الإجابة العاجلة، المدافعة عن النفس، ستخرج فوراً: «لا طبعاً». فى عالمنا العربى حين تخرج كلمة عنصرية يسافر الناس بأذهانهم أسرع من البرق نحو أمريكا أو جنوب أفريقيا، والبعض قد يأتى لك ببعض الآيات المحفوظة والأحاديث وكأنه بذكره إياها يطبقها عن ظهر قلب، ولا تشوبه أى شائبة بالعنصرية والفوقية وإحساسه بالتميز. وهناك إجابة أخرى لا مبالية وأكثر استسهالاً ستأتى فى متن هذه المقالة! * زرت أمريكا مرات ورأيت بنفسى الأبيض الجميل والأبيض القبيح والأسود الجميل والأسود القبيح، وزرت جنوب أفريقيا ورأيت الخلل المبطن فى العلاقات الجماعية للأبيض مع الأسود؛ فما حدث عبر قرون طويلة سواء فى أمريكا أو فى جنوب أفريقيا لن يتغير ببساطة فى عقود قليلة. لكننى لست الآن بصدد الذهاب إلى خارج بلادنا العربية التى تتشدق بأنها غير عنصرية؛ ففى بلادنا العربية من المحيط إلى الخليج لا توجد عنصرية دينية على الإطلاق! الناس تعيش فى سلام ووئام ولا أحد يذكر كلمة قبطى أو مسلم أو شيعى أو سنى أو درزى أو علوى تمييزاً، ولا غير ذلك من مصرى أو شامى أو مغربى أو بدوى أو صحراوى تحقيراً، الكل يعيش فى وئام وسلام و«تبات ونبات»، ومن يقول غير ذلك فهو الساعى لفتنة وطنية ولتمزيق البلاد! وحين سافرت إلى سوريا وأردت أن أشترى من البائع فول سودانى، لم يفهمنى إلا بعد أن أشرت إلى الفول السودانى بأصبعى، فرد قائلاً: «آهاا.. فستق عبيد!»، فهكذا يسمونه هناك بهذا الاسم الخبيث! * طبعاً السينما المصرية رغم إبداعها المميز، لها سقطة محاكاة أمريكية مخجلة فى التعامل مع السود، ولن أقول «السمر» حتى أخففها. فالبواب والجرسون والطباخ والسفرجى غالباً فى هذه الأفلام من النوبيين أو السودانيين، أو أى شخص لونه أسود والسلام. أحياناً يلجأون لصبغ وجه الممثل باللون الأسود ليقوم بدور الخادم أو المرمطون. الأسوأ أنه فى بعض الأخبار العربية التى تنشر أن معدلات الجريمة قد بدأت فى الارتفاع فى أمريكا أو أوروبا، أجدها فى كثير من الأحيان تستعين بصورة شخص أسود، لتنميط الفكرة وتأكيدها! * حين كنت فى السودان استغربت أيضاً من وصف الناس هناك بالألوان؛ فهناك الأزرق (الأزرج) والأخضر (الأخدر) والأصفر، وهى صفات لونية تعنى درجات القتامة أو «الفتاحة». وقد استأت من هذه التوصيفات والشوفينية التى تميز نفسها بأنها من الشرق أو من الغرب أو من الشمال أو الجنوب، ناهيك عن كلمة (عبد) المسموعة بشكل مخجل، مثلها مثل النوبى والصعيدى فى مصر اللذين يأخذان فى المجتمع شكلاً دونياً لا يستحقانه أبداً وهما فى قلب مصر وأفريقيا! * الغريب أننى حين أتناقش -عن العنصرية العربية أو المصرية تحديداً- مع أصدقاء لى من العرب «الفاتحين»، ممن يعتقدون بأنهم من البيض، يقولون لى ببساطة: «كلنا عنصريين!»، هكذا بكل عفوية كأننا نتحدث عن مباراة، نتيجتها عادية لا تثير الاستغراب. * هنا أيضاً فى النمسا لسنا فى الجنة الخالية من العنصرية؛ فالكثير من النمساويين عنصريون؛ خصوصاً تجاه الأتراك ثم القادمين من يوغسلافيا السابقة، وفى منتصف التسعينات أو قبلها بقليل دخل السود المعمعة وصارت صورتهم أيضاً مزعجة وكانت الحوائط تلطخ بكلمات عنصرية، لكنك تستطيع هنا أن تُظهر استياءك وستجد الآلاف الذين يؤازرونك ويقفون إلى جانبك. أتذكر صديقى المصرى (الأسمر هذه المرة) الذى كان يتندر على النوبيين والسودانيين على أنه قاهرى، ثم قال له مرة أحد النمساويين أنه أفريقى وشعره مجعّد؛ فغاظه الوصف واعتبر أن هذه «الأفريقانية» نقيصه! (فيينا، فى 11-10-2012)