلم «أبي فوق الشجرة» لتبهرنا بجمالها الأخاذ وغير المسبوق علي الشاشة الكبيرة لدرجة أنهم أطلقوا عليها صديقة الكاميرا، ذلك لأن الكاميرا من أي زاوية تستطيع أن تصور ميرفت أمين فإذا بها من كل زاوية أجمل من الأخري وفوق ذلك فإنها مثل الأشياء الدقيقة صوت هادئ وحالم يضفي جوا من الرومانسية التي انعدمت هذه الأيام.. وسلوك رفيع ينبغي أن نشيد به فهي ليست مثل الفراشات تبحث عن النور فإذا انقطع من مكان تركته لتبحث عن ضوء في مكان آخر.. إن ميرفت أمين تعلم أقدار الناس وتخصص مكانا في القلب لأصدقاء العمر فلا تتخلي عن أحد منهم إذا خفتت عنه الأضواء ولا تضرب طناشا إذا أصابه مكروه أو مرض، ولذلك فهي حريصة علي زيارة كل الأصدقاء الذين حل بهم المرض أو أعطتهم الدنيا ظهرها أو تخلي عنهم الحظ، لذلك فإن ميرفت أمين اعتبرها عملة نادرة في هذه الأيام التي طغت فيها العملات الفالصو!! ومع ميرفت هناك الثنائي الجميل دلال عبدالعزيز ورجاء الجداوي وهو ثنائي لا ينفصل جمعتهما المودة وحب فعل الخير وهما تقريبا يشكلان ثنائيا خيريا أشبه بجمعية خيرية متنقلة.. فإذا مرض أحد أهل الفن فإنهما تتابعان أحواله وتذهبان خلفه وتبحثان طلباته، وهما ضيفتان دائمتان في كل سرادق للعزاء لا تتخلفان عن واجب وفوق ذلك فإنهما يجدان متسعا من الوقت لكي تطل كل منهما علي عشاق الفنون كل رمضان.. فرجاء الجداوي المتلونة العطاء تجدها تجيد كل الأدوار وتترك بصمة في كل الأعمال وتلعب دور الخواجاية بنفس الثقة في النفس والتمكن في الأداء وهي تلعب دور الفلاحة فهي كما البحر لا حدود لإمكانياتها، وأما دلال عبدالعزيز فهي صاحبة الوجه البشوش الطفولي النبيل الذي لا يمكن لعلامات الشر أن تجد سبيلها لكي تجد لنفسها مكانا علي قسمات ذلك الوجه المضئ وهي في «دوران شبرا» تواصل رحلة التواجد الفني بقدر ما في استطاعتها من عطاء ومقدرة وهي إلي جانب هذا تلقي بالعديد من الأعمال في سلة المهملات لأنها لا تتناسب مع ما قدمته من أعمال كانت علامة علي الجودة.. وأنظر حولي عند سمير خفاجي فإذا بي أتوقف ببصري لدي شخص العملاق الكبير عمر الحريري الرجل الذي أعطي الفن كل ما لديه من عمر ووقت وحتي المال بذله في سبيل إنتاج درامي لم يحقق العائد المادي ولكنه ترك عائدا فنيا وربما كان هذا مراده، توقفت كثيرا أمام الأستاذ عمر وأنا أذكر دوره في مسلسل «شيخ العرب همام» وكيف أنه أصاب عشاق فنه بالدهشة لهذا الأداء الذي لايستطيع أن يقدمه سوي العمالقة وحدهم دون سواهم لقد بدا في هذا الدور وكأنه فارس يمتطي صهوة جواد عربي أصيل وبلغت قامته الدرامية أعلي وأرفع الأمكنة.. إنه ابن العصر الذهبي للفنون ابن الجيل الذي لن تستطيع الأجيال القادمة أن تمنحنا البديل أو المعادل له الجيل الذي به نعتز ونفتخر، وأما سمير صبري فقد شاهدته وتألمت لما أصاب ركبته فقد خضع لعملية جراحية واضطر إلي الإمساك بالعصا ولكنه أكد لي أن العصا للضرورة وليست مصاحبة له علي الدوام فهو يستخدمها فقط في النزول علي السلالم وأن العملية الجراحية التي أجراها كللت بالنجاح، وأن الركبة تعود إلي طبيعتها يوما بعد يوم لدرجة أنه يفكر في إعادة تقديم مسرحية «أولاد الشوارع» التي سبق وأن قدمها في وجود النظام المهدوم وكانت تنتقد الحيتان ورجال الأعمال وأصحاب السلطان، ولكن ومع شديد الأسف فإنها لم تصور تليفزيونيا مع أن الهايف من الأعمال المسرحية تم الاحتفال به وهذا أمر رهيب يثير الريبة. وتمني الفنان سمير صبري لو أن وزير الثقافة الجديد انتبه إلي الأعمال المسرحية الجيدة والجادة التي أنتجها مسرح الدولة وقام بتصويرها بأبطالها الذين حققوا لها انتشارا وضمنوا لها نجاحا غير مسبوق، وإلي جانب سمير صبري وجدت الفنان الذي لم أعرفه من قبل لسوء حظي محمود قابيل رجل تشعر أن عقله منظم وكلامه مرتب وحديثه منمق فأنت في حضرة لورد إنجليزي تربي في بر مصر ومحمود قابيل لم يسبق له العمل في مسرحيات أو أفلام أو مسلسلات سمير خفاجي، ولكنه حرص أثناء رحلة الحياة علي صداقته وكلا الرجلين يكن للآخر احتراما شديدا.. وأنت في حضرة محمود قابيل لاتستطيع إلا أن تقابله وتعامله بالاحترام الشديد وستخرج من أول مقابلة وكأنك تعرف الرجل من عشرات السنين فهو ودود إلي أقصي مدي.. مجاله المغناطيسي جاذب للبشر ولكنه لسوء الحظ غاب هذا العام عن رمضان، وبالطبع كان من بين الذين حرصوا علي حضور عيد ميلاد خفاجي رغم انشغاله وطول المسافة بينه وبين بيت خفاجي.. أما الولد الشقي البهي خليفة رشدي أباظة في دولة الفنون الوسيم الشكل والجوهر معا محمود حميدة والذي كان سؤاله دائما عن المرضي من أهل الفن فكان حريصا علي الجلوس مع الصديق العزيز محمد أبوداود عضو نقابة الفنانين وأخذ منه أرقام تليفونات وحيد عزت ذلك الفنان الجميل الذي لم يهزمه المرض ووعد محمود حميدة بأن يزوره في أقرب وقت ممكن واستحلفه بالله الفنان فاروق فلوكس أن يصحبه في هذه الزيارة، فما بين فلوكس ووحيد عزت هو العمر بأكمله.. وزين مجلس السحور وعيد الميلاد عمنا وجدي الحكيم الذي ظل علي العهد باقيا فقد جمعته الصداقة بجميع أفراد فريق الفنانين المتحدين وكان قريبا منهم إن لم يكن قريبا لهم فهو صادق بهجت قمر وأدمن جلساته واقترب كثيرا من نجوم الفرقة من أول المهندس وانتهاء بعادل إمام وسعيد صالح وصلاح السعدني.. ولدي هذا الرجل كنوز من التسجيلات النادرة يسعي دائما لإهدائها إلي أقارب ومحبي أهل الفن الذين سجل معهم هذا النقاش وهو لايزال في بواكير عمله الإذاعي ولايخفي علي أحد أن أحوال الإذاعة المصرية هي الأخري لو أردنا لها الخير فعلينا أن نعهد بأمرها إلي رجل مثل وجدي الحكيم.. ولكنني أثق ومتأكد أنني أؤذن في مالطا.. لأنه لا حياة لمن تنادي.. وعلي العموم كل سنة وسمير خفاجي أبوالمسرح المصري بخير ومعه أهل دولة الفنون في بر مصر!!