سؤال جديد من أسئلتى المتعبة: هل يمكن أن يحكم مصر مستقبلاً (أوباما مصرى)؟ وأقصد بأوباما المصرى، رجلاً نوبياً مصرياً أسود، لا أحب أن أقول أسمر! الجواب السريع غير المتفائل منى هو: لا، لا أتخيل هذا فى الأمد القريب وللعقود الخمسة المقبلة على الأقل، رغم أن النوبى مصرى عاش أجداده فى مصر من آلاف الأعوام، ويعيش فيها حتى يومنا هذا، يعنى «مصرى صميم» وجذوره ضاربة فى التاريخ. سيرى محدودو الأفق فوراً أن كلامى هنا يمس الوحدة الوطنية ويعكر تجانس الشعب الواحد ويعمل لصالح الأعداء... إلخ. * فى صيف عام 2008، كنت فى ولاية أيوا، بالضبط فى الفترة الحرجة التى سبقت الانتخابات النهائية والمعركة الفاصلة بين الجمهوريين والديمقراطيين. ولاية أيوا شكرها أوباما بامتنان خاص لأنها أول ولاية أثرت بوضوح فى تحويل مسارها وانحيازها لأول مرة للديمقراطيين لا الجمهوريين كما هى العادة. رأيت هناك كيف تُجرى الانتخابات وكيف تُقام المناظرات. يوم فوز أوباما عم الفرح الولاية، وربما أكثر بين أصدقائى وصديقاتى تحديداً، تذكرت فى ذاك اليوم مصر، وتذكرت الآن هذا السؤال المتعب الذى صدّرته فى أول المقالة. * الجواب السريع غير المتفائل بعدم توقعى على المستوى القريب وجود هذا المصرى الأسود القائد الرئيس؛ سببه غياب هذا النموذج تماماً من المشهد المصرى، فصورة النوبى فى مصر صورة للأسف مخجلة وشائكة ومسكوت عنها ومقلقة فى نفوس وضمائر معظم المصريين. الصورة السينمائية هى صورة الجرسون والخادم والسفرجى والبواب وما شابه، ولم أرَ فى حياتى حين كنت فى مصر أى مذيعة سوداء أو مذيع أسود، ولم أرَ مغنية سوداء أو ممثلة سوداء يمكنها حتى القيام بدور ثانوى. طفرة الفنان محمد منير والراحل أحمد زكى (الآن يمكننا التحدث عن السمار) تأتى من تفوقهما إلى جانب وسامتهما، ولو زادت درجة القتامة درجتين، لتحول أحمد زكى على الشاشة إلى أدوار الجرسون والخادم والسفرجى والبواب. رغم أن الصورة الأمريكية للأسود الأمريكى معبقة بتاريخ قبيح حتى قبل نصف قرن أو يزيد قليلاً، وأن البؤس والمعاناة والعنصرية الظاهرة والمستترة حتى اليوم تطال الغالبية السوداء، فإن الصورة تتغير بوتيرة أسرع بكثير مما نراه فى مصر أو المجتمعات المشابهة لمصر؛ فإن كثيراً من أسماء السوداوات والسود قد حفرت تاريخاً ناصعاً لأمريكا فى نصف القرن الأخير بدرجة أتمنى أن يحدث واحد على عشرة منها فى بلادنا، فالسود الحاصلون على أرقى تكريم وجوائز عدد ليس بالقليل، منها جوائز الأوسكار أو التفوق الرياضى حتى جائزة نوبل للآداب، منهم على سبيل المثال: محمد على كلاى، سيدنى بواتيه، لوى أرمسترونج، تونى موريسون، مورجان فريمان، هيلى بيرى، دينزل واشنطون، فوبى جولدبيرج، صامويل جاكسون، تينا تيرنر، ويتنى هيوستن، أوبرا وينفرى، وغيرهن وغيرهم الكثير! لم أرَ فى فترة حياتى الجامعية فى مصر أستاذاً مصرياً أسود ولا معيداً ولا سياسياً، رأيتهم فقط فى الرياضة وخاصة كرة القدم، ربما لأن هذا المجال يعتمد على اللياقة البدنية والقوة والمهارة التى لا يمكن إخفاؤها. * أعتقد أنه بين كثير من (السود المصريين) الكثير من الكفاءات والذكاء فى كافة المجالات، علمياً وفنياً وسياسياً ورياضياً، وأن هذه الإمكانيات المهدرة هى خسارة فادحة لمصر بتجاوزها وإهمالها. يحزننى أن أرى فى إعلانات التليفزيون أن ماكياج المرأة المصرية بكل درجاتها اللونية، يهرع خلف كريمات ومستحضرات تبييض البشرة، صحيح أنهم فى أوروبا يحبون البشرة البنية ويجهدون أنفسهم ما استطاعوا لذلك سبيلاً، لكنهم لم يصلوا لحد استنكار لون بشرتهم الأصلى، لكننا نفعل ذلك، وهنا الفارق!