المشاط: 637 مليار جنيه للاستثمارات الخضراء بخطة 2026/2025    التخطيط والتعاون الدولي تقدّم الدعم لإتمام انتخابات مجلس إدارة نادي هليوبوليس الرياضي    اتصال هاتفي بين وزير خارجية مصر ونظيره الباكستاني    دقيقة حداد على روح محمد صبري في قرعة كأس مصر    مواجهات حاسمة في جدول مباريات اليوم السبت 15 نوفمبر 2025    كشف ملابسات تضرر سيدة من مدرس تعدى على نجلها بعصا وإحداث إصابته بمدرسة بدمياط    مصرع معلمة وإصابة 25 تلميذا في انقلاب حافلة بالصحراوي الغربي    المنخفض الجوي.. الأرصاد تستعرض فرص سقوط أمطار اليوم    تأييد الحكم بحبس سائق التريلا المتسبب في مصرع بنات كفر السنابسة بالمنوفية 15 عامًا    الرئيس التنفيذي للمتحف الكبير: إطلاق مدونة سلوك قريبا.. وسنضطر آسفين للتعامل وفق حجم الخطأ حال عدم الالتزام    كيف سبق المصري القديم العالم بالتكنولوجيا؟.. خبير يوضح    مصر الرياضية تتلألأ بمليارية سوبر وماراثون تاريخي    مواعيد مباريات اليوم السبت 15 نوفمبر.. البرازيل ضد السنغال    على رأسهم معلول.. استبعاد 8 من تونس لمواجهة البرازيل بسبب فشل استخراج التاشيرة    «الزراعة»: إصدار 429 ترخيص تشغيل لمشروعات الإنتاج الحيواني والداجني    آخر تطورات أسعار الفضة صباح اليوم السبت    «الطفولة والأمومة» يتدخل لإنقاذ طفلة من الاستغلال في التسول بالإسماعيلية    الاثنين.. مجلس الأمن الدولي يصوت على مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة    بعد 100 يوم من حكم الإعدام.. سفاح المعمورة يحلم بالبراءة    إصابة 22 شخصا إثر انقلاب أتوبيس على الطريق الصحراوي بإسنا جنوب الأقصر    «حكايات من الصين المتطورة: لقاء مع جوان هو» في أيام القاهرة لصناعة السينما| اليوم    أسعار الفراخ في البورصة اليوم السبت 15 نوفمبر 2025    نيللي كريم نجمة مهرجانات 2025    عمرو سعد يكشف تطورات الحالة الصحية لشقيقه أحمد بعد حادث العين السخنة    لو مريض سكر.. كيف تنظم مواعيد دواءك ووجباتك؟    في ذكرى وفاته| محمود عبدالعزيز.. ملك الجواسيس    أمريكي يعتدي على شباب مسلمين أثناء الصلاة في ولاية تكساس.. فيديو    تحاليل اختبار الجلوكوز.. ما هو معدل السكر الطبيعي في الدم؟    نشرة مرور "الفجر".. انتظام مروري بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    عمرو حسام: الشناوي وإمام عاشور الأفضل حاليا.. و"آزارو" كان مرعبا    ترامب يلغي الرسوم الجمركية على اللحم البقري والقهوة والفواكه الاستوائية    وزير الإنتاج الحربي: حياة كريمة تجربة تنموية مصرية رائدة تساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية    الصحة العالمية: «الأرض في العناية المركزة».. وخبير يحذر من التزامن مع اجتماعات كوب 30    كولومبيا تعلن شراء 17 مقاتلة سويدية لتعزيز قدرتها الدفاعية    الدفاع السورية: تشكيل لجنة تحقيق لتحديد مكان إطلاق الصواريخ على دمشق    مدفعية الاحتلال تقصف شرق مدينة غزة ومسيرة تطلق نيرانها شمال القطاع    مؤتمر السكان والتنمية.. وزير الصحة يبحث مع البنك الأوروبي تعزيز الاستثمارات وتطوير المنشآت الصحية    الري: الاعتماد على البصمة المائية لتحديد المحاصيل التي يتم زراعتها بالمياه المعالجة    الصين تحذّر رعاياها من السفر إلى اليابان وسط توتر بشأن تايوان    جامعة القناة تقدم ندوة حول التوازن النفسي ومهارات التكيف مع المتغيرات بمدرسة الزهور الثانوية    آخر يوم.. فرص عمل جديدة في الأردن برواتب تصل إلى 33 ألف جنيه    الأهلي يستأنف تدريباته اليوم استعدادًا لشبيبة القبائل بدوري الأبطال    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية لقرية أم خنان بالحوامدية    ضوابط تلقي التبرعات في الدعاية الانتخاببة وفقا لقانون مباشرة الحقوق السياسية    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الحماية المدنية تسيطر على حريق بمحل عطارة في بولاق الدكرور    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    حكم شراء سيارة بالتقسيط.. الإفتاء تُجيب    الاتجار في أدوية التأمين الصحي «جريمة»    نقيب المهن الموسيقية يطمئن جمهور أحمد سعد بعد تعرضه لحادث    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    مقتل 7 أشخاص وإصابة 27 إثر انفجار مركز شرطة جامو وكشمير    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    جوائز برنامج دولة التلاوة.. 3.5 مليون جنيه الإجمالي (إنفوجراف)    باحث في شؤون الأسرة يكشف مخاطر الصداقات غير المنضبطة بين الولد والبنت    إبراهيم صلاح ل في الجول: أفضل اللعب أمام الأهلي عن الزمالك.. ونريد الوصول بعيدا في كأس مصر    بيان من مستشفى الحسينية المركزي بالشرقية للرد على مزاعم حالات الوفيات الجماعية    سنن الاستماع لخطبة الجمعة وآداب المسجد – دليلك للخشوع والفائدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.




نشر في الوطن يوم 27 - 03 - 2016

قد تختلف أو تتفق مع المستشار أحمد الزند، ولكن مَن يستطيع أن يزايد على وطنيته ومواقفه؟ لن أناقش «السقطة» التى اعتذر عنها على الفور، ولكن هل يمكن بجرّة قلم نسيان تاريخ هذا الرجل، وشجاعته، وقيادته لمعركة القضاء فى مواجهة الإخوان فى واحدة من أخطر مراحل تاريخ مصر الحديث؟!
عرفت المستشار الزند منذ سنوات طوال، لكن علاقتى توثقت به خلال فترة حكم الإخوان، عندما وقف فارساً فى الميدان، يحمل روحه على كفه، يتحدى رغم الجبروت، يتصدى رغم محاولات الاعتداء عليه وقتله، لا يعرف أنصاف الحلول، ولا يتخلى عما يعتقد أنه صحيح مهما كانت التحديات، ومهما كانت التهديدات. بعد وصول الإخوان للحكم، وتولى محمد مرسى رئاسة الدولة، كانت معركتهم الأولى مع القضاء، دبّروا المكيدة، وقرروا عزل النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود من منصبه فى 11 أكتوبر 2012، دعا المستشار أحمد الزند إلى اجتماع عاجل للقضاة، ووجّه الدعوة إلى عقد جمعية عمومية للقضاة فى اليوم التالى، الجمعة (12 أكتوبر)، وكان التهديد واضحاً: لن نسمح بعزل المستشار عبدالمجيد محمود مهما كانت التحديات، وفى اليوم التالى لم يجد محمد مرسى أمامه من خيار سوى التراجع والخضوع لمطلب القضاة. منذ هذا الوقت تحديداً قرر الإخوان الإسراع بمعركتهم مع المستشار الزند، سعوا إلى تشويهه، وشن حرب إعلامية وسياسية ضده، لكنه لم يبال، بل أعلن التحدى، وقرر المواجهة حتى آخر مدى.
كان الزند يعرف جيداً أن مخطط الإخوان لن ينتهى عند حد معين، وأن المؤامرة أكبر من قرار يصدر بحق النائب العام أو غيره، كان يدرك أن المعركة هى على الوطن، والمستهدَف ليس القضاء وحده، وإنما طمس هوية مصر، وإحلال الجماعة محل الدولة.
عندما بدأت الأنباء تتسرب من داخل الجمعية التأسيسية للدستور فى ذلك الوقت عن وجود نوايا حقيقية لتفصيل بعض المواد فى الدستور الجديد الذى كان يجرى إعداده بهدف تقويض استقلال السلطة القضائية، دعا إلى ندوة حاشدة بالنادى النهرى للقضاة، وراح الزند يحشد خبراء القانون ورجال القضاء لمواجهة المؤامرة الإخوانية الجديدة.
وبينما كان الحشد فى مواجهة التحركات الإخوانية يجرى على قدم وساق أصدر محمد مرسى فى الثانى والعشرين من نوفمبر 2012 الإعلان الدستورى الانقلابى الذى تضمّن عدداً من المواد الخطيرة التى تمكّن رئيس الجمهورية من فرض ديكتاتوريته الكاملة على القضاء وعلى شئون البلاد، وعزل النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود بطريقة موازية، وشل يد المحكمة الدستورية العليا عن إصدار أحكامها. فى ذلك الوقت صدر قرار مرسى بتعيين المستشار طلعت إبراهيم نائباً عاماً ليحل محل المستشار عبدالمجيد محمود الذى جرى عزله نهائياً بمقتضى هذه القرارات، فى ذلك اليوم مضينا إلى منزل المستشار عبدالمجيد محمود، وقررنا وضع خطة المواجهة، أعددنا البيان، وقرر الزند الدعوة إلى جمعية عمومية للقضاة فى صباح يوم السبت 24 نوفمبر، وقمت بطبع ألف نسخة من البيان وأرسلتها إلى المستشار الزند الذى كلف بعض أعضاء النادى بتوزيعه على الجمعية العمومية فى اليوم نفسه.
عندما اتصلت بالمستشار الزند وقتها للتنسيق قال لى إنه وجّه الدعوة للمستشار عبدالمجيد محمود لحضور اجتماع الجمعية العمومية للقضاة، وإنه سيحضر ليلقى كلمة أمام الحشد الكبير الذى لم يشهده النادى من قبل. والتقينا جميعاً فى ساحة محكمة النقض، وكانت كلمات الزند تجلجل وتدوّى، حتى وصلت إلى عنان السماء، تعلن التحدى والمواجهة، تحشد مصر كلها لمعركة طويلة وفاصلة، إما نكون أو لا نكون، وبعدها جاءت كلمات المستشار عبدالمجيد محمود لتلهب حماس الحاضرين، ولتكشف حقيقة المخطط الإخوانى ضده وضد قضاء مصر، ويومها تساءل: لماذا لم يتقدم الإخوان حتى الآن بطلب فتح قضية «موقعة الجمل»؟ ملقياً بذلك المسئولية عليهم فى أحداث هذه الموقعة. كانت مقررات الجمعية العمومية للقضاة فى ذلك الوقت دليل عمل «ثورى» لكل المصريين جميعاً، تقدم القضاة الصفوف مبكراً ومعهم مجموعة محدودة من النخبة، كان الإعلام غارقاً فى الترويج لمحمد مرسى وجماعته، واستهدفت الحملات قضاة مصر وفى مقدمتهم «الزند» والتحريض ضده. وفى ذلك الوقت بدأ الترصد والتحرش بالمستشار الزند، حاولوا اقتحام اجتماع الجمعية العمومية، واحتشد فلول الإخوان لمحاصرة محكمة النقض، بل إنهم حاولوا اغتيال «الزند» شخصياً. وزحفت عناصر الإخوان وتابعوهم إلى مبنى المحكمة الدستورية العليا لمنع قضاتها من الانعقاد، وراح المستشار الزند يتواصل مع قضاة العالم لرفض المؤامرة على المحكمة الدستورية فأصدرت 64 محكمة دولية فى هذا الوقت بياناً شديد اللهجة أعلن عن التضامن مع المحكمة الدستورية فى رفض منعها من أداء عملها، بل إن هذه المحاكم عطلت عملها لمدة يوم واحد احتجاجاً على حصار المحكمة الدستورية الذى استمر 18 يوماً. وكان لقضاة مصر موقفهم من أحداث الاتحادية، ووقف نادى القضاة بكل قوة خلف المستشارين مصطفى خاطر وإبراهيم صالح وعدد آخر من رجال النيابة العامة الذين رفضوا تعليمات النائب العام طلعت عبدالله بتلفيق قضية أحداث الاتحادية لعدد من المواطنين الذين تعرضوا للتعذيب على يد جماعة الإخوان، ودعا الزند إلى احتشاد رجال القضاء والنيابة العامة تضامناً مع المستشارين مصطفى خاطر وإبراهيم صالح اللذين رفضا قرار نقلهما وقررا التقدم باستقالتيهما من النيابة العامة، ويومها هدد رجال النيابة بتعليق العمل فى جميع النيابات، وكانوا قد بدأوا قبلها موجة من الاستقالات ضمّت عدداً من المحامين العامين ورؤساء النيابات وأعضائها فى العديد من المحافظات والمحاكم المختلفة. فى نفس هذا اليوم كان هناك عدد من شباب الإخوان وتابعيهم ينتظرون المستشار أحمد الزند أمام نادى القضاة وحاولوا الاعتداء عليه وقتله، عندما خرج من ساحة النادى فى التاسعة مساء، ولكن القضاة تمكنوا من القبض على بعضهم.
كان الزند ومعه حشود القضاة يراهنون على انتفاضة الشعب المصرى فى مواجهة حكم جماعة الإخوان، وكان لديه اعتقاد لا يتزعزع بأن جيش مصر العظيم لن يتوانى عن دعم الشعب فى ثورته على الجماعة الإرهابية. تعددت حلقات النضال، تحول نادى القضاة إلى خلية «ثورية» تقاوم، تتحدى، تصر على استمرار المسيرة، مهما كانت التحديات والمؤامرات التى تحاك ضدهم. فى أبريل 2013 كان مكتب الإرشاد قد اتخذ قراراً بعزل 3500 من كبار القضاة فى مصر من خلال السعى لإصدار قانون يقضى بعزل كل من بلغ الخامسة والستين من العمر، يومها ثار القضاة وأدركوا أن المؤامرة وصلت إلى حد لا يمكن السكوت عليه، لأنهم كانوا يعرفون أن الهدف هو إحلال عناصر إخوانية من المحامين وخريجى الحقوق محل هؤلاء القضاة، تمهيداً لإسقاط هذه المؤسسة العريقة. قاد أحمد الزند نضالاً بلا هوادة دفاعاً عن زملائه وعقد مجلس إدارة نادى القضاة اجتماعاً مهماً فى ذلك الوقت وأصدر فى نهايته بياناً تحدى فيه محمد مرسى وجماعته، وقال المستشار الزند يومها: «لن نسمح أبداً بتقويض سلطة القضاء وتصفية رجاله لحسابات سياسية تهدف إلى أخونة القضاء»!! وفى العشرين من يونيو، وقبل اندلاع الثورة بعشرة أيام، عقد الزند مؤتمراً عالمياً للدفاع عن قضاة مصر، شارك فيه رئيس الاتحاد الدولى للقضاة، ومن هذا الاجتماع راح الزند يعلن مجدداً تحديه لمحمد مرسى وجماعة الإخوان، وكانت كلمته الشهيرة «القضاة لحمهم مر يا مرسى» تدوّى فى كل أنحاء الوطن لتشعل غضب الجماهير وتمهد الطريق لثورة الشعب ضد حكم الإخوان.
وعندما اندلعت ثورة الثلاثين من يونيو كان القضاة فى مقدمة الصفوف. زحفنا من مبنى نقابتَى المحامين والصحفيين إلى نادى القضاة، فوجدناهم ينتظروننا لنزحف إلى محكمة النقض ومنها إلى التحرير ثم مبنى الرئاسة فى الاتحادية سيراً على الأقدام، نرفع أعلام مصر، ونهتف بسقوط حكم الإخوان. كانت مفردات الزند واضحة، ومواقفه لا تقبل التردد، لقد أعلنها منذ اليوم الأول: لا تراجع ولا استسلام، حذر منذ البداية من حكم «الفاشية الدينية»، اكتسب تعاطفاً جماهيرياً كبيراً، وكان يقول دائماً: «حتى لو قتلونى دمى لن يكون غالياً على مصر». ظل حتى اليوم الأخير، صامداً، مقاتلاً شرساً بلا هوادة، لم تكن له حسابات، ولا توازنات، حساباته فقط كانت حسابات الوطن، ارتفع اسمه عالياً، كان الناس يحلو لهم أن يسموه «أسد القضاة» لأنه كان أسداً فى وقت كان فيه بعض من يتطاولون عليه كالفئران داخل الجحور، وبعضهم كان يسير فى ركب الإخوان، أو يستخدم مفردات لا تسمن ولا تغنى من جوع. كان الزند يقول دائماً: «ليس هناك أحد منا له جميل على مصر، بل إن جميل مصر سيبقى فى أعناقنا جميعاً حتى النفس الأخير فى حياتنا».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.