طيب، أنا يمكن أن أريحك وأوافقك على أننا لسنا عنصريين فى تعاملنا مع أصحاب البشرة السوداء، سواء كانوا من أبناء وطننا أو أبناء قارتنا الأفريقية أو أبناء العالم كله، لكن بذمتك أليست هذه هى الحقيقة التى يتشنج البعض لإنكارها ظنا منه أن العنصرية تعنى جلد أصحاب البشرة السوداء أو منعهم من دخول الأماكن العامة، ولو أنصف لأدرك أن التعليق الجارح عنصرية، والنظرة المستهزئة عنصرية، ورفض تزويج ابنتك من شخص بسبب لونه عنصرية، بل ورفض النوبيين أنفسهم تزويج بناتهم من غير أبناء عرقهم أيضا عنصرية. العنصرية كما يقول أهل المعرفة هى «الأفعال والمعتقدات التى تقلل من شأن شخص ما كونه ينتمى لعرق أو لدين»، ومواجهتها لن تكون بدفن رؤوسنا فى الرمال وترديد عبارات من نوعية أن المصريين لا يحتقرون أصحاب البشرة السمراء بدليل أن الرئيس السادات حكم مصر، بينما نعلم جيدا أن السادات فى حياته وبعد مماته تعرض للسخرية الجارحة بسبب لونه، بل إن بعض مثقفينا المحترمين حاول الحط من شأنه بسبب لونه وأصوله (وإن كنت ناسى أفكرك). هل تذكر هنا ما كتبه أمير الشعراء قاطبة أبو الطيب المتنبى بحق كافور الأخشيدى ساخرا من لونه بعنصرية وقحة، كنت قد لاحظت منذ أكثر من 10 سنوات عند زيارتى لبيت الرئيس السادات فى الجيزة لإجراء حوار مع السيدة جيهان السادات أن الشارع الذى يقع فيه البيت يحمل اسم (شارع كافور)، ويومها تساءلت عن سر هذه التسمية التى لا أعتقد أنها مصادفة، بل هى حيلة يقف وراءها أحد كارهى السادات وعشاق المتنبى. على أى حال تلقيت رسائل واتصالات كثيرة من قراء ومثقفين نوبيين يجأرون بشكواهم ومرارتهم، صارحت بعضهم بأن سلبية النوبيين فى مواجهة التصرفات العنصرية تشجع على استشرائها برغم أنهم يمكن أن يواجهوها قضائيا وإعلاميا، أضرب مثلا برابط أرسله قارئ كريم لموضوع على منتدى الأقباط الأحرار كتبه من يدعى بالقمص متياس نصر منقريوس بعنوان (العبيد يحكمون بمصر) ونشره بتاريخ 24 يوليو 2009 استخدم فيه كلمة العبيد لوصف اللاعب الجميل ربيع ياسين وأخيه وأخته، ووجه القمص شتائم حقيرة لأبناء النوبة، وكان أجدى أن تتم مواجهته قضائيا ومطالبته بالاعتذار بدلا من الاكتفاء بالشكوى. آلمتنى كثيرا رسالتان تلقيتهما من فتاتين نوبيتين، الأولى برغم كونها خريجة كلية الهندسة قسم اتصالات وتعمل فى موقع محترم وناجحة فى عملها، وبرغم ذلك تقول لى إنها لا تعرف إذا كان من الواجب أن تشكرنى على ما أثرته أو أن تحسبن علىّ بسبب تقليبى للمواجع التى لا يخلو منها يومها العادى بصفتها فتاة نوبية سمراء، تتحدث عن رفضها فى المقابلات الشخصية بسبب لونها، وعن معاناة التعليقات الجارحة فى الشارع، واستهزاء زملائها المتعلمين المتحضرين بالنوبيين وجهلهم بالنوبة، وعن نار الغضب التى تتصاعد لدى شباب النوبة مما يلقونه من معاملة لا تليق بهم. رسالة الفتاة الأخرى أشد إيلاما فهى تحكى عن تفاصيل عائلية يومية «ولدت لأب أسمر هو فى الحقيقة أسود، ولكننى اكتشفت أننى أحاول تجميله عندما أقول أسمر، أمى بيضاء البشرة لها ابنة من زيجة سابقة ورثت لون أمى وجمالها، ولك أن تتخيل كيف أعانى كل يوم من مقارنات ساخرة تجرح أحاسيسى، حتى أصبحت لا أختلط بأحد وأعامل الناس بعنف، أتذكر كيف كانت المعلمات فى المدرسة تفضلن الجميلات وتعاملن السوداوات مثلى وكأنهن خادمات لهن، ظللت لفترات أخلو بنفسى كل ليلة وأنا أمسح دموعى وأسأل الله لماذا خلقنا سودا، حتى أننى أقدمت على الانتحار فى تجربة مريرة فاشلة عندما تعاركت مع أختى يوما ووصفتنى بالسودة قعر الحلة. بعد أن انتهت معاناتى فى سنوات الجامعة من سخريات الزملاء وتجاهلهم، عملت ويا لسخرية القدر فى مجال العلاقات العامة، وكانت أول صدمة فى حياتى عندما قالت لى شخصية عامة أمام زملائى وأمام الناس: جايبين لى بنت سودا أتكلم معاها أنا عايز بنت بيضا، إذا كنت لا تصدقنى تذكر المقال الذى كتبه كاتب معروف فى يوميات الأخبار تعليقا على اختيار فتاة سمراء ملكة لجمال مصر بعنوان هباب لمبة الجاز، مؤكدا أن مصر بخير لأن فيها ملايين الفتيات الجميلات بيضاوات البشرة، صدقنى لا أبالغ عندما أقول لك إن زميلا لى طلب منى أن أتزوجه سرا لأنه من الأرياف وأهله لن يرحبوا بى بينهم لأننى سوداء». هل تستطيع أن تنكر أن هذه التفاصيل العنصرية حقيقية؟ أرجوك لا تفعل، على الأقل وأنت صائم، أما إذا كنت مصرا فدعنى أترحم على سيدنا أبى ذر الغفارى الذى وضع خده على الأرض مداسا لسيدنا بلال بعد أن وصفه فى لحظة غضب بابن السوداء. * يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]