الدولار الأمريكي يرتفع متأثرا بالضربة الإسرائيلية على إيران    سعر الذهب اليوم في مصر يرتفع في بداية تعاملات الجمعة    سعر الفراخ بالأسواق اليوم الجمعة 13-6-2025 فى المنوفية.. الفراخ البيضاء 87 جنيه    رئيس الوزراء: نتابع الموقف أولا بأول وتنسيق بين البنك المركزي والمالية لزيادة مخزون السلع    إزالة 26 حالة تعد على أراضي زراعية وأملاك دولة ب7 مراكز في أسيوط    إيران تدعو إلى عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي    أبرزهم مودريتش وفاردي.. نجوم كبار يودعون الملاعب الأوروبية    محمد شكري يكشف حقيقة الانتقال للأهلي بعد مونديال الأندية    صباحك أوروبي.. بديل بوستيكوجلو.. مستقبل شتيجن.. ورسائل إنريكي    أحمد هاني: سيراميكا خاض كأس عاصمة مصر بشخصية البطل    تفاصيل النشرة المرورية بشوارع القاهرة الكبرى اليوم الجمعة 13 يونيو    بيان مهم بشأن حالة الطقس في القاهرة المحافظات: ذروة الموجة الحارة    إصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارة وموتوسيكل بقنا    بعثة الحج تواصل تفويج الحجاج المصريين وسط إشادة بالتنظيم والرعاية    الحسن عادل يتصدر تريند اليوتيوب ب "مش سالكين"    وزارة الطيران: المجال الجوي المصرى آمن ويعمل بشكل طبيعي    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الجمعة 13-6-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    إصابة شخصين باختناق فى حريق بالمركز الطبى التخصصى بالمنيا    استعلم الآن.. إعلان نتيجة النقل والشهادة الإعدادية 2025 فى عدد من المحافظات    الأردن يدين العدوان الإسرائيلي على إيران ويعتبره انتهاكًا صارخًا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 13-6-2025 في محافظة قنا    كوكا: "الفترة الماضية كانت صعبة.. واللعب بدلًا من معلول تحدٍ كبير"    في ختام رحلة الوفاء.. أسر الشهداء يغادرون المدينة المنورة بقلوب ممتنة    خسائر بمنازل قرية شطورة بسوهاج بسبب ضعف الكهرباء.. والأهالي يستغيثون    ترمب: لا يمكن السماح لإيران بامتلاك قنبلة نووية ونأمل بعودة المفاوضات    زيادة تجاوزت 800 جنيه.. قفزة كبيرة في أسعار الحديد والأسمنت الجمعة 13 يونيو 2025    مجلس النواب يناقش الموازنة العامة للدولة (2025/ 2026) الأسبوع المقبل    فريدون عباسي.. العالم النووي الذي نجا من محاولة اغتيال قبل 15 عاما ولقي مصرعه في الضربة الإسرائيلية على إيران    جدول مباريات كأس العالم للأندية 2025 .. مواعيد العرب    أسعار الفراخ اليوم الجمعة 13-6-2025 بعد الانخفاض الجديد.. وبورصة الدواجن الرئيسية اليوم    هشام ماجد يهنئ محمد دياب وصنّاع «هابي بيرث داي» بعد فوزه في مهرجان تريبيكا    «جدتي كانت بتولع جنبي».. نص أقوال طالبة طب في حادث طريق الواحات قبل وفاتها (خاص)    جعفر: الفوز بكأس مصر كان مهم قبل بداية الموسم المقبل    توك شو المونديال... أبرز تصريحات محمد هاني قبل مباراة إنتر ميامي    وكالة أنباء تسنيم الإيرانية: فرض قيود على حركة الطائرات في مطار العاصمة    الداخلية تكشف تفاصيل فيديو التحرش بالأطفال في بورسعيد    نتيناهو: نحن في لحظة حاسمة في تاريخ إسرائيل وبدأنا عملية «شعب كالأسد» لإحباط المشروع النووي الإيراني    تغطية خاصة| إسرائيل تبدأ الحرب على إيران    «سهل أعمل لقطات والناس تحبني».. رد ناري من محمد هاني على منتقديه    محمود الليثي يواصل تصدره للمشهد الغنائي.. ويحتفل بعيد ميلاده برسائل حب من النجوم    وزير: فحوصات الحمض النووي ضرورية لتحديد ضحايا تحطم الطائرة الهندية    "مستقبل وطن المنيا" ينفذ معسكرا للخدمة العامة والتشجير بمطاي    الاستماع لشكاوى المواطنين بقرى بئر العبد بشأن انتظام وصول المياه    وكيل وزارة الصحة بالشرقية يؤكد على دور الإعلام الحيوي في دعم المنظومة الصحية    الأرجنتين تحقق في 38 حالة وفاة مرتبطة بالعلاج بمادة الفنتانيل الملوثة    100% ل 3 طلاب.. إعلان أوائل الابتدائية الأزهرية بأسيوط    طريقة عمل الكوارع، بمذاق مميز ولا يقاوم    تعرف على برامج الدراسة بجامعة السويس الأهلية    دينا عبد الكريم تلتقي بالسفير حبشي استعدادًا لجولة كبرى لبناء قواعد للجبهة الوطنية من المصريين بالخارج    رحلة ساحرة في تاريخ روسيا تكشف تراثها الإبداعي على المسرح الكبير    محامي عروسين الشرقية يكشف مفاجأة    3 أيام متتالية.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    تدريب على الإنعاش القلبي الرئوي الأساسي (BLS) وفقًا لمعايير جمعية القلب الأمريكية AHA    موعد إجازة رأس السنة الهجرية 2025.. عطلة رسمية للقطاعين العام والخاص    تعامل بحذر وحكمة فهناك حدود جديدة.. حظ برج الدلو اليوم 13 يونيو    الآلاف يشيعون جثمان تاجر الذهب أحمد المسلماني ضحية غدر الصحاب في البحيرة (فيديو وصور)    الأزهر للفتوى يعلق على شغل الوقت باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي    ملك زاهر توجه رسالة مؤثرة من داخل المستشفى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



'معركة الضمير'
.. الجزء الثاني..
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 01 - 06 - 2015

وفي مساء اليوم ذاته 22 نوفمبر أعلن د.ياسر علي 'المتحدث باسم رئاسة الجمهورية' عن مضمون الإعلان الدستوري الجديد الذي أحدث انقلابًا خطيرًا، ومثَّل اعتداءً علي القانون وعلي الإعلانات الدستورية المختلفة.
وقد تضمن الإعلان الدستوري عددًا من المواد الخطيرة التي تمكَّن الرئيس من فرض ديكتاتوريته الكاملة علي القضاء وعلي شئون البلاد، وكان اخطرها:
المادة الثانية والتي نصت علي أن: 'الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات السابقة الصادرة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة في 03 يونية 2012 حتي نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد تكون نهائية ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن عليها بأي طريق وأمام أي جهة، كما لا يجوز التعرض لقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء، وتنقضي جميع الدعاوي المتعلقة بها والمنظورة أمام أي جهة قضائية'.
كما نصت المادة الثالثة علي: 'يُعيَّن النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ شغل المنصب، ويُشترط فيه الشروط العامة لتولي القضاء، وألا تقل سنه عن 40 سنة ميلادية، ويسري هذا النص علي مَنْ يشغل المنصب الحالي بأثر فوري'.
وكان ذلك يعني عزل النائب العام المستشار عبد المجيد محمود المعين منذ عام 2006، أي بما يعني أنه استنفد مدة الأربع سنوات من تاريخ شغله وظيفته.
كما ونصت المادة الخامسة من القانون علي: 'لا يجوز لأي جهة قضائية حل مجلس الشوري أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور'، بما يمثل قمة التحدي للقضاء وتعطيل أحكامه عنوة ودون سند.
لقد أحدث هذا الإعلان الدستوري ردود فعل غاضبة في كل مكان علي أرض مصر، فهو علاوة علي أنه يتحدي القانون والإعلانات الدستورية وسلطة القضاء، فإن الرئيس لم يكن مفوضًا في إصدار مثل هذه الإعلانات الدستورية باعتبار أن السلطة التشريعية من الناحية القانونية في حوزة المجلس الأعلي للقوات المسلحة في ظل غيبة مجلس الشعب، حتي لو كان الرئيس قد اغتصب هذه السلطة لنفسه وألغي الإعلان الدستوري المكمل في 12 أغسطس 2012.
لقد صدر بمقتضي هذا الإعلان قرار جديد يقضي بعزل النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، فالرئيس الذي تراجع عن قراره السابق، كان ينتظر اللحظة المناسبة لإعادة الكَرَّة وعزل النائب العام، الأمر الذي مثَّل عدوانًا سافرًا علي قانون السلطة القضائية.
ومع صدور هذا الإعلان الدستوري، وضح أن الهدف هو اغتصاب السلطة القضائية لتنضمَّ إلي السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولذلك أصدر رئيس الجمهورية قانونًا مرافقًا أطلق عليه 'قانون حماية الثورة'.
لقد تجاوز القانون في مضمونه جميع الإجراءات الاستثنائية التي كانت من أسباب قيام الثورة ضد النظام السابق، فقد كان بمثابة محاولة للثأر والانتقام.
كانت البداية بعد صدور الإعلان الدستوري مباشرة، صدور قرار بتعيين نائب عام جديد هو المستشار طلعت إبراهيم الذي جري اختياره دون سند من قانون أو دستور، أدي القَسَم في المساء ذاته بعد أن جري استدعاؤه علي عجل، ثم طُلب منه الذهاب إلي مكتب النائب العام بدار القضاء العالي بعد منتصف الليل ليلقي بيانًا علي الشعب، ويرسخ أمرًا واقعًا أمام الجماهير.
لقد جاءوا إليه بكاميرات التليفزيون، انتظر في مكتب مدير أمن المحكمة قبل أن يصعد إلي مكتبه، بعد أن استُدعي النائب العام المساعد المستشار عادل السعيد الذي جاء ومعه عدد من موظفي مكتب النائب العام لإدخاله المكتب في هذا الوقت المتأخر من بعد منتصف ليل الخميس 22 نوفمبر 2012.
كان المستشار عبد المجيد محمود قد لملم أوراقه وانصرف بعد الإعلان مباشرة، وفي اليوم التالي الجمعة، كنت أزوره في منزله بحضور النائب العام المساعد عادل السعيد والنائب العام المساعد عدنان الفنجري وعدد من محامي العموم وبعض من المقربين، كان الرجل مستاءً وغاضبًا من المشهد، وقال إنه لن يستسلم وسيلجأ إلي دائرة رجال القضاة للطعن علي هذا القرار.
وفي هذا اليوم الجمعة 23 نوفمبر كان الآلاف من الإسلاميين قد توجهوا إلي قصر الرئاسة بالاتحادية لإعلان تأييدهم للرئيس، بينما كانت الحشود تتدفق علي ميدان التحرير، رفضًا لهذا الإعلان الخطير، واستبق ذلك تصريحات من الأحزاب وقادة الرأي العام ورجال القانون والقضاة تنتقد جميعها هذا الإعلان الذي اعتبرته باطلًا.
انطلقت الهتافات أمام قصر الاتحادية، خرج الرئيس مرسي إلي أهله وعشيرته ليخاطبهم معتليًا منصة أُعدت له أمام القصر الرئاسي، قال 'إن ما يسعي إليه هو الاستقرار السياسي والاقتصادي وتأكيد مبدأ تداول السلطة'، وقال 'إنه يحترم القضاء ويرعي دولة القانون والدستور ولا يريد أن يستأثر بالسلطة التشريعية، وإنه اتخذ القرارات الأخيرة عندما وجد أن الأحكام القضائية تُعلَن قبل صدورها بأسبوعين'.
وراح الرئيس يتحدث عن مؤامرة 'وهمية' أعدها قضاة بالمحكمة الدستورية، إلا أنه كُشف الغطاء عنهم، وهي أمور كلها أثارت استياءً واضحًا ليس لدي القضاة فحسب ولكن لدي فئات واسعة من المجتمع.
كانت الاشتباكات تدور في شارع محمد محمود لليوم الخامس علي التوالي، بينما كانت مليونية 'الغضب والإنذار' التي دعت إليها القوي السياسية في ميدان التحرير يشتد لهيبها.
وفي هذا الوقت بدا الانقسام واضحًا!!
في مساء الجمعة 23 نوفمبر حدثني المستشار أحمد الزند، دعاني للمشاركة بالحضور وإلقاء كلمة أمام الجمعية العمومية للقضاة التي ستُعقد في الثالثة من بعد ظهر السبت 24 نوفمبر لإعلان موقفها من عزل النائب العام والاعتداء علي استقلالية السلطة القضائية.
قالي لي: إن المستشار عبد المجيد سوف يحضر أعمال الجمعية العمومية، وسيعلن موقفه بكل صراحة ووضوح، وكنت أعرف أن المستشار عبد المجيد محمود سوف يحضر بالفعل.
في الموعد المحدد ذهبت إلي هناك، كانت الحشود كبيرة، لقد شارك في أعمال الجمعية العمومية أكثر من سبعة آلاف من رجال القضاء والنيابة العامة.
كانت وسائل الإعلام تنقل الحدث علي الهواء مباشرة، تحدث العديد من الشخصيات، كان أبرزهم: المستشار أحمد الزند 'رئيس نادي القضاة، رئيس الجمعية العمومية' والمستشار عبد المجيد محمود 'النائب العام الشرعي' ونقيب المحامين سامح عاشور والعديد من أساتذة القانون.
وزَّع أعضاء النيابة العامة بيانًا من المستشار عبد المجيد محمود علي أعضاء الجمعية العمومية أكد فيه عددًا من النقاط، أبرزها:
أولًا: إنه بغض النظر عن شرعية أو عدم شرعية الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس بتاريخ 21 نوفمبر وما تضمنه من أحكام في حقيقتها تهدف إلي تعطيل عمل السلطة القضائية، فإنني أترك هذا الأمر للجهات القضائية المختصة لتقول كلمتها ومدي شرعية هذا الإعلان وما تمخض عنه من قرارات منعدمة، باعتبار أن جهة القضاء المختصة هي صاحبة الاختصاص الأصيل دون غيرها في تكييف أحكام هذا الإعلان الدستوري ومدي مطابقته للدستور والقانون.
ثانيًا: إنني إذ أعلن تمسكي بجميع النصوص الدستورية والقانونية وفي مقدمتها قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 وتعديلاته فيما يتعلق بمنصب النائب العام، فقد قررت اللجوء إلي الجهات القضائية المختصة لإصدار حكمها فيما يتعلق بقرار رئيس الجمهورية بعزل النائب العام وتعيين نائب عام جديد.
ثالثًا: أُعلن أمام الكافة مسئوليتي الكاملة عما يتعلق بدور النيابة العامة وأدائها وحرصها علي القانون وتطبيق مبدأ العدالة في جميع القضايا التي تصدت لها طيلة الفترة الماضية.
رابعًا: إنني أحذر من خرق المبادئ العامة للدستور والقانون، وفي ضوء ما شهدته الأيام الماضية من قرارات متعددة طالت السلطة القضائية وسعت إلي تعطيل دورها، فإنه يجب التأكيد أن العدالة المنشودة هي العدالة المطلقة وليست عدالة الإدانة فقط.
خامسًا: لقد تعرض جهاز النيابة العامة والقضاء المصري إلي هجمة شرسة واتهامات ظالمة وقفت خلفها قوي لا تريد للعدالة المطلقة أن تأخذ طريقها، وتسعي إلي تسييس القضاء وأحكامه لحسابات سياسية بعينها، وهو أمر مرفوض من الجميع، فقضاء مصر العادل لا يحتكم في قراراته وأحكامه إلا للدستور والقانون.
سادسًا: إننا نحذر من خطورة الحملة التي تستهدف القضاء واستقلاله، وتسعي إلي تشويه سمعة قضاة مصر وإهانتهم أمام الرأي العام، وإننا نرفض ذلك من منطلق الحرص علي كيان الدولة المصرية التي تتعرض لحملات ممنهجة في هذه الفترة تستهدف إسقاط جميع مؤسسات الدولة والسلطة القضائية في مقدمتها.
وفي خطابه أمام الجمعية العمومية للقضاة فنَّد المستشار عبد المجيد محمود جميع الادعاءات التي ساقتها عناصر من جماعة الإخوان ضده، وقال إن الهدف هو النيل من القضاء، وتساءل: لماذا لم يقدم أحد فيهم بلاغًا للتحقيق في فتح السجون وحرق الأقسام؟!
صفق الحاضرون كثيرًا، فقد كانت كلماته تعني رسالة لكل ذي عقل ولكل من يتابع الأوضاع علي أرض هذا البلد.
في هذا الوقت سُمع دوي إطلاق رصاص من خارج مبني دار القضاء العالي، ثم عرفنا بعد ذلك أن هناك هجومًا من بعض عناصر البلطجة الذين استهدفوا اقتحام مقر دار القضاء العالي للاعتداء علي أعضاء الجمعية العمومية بتحريض من جماعة الإخوان.
بعد ساعات طوال ومناقشات عديدة، أصدرت الجمعية العمومية للقضاة عددًا من التوصيات المهمة، كان أبرزها: مطالبة الرئيس بسحب الإعلان الدستوري الأخير والآثار المترتبة عليه، وإلزام مجلس القضاء الأعلي بتبني جميع القرارات التي تصدر من الجمعية العمومية وتنفيذها.
وناشدت الجمعية العمومية المستشار طلعت عبد الله الاعتذار عن منصب النائب العام، حتي لا يحدث شقاق في صفوف القضاة. ودعت جميع الجمعيات العمومية إلي تعليق العمل بالمحاكم اعتبارًا من 25 نوفمبر 2012، وجري الاتفاق علي بدء اعتصام داخل نادي القضاة اعتبارًا من الثلاثاء 27 نوفمبر، كما تقرر شطب جميع القضاة المنتمين لحركة 'قضاة من أجل مصر' الذين أيدوا الإعلان الدستوري من عضوية نادي القضاة.
كانت مقررات الجمعية العمومية لقضاة مصر، بمثابة إنذار للسلطة السياسية في البلاد، وتحدٍ للقرارات الجائرة والظالمة التي مثَّلت انتهاكًا صارخًا للدستور والقانون.
وكانت مصر في هذا الوقت تموج بالتظاهرات الرافضة للإعلان الدستوري 'الانقلابي'، وكان الجيش يتابع الأوضاع عن كثب.
في هذا الوقت وتحديدًا بعد صدور الإعلان الدستوري في الثاني والعشرين من نوفمبر التقي الفريق أول عبد الفتاح السيسي الرئيس السابق محمد مرسي وحذره من خطورة تداعيات هذا الإعلان علي الأمن والاستقرار في البلاد، إلا أن الرئيس لم يعط اهتمامًا لمخاوف القائد العام للقوات المسلحة.
بعدها جاءت مليونية 'الشرعية والشريعة' يوم السبت '1' ديسمبر، حيث احتشد أكثر من مليون من المنتمين إلي التيار الإسلامي، شنوا هجومًا شرسًا علي القوي المدنية ورفعوا صور الإعلاميين 'وقد كنت من بينهم' وطالبوا بالثأر منهم، وهتفوا ضد قضاة مصر وضد المستشار أحمد الزند ونادي القضاة والعديد من رموز جبهة الإنقاذ التي أسموها بجبهة 'الخراب'.
وفي اليوم نفسه دعا صفوت حجازي أحد رموز التيار الإسلامي المحتشدين إلي الزحف باتجاه المحكمة الدستورية العليا لمحاصرتها ومنعها من إصدار حكمها المتوقع في الثاني من ديسمبر 2012 في دعوي بطلان مجلس الشوري وبطلان الجمعية التأسيسية للدستور.
وقد أكدت المعلومات أن عملية الحصار تمت بأوامر مباشرة من الرئيس الأسبق محمد مرسي، حيث أقام المعتصمون خيامًا حول مبني المحكمة الدستورية ومنعوا قضاتها في اليوم التالي من الدخول ووجهوا إليهم الإهانات وراحوا يرددون الهتافات المعادية والمهينة من عينة 'إدينا الإشارة نجيبهم لك في شيكارة'.. 'يا قضاة الدستورية اتقوا شر المليونية'.
لقد أصدرت المحكمة الدستورية بيانًا في أعقاب حصارها بساعات قليلة أعلنت فيه تعليق جلسات المحكمة في جميع القضايا المنظورة أمامها إلي أجل غير مسمي يرتبط بالمناخ والظروف الملائمة التي لا يقدرون فيها علي مواصلة رسالتهم والفصل في الدعاوي المطروحة علي المحكمة بغير أي ضغوط نفسية أو مادية يتعرضون لها.
وقال البيان إن اليوم المحدد لجلسة نظر القضايا المنظورة أمام المحكمة الدستورية كان الثاني من ديسمبر عام ألفين واثني عشر، وإنه كان يومًا حالك السواد في سجل القضاء المصري علي امتداد عصوره.
وقال البيان: 'عندما بدأ توافد قضاة المحكمة في الصباح الباكر لحضور جلستهم ولدي اقترابهم من مبناها تبين لهم أن حشدًا من البشر يطوقون المحكمة من كل جانب ويوصدون مداخل الطرق إلي أبوابها ويتسلقون أسوارها ويرددون الهتافات والشعارات التي تندد بقضاتها وتحرض الشعب ضدهم، مما حال دون دخول مَنْ وصل من القضاة، نظرًا لما تهددهم من أذي وخطر علي سلامتهم في ظل حالة أمنية لا تبعث علي الارتياح'.
وأضاف البيان 'إنه إزاء ما تقدم فإن قضاة المحكمة الدستورية العليا لم يعد أمامهم اختيار إلا أن يعلنوا لشعب مصر العظيم أنهم لا يستطيعون مباشرة مهمتهم المقدسة في ظل هذه الأجواء المشحونة بالغلِّ والحقد والرغبة في الانتقام واصطناع الخصومات الوهمية، ومن ثم فإنهم يعلنون تعليق جلسات المحكمة إلي أجل يقدرون فيه علي مواصلة رسالتهم والفصل في الدعاوي المطروحة علي المحكمة بغير أي ضغوط نفسية ومادية يتعرضون لها'.
وكان موقف وزارة العدل مخجلًا، فالمستشار أحمد سلام المتحدث باسم وزارة العدل أعلن عن أسفه لحصار المحكمة، إلا أنه قال: ليس من اختصاصنا فض الحصار، ولم يسمع أحد موقفًا واضحًا وقويًا لوزير العدل آنذاك المستشار أحمد مكي.
في هذا الوقت أعلنت 64 محكمة دولية عن تضامنها مع المحكمة الدستورية في رفض منعها من أداء عملها، بل جري تعطيل عمل هذه المحاكم لمدة يوم احتجاجًا علي حصار المحكمة الدستورية الذي استمر 18 يومًا.
لقد ترك هذا الحصار وما لاقاه القضاة من إهانة جرحًا غائرًا في نفوس القضاة والشعب المصري.. إلا أن رئيس الدولة وجماعة الإخوان، كانوا يرون أن هذا هو الأسلوب المناسب لقمع المحكمة وقضاتها والثأر منهم بسبب الحكم الصادر في 14 يونية 2012 بحل مجلس الشعب استنادًا إلي عدم دستورية المادة الخامسة من قانون الانتخابات البرلمانية.
ثار الرأي العام في مصر، احتجَّ القضاة، اهتز الضمير الوطني، وازدادت حدة المظاهرات في هذا الوقت احتجاجًا علي تعسف السلطة وجبروتها في مواجهة المحكمة وقضاتها، وكان نادي القضاة برئاسة المستشار أحمد الزند قد أعلن الحرب بكل قوة ضد النظام الديكتاتوري الذي استهدف القضاة واستقلاليتهم.
كانت النيابة العامة تواصل تحقيقاتها في هذه الأحداث اعتبارًا من فجر يوم الخميس 6 ديسمبر، حيث تلقت نيابة مصر الجديدة الجزئية بلاغًا بوقوع اشتباكات ومصادمات بمحيط قصر الاتحادية نشأ عنها حتي هذا الوقت وفاة 9 أشخاص وإصابة نحو 391 وقد شرعت النيابة علي الفور في مباشرة التحقيقات وانتقلت إلي المستشفيات لمناظرة جثث المتوفين ومعاينة أماكن الأحداث.
كان المستشار مصطفي خاطر المحامي العام لنيابة شرق القاهرة علي رأس وفد النيابة الذي تابع الأحداث، وأثناء إجراء المعاينة تلقي اتصالًا من المستشار طلعت عبد الله 'النائب العام المعين بقرار من رئيس الجمهورية'، حيث استفسر منه عن مجريات التحقيق وموقف المتهمين والاعترافات التي أدلوا بها، وقد أبلغه المستشار مصطفي خاطر بأنه تم ضبط 90 متهمًا علي ذمة الأحداث، وأن أفرادًا ينتمون إلي مؤيدي الرئيس هم الذين ألقوا القبض عليهم، وأن التحقيقات جارية معهم.
في هذا الوقت طلب النائب العام المعين من المستشار مصطفي خاطر التوجه إلي قصر الاتحادية وأبلغه أنه تم ضبط 49 بلطجيًا هكذا قال وجميعهم محتجزون عند البوابة رقم '4' الخاصة برئاسة الجمهورية، وأنه تم التصديق بمعرفته مع السفير محمد رفاعة الطهطاوي 'رئيس ديوان رئيس الجمهورية' لكي تتوجه النيابة العامة إلي قصر الرئاسة لتسلُّم هؤلاء المتهمين، والغريب أن النائب العام المعين طلب من المحامي العام لنيابة شرق القاهرة ضرورة اتخاذ قرار حاسم بشأن هؤلاء المتهمين، خصوصًا المجموعة التي تم ضبطها واحتجازها بجوار قصر الاتحادية، وأوصي بضرورة حبسهم احتياطيًا.
كان ذلك بمثابة توجيه من النائب العام المعين، حتي قبيل أن تبدأ التحقيقات مع المقبوض عليهم، وهو أمر أثار المستشار مصطفي خاطر.
لقد توجه المستشار مصطفي خاطر علي الفور علي رأس وفد من النيابة العامة إلي قصر الرئاسة بمصر الجديدة ودخل إلي ساحة القصر، وهاله حجم التعذيب والضرب المبرح الذي تعرض له المقبوض عليهم، وقد قام فريق النيابة بإثبات تلك الإصابات في حينه وبموجب تقارير طبية ومحضر إجراءات، حيث أفادوا جميعًا بأن من تولي ضبطهم وتعذيبهم مجموعة تنتمي إلي جماعة الإخوان المسلمين، وأن التعذيب الذي تعرضوا له منهم، كان الهدف من ورائه إجبارهم علي الاعتراف بأنهم مأجورون للقيام بأعمال شغب لقاء مبالغ نقدية.
في الثالثة والنصف من بعد عصر يوم الخميس، عُرض المحضر الخاص بالواقعة علي المحامي العام لنيابة شرق، حيث شرع فريق التحقيق من النيابة العامة في مباشرة التحقيقات واستجواب جميع المتهمين في ضوء محضر التحريات الذي أعده فريق من رجال المباحث الجنائية والأمن الوطني، فقد أشار المحضر إلي أن المتهمين تم ضبطهم بمعرفة عناصر من المتظاهرين الذين ينتمون لجماعة الإخوان، وأن التحريات أكدت عدم وجود أي أدلة تثبت إدانتهم وصِدْقَ التصريحات التي أدلي بها رئيس الجمهورية محمد مرسي في خطابه في اليوم التالي لهذه الأحداث، وهو ما لم يحدث جملة وتفصيلًا، كما ذكر المستشار مصطفي خاطر في خطاب استقالته المقدم منه إلي النائب العام المعين.
بعد الانتهاء من التحقيقات في اليوم التالي، تم عرض الأمر علي رئيس المكتب الفني للنائب العام، حيث أشارت التحقيقات إلي عدم وجود أي أدلة تفيد بتورط المقبوض عليهم في تلقي أموال أو ارتكاب أعمال عنف، بل كان الكثيرون منهم ضحية للعنف والتعذيب، وأن النيابة العامة قررت الإفراج عنهم جميعًا.. بعد أن ثبت أنه لا توجد أي أدلة من شأنها إصدار قرار حبس للمتهمين، وأن جميع أعضاء فريق التحقيق اتفقوا علي إخلاء سبيل جميع المتهمين ما عدا من ضُبط بحوزته أسلحة نارية، وعددهم أربعة متهمين، ينتمون جميعًا إلي جماعة الإخوان وحلفائها.
في هذا الوقت تجمع حول مبني محكمة مصر الجديدة حوالي 2000 من أهالي المتهمين ومجموعة كبيرة من المحامين للتنديد بما أسموه بتعسف النيابة العامة والتأخر في إخلاء سبيل المتهمين، وطالبوا بالإفراج عن المقبوض عليهم.
وفي اليوم نفسه تلقي المستشار خاطر إخطارًا من النائب العام المعين بأنه يتعين عليه حبس مجموعة من المتهمين، كان عددهم 45 متهمًا، إلا أنه رفض ذلك القرار واتفق معه في ذلك أعضاء فريق التحقيق، وقام السيد إبراهيم صالح 'رئيس نيابة مصر الجديدة' بعد التشاور مع المستشار مصطفي خاطر بإخلاء سبيل جميع المتهمين، لعدم وجود أي أدلة، وتم إصدار القرار علي غير رغبة النائب العام المعين.
في اليوم التالي استدعي مكتب النائب العام، المستشار مصطفي خاطر ومعه السيد سامح عصام 'رئيس النيابة الجزئية' والسيد إبراهيم صالح 'رئيس نيابة مصر الجديدة' لمقابلة النائب العام المعين، حيث استقبلهم استقبالًا فاترًا ووجَّه إليهم اللوم الشديد علي قرارهم بإخلاء سبيل المتهمين علي غير رغبته.
وقد حاول المستشار مصطفي خاطر أن يشرح الأمر للنائب العام المعين تفصيليًا وقال له إنه لا توجد أي أدلة تثبت تورط المتهمين في أعمال عنف، وإن محاضر التحريات جاءت لصالحهم، وإن الأمن لم يقبض عليهم، وإنهم تعرضوا لتعذيب شديد علي يد عناصر من جماعة الإخوان المسلمين.. إلا أن النائب العام المعين قال لهم: إن هذا يُعَدُّ سوء تقدير للموقف، ويعني تكذيب المعلومات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية في خطابه، وإنه في وضع حرج للغاية، وقال لهم إنه لا يستطيع أن يجبر أحدًا علي العمل معه، وإن من يرغب في ترك العمل عليه تقديم طلب في هذا الشأن.
خرج المستشار مصطفي خاطر ومن معه، ولديهم إحساس كبير بالمهانة، نظرًا لما تعرضوا له داخل مكتب النائب العام المعين، وما رافق ذلك من تهديد واضح وصريح يكشف عن رغبة النائب العام المعين في إجبارهم علي حبس هؤلاء الأبرياء مهما كان الثمن في المقابل، وهو ما عبَّر عنه البيان الصادر من النائب العام المعين بعد ذلك والذي أكد أنه سوف يتم حبس كل من توافرت أدلة ضده حتي مَنْ تم إخلاء سبيله منهم.
وعندما عاد المستشار مصطفي خاطر إلي مكتبه لمواصلة عمله فوجئ بفاكس يحمل كتابًا للنائب العام يتضمن قرارًا بنقله وانتدابه للعمل في نيابة بني سويف، مما أثار سخط أعضاء النيابة العامة جميعًا.
وعلي الفور اتفق المستشار مصطفي خاطر مع السيد إبراهيم صالح 'رئيس نيابة مصر الجديدة' علي كتابة خطاب موجه إلي رئيس مجلس القضاء الأعلي يطلبان فيه إنهاء انتدابهما بالنيابة العامة والعودة إلي منصة القضاء.
كان الخطاب صادمًا للجميع، فلقد تضمن الأسباب الحقيقية لقرار الإبعاد، فاهتز ضمير القضاة ورجال النيابة العامة وسادت حالة من الغضب لدي الرأي العام، الذي أدرك أن العدالة في خطر، وأن هناك من يتربص بها، وأن أسباب الإصرار علي إبعاد المستشار عبد المجيد محمود من منصبه تتضح يومًا بعد الآخر.
لقد كان المستشار عبد المجيد محمود يرفض بكل إصرار الإملاءات الرئاسية والحكومية عليه، خاصة بعد أن رفض إصدار قرارات بحبس من جري تقديمهم من المقبوض عليهم في أحداث محمد محمود الأخيرة دون أدلة واضحة، إضافة إلي أسباب أخري عديدة تتكشف تدريجيًا ولا علاقة لها بما جري ترديده عبر عناصر الإخوان وتابعيهم عن أسباب قرار إبعاده.
في الثالثة من عصر الخميس 13 ديسمبر 2012، عقدت الجمعية العمومية لأعضاء النيابة العامة والقضاة اجتماعًا طارئًا ترأسه المستشار أحمد الزند، رئيس نادي القضاة، تحدث فيه العديد من رجال النيابة العامة، الذين أعلنوا تضامنهم مع رجال النيابة العامة في نيابة شرق القاهرة، والمستشار مصطفي خاطر الذي كان قد صدر قرار من النائب العام بإعادته إلي عمله مرة أخري والتراجع عن قرار إبعاده إلي بني سويف، خاصة بعد أن رفض المستشار مصطفي خاطر تنفيذ قرار النائب العام المعين وقرر تقديم مذكرة إلي رئيس المجلس الأعلي للقضاء يشرح فيها أسباب الطلب الذي تقدم به ومعه السيد إبراهيم صالح 'رئيس نيابة مصر الجديدة' مطالبين فيه بالعودة إلي منصة القضاء وإنهاء انتدابهما بالنيابة العامة.
قرر الأعضاء تعليق العمل بجميع نيابات الجمهورية لحين تنحي المستشار طلعت إبراهيم 'النائب العام 'المعين'' عن منصبه، وإقالة المستشار أحمد مكي 'وزير العدل'، وتخلي المستشار زغلول البلشي 'مدير التفتيش القضائي' عن منصبه.. كما طالبوا بإقالة المستشار أسامة رءوف 'المحامي العام لنيابات الإسكندرية'، ودعا الأعضاء إلي الاعتصام في مكتب النائب العام في العاشرة من صباح يوم الإثنين 17 ديسمبر 2012 لإجبار النائب العام 'المعين' علي تقديم استقالته.
في 17 ديسمبر من عام 2012 احتشد عدد كبير من أعضاء النيابة العامة، للاعتصام أمام مقر النائب العام المعين المستشار طلعت إبراهيم، كان لهم مطلب واحد ووحيد، وبعد مفاوضات مكثفة، قرر النائب العام 'المعين' تقديم استقالته من موقعه.
كان نص الاستقالة الموجه إلي رئيس المجلس الأعلي للقضاء يقول: 'أرجو نظر عرض طلبي علي مجلس القضاء الأعلي المنعقد بجلسة الأحد الموافق 2012/12/23 بقبول استقالتي من منصب النائب العام وعودتي للعمل بالقضاء'.
كان الهدف من تأجيل قرار البت في الاستقالة إلي يوم 12/23 انتظار نتائج التصويت علي الدستور، فاقتنع أعضاء النيابة العامة، وهتفوا للمستشار طلعت عبد الله واصطحبوه حتي سيارته.
عقب الإعلان عن الاستقالة دعا رئيس نادي القضاة المستشار أحمد الزند لإصدار قرار بعودة المستشار عبد المجيد محمود إلي منصبه نائبًا عامًا وقال: 'أقول للسلطة التنفيذية: لقد أزال المستشار طلعت عبد الله تسعة أعشار المشكلة ولم يبق إلا عُشرها، وهو إصدار قرار بعودة المستشار عبد المجيد محمود، لكي ُتحلَّ المشكلة من جذورها'.
في هذا الوقت تصاعدت حدة الغضب لدي أوساط جماعة الإخوان المسلمين وراحوا يطلبون من وزير العدل عدم قبول الاستقالة، وأمام حجم الضغوط التي مورست من جهات متعددة وافق النائب العام 'المعين' علي الانتظار، جرت اتصالات معه من جميع الأطراف، وكان أبرزها مؤسسة الرئاسة وقيادة الجماعة، بعثوا إليه بالمظاهرات التي تؤيد بقاءه في منصبه، أقنعوه بأن قراره غير شرعي، لأنه جاء بفرض القوة عليه، وأن استقالته يمكن سحبها من مكتب وزير العدل.
استجاب المستشار طلعت إبراهيم للنصيحة، وأعلن أنه سيبقي في منصبه، وقال إنه تعرض للابتزاز من عدد من أعضاء النيابة العامة، بالرغم من أنه صرح بنفسه في اليوم التالي لكتابة الاستقالة لقناة 'الحياة' بأنه تقدم باستقالته قناعةً وطواعيةً.
احتشد الآلاف من أعضاء النيابة العامة أمام مبني دار القضاء العالي رافضين تراجع المستشار طلعت إبراهيم عن استقالته، هددوا بتعليق العمل في جميع النيابات، بعثت جماعة الإخوان بعشرات المتظاهرين الذين راحوا يسعون إلي استفزاز أعضاء النيابة العامة والتطاول عليهم، وكان أعضاء النيابة يردون علي الهتافات المعادية والشتائم البذيئة، بالهتاف 'بلادي.. بلادي.. لك حبي وفؤادي'. كان المشهد مستفزًا إلي أقصي درجة، كان رجال القضاء يشعرون بمرارة تتعدي كل الحدود، وكانوا يرون الإهانة بأم أعينهم، وكانوا في دهشة من تبني وزير العدل المستشار أحمد مكي هذا القرار الجائر والدفاع عنه.

في مساء نفس اليوم كان هناك عدد من الشباب قد انتظروا المستشار أحمد الزند 'رئيس نادي القضاة' أمام مبني النادي، وعندما خرج من مبني النادي في حوالي التاسعة مساء بدأ الشباب يرددون الهتافات البذيئة ضده واعتدي بعضهم عليه، فتم احتجازهم بواسطة القضاة وإحالتهم للنيابة العامة التي قررت حبسهم في اليوم نفسه.
في هذا الوقت تجمهر عدد كبير من القضاة بداخل النادي النهري للقضاة بالعجوزة ليبعثوا برسالة للرأي العام تقول: 'إنه لم تعد هناك حرمة لأي شيء، وإن الاعتداء اللفظي والبدني والمعنوي ضد القضاة وصل إلي مداه، وإنهم يعرفون جيدًا القوي التي تحرك الأحداث وتتجاوز كل الحدود'.
بعد الإعلان عن نتائج الاستفتاء علي الدستور يوم 23 ديسمبر 2012، رفض النائب العام تقديم استقالته، وقال إنه تعرض للابتزاز من البعض.
وصدر عن مصدر قضائي رفيع المستوي بيان يوم 24 ديسمبر أكد فيه أن وزارة العدل أبلغت مجلس القضاء الأعلي أنها ترفض نظر طلب النائب العام، نظرًا لتعارضه مع المادتين 70، 119 من قانون السلطة القضائية الذي يحدد الأسباب التي يطلب فيها القاضي الاعتذار عن عدم الاستمرار في عمله. وقال البيان: إن الطلب الذي تقدم به النائب العام كان موجهًا لمجلس القضاء الأعلي بشأن الحصول علي درجته القضائية بمحكمة النقض مرة ثانية، وإن النائب العام لم يترك موقعه نائبًا لرئيس محكمة النقض منذ توليه منصب النائب العام بطريق 'الانتداب'.
كان موقف وزارة العدل مؤيدًا لبقاء النائب العام في منصبه، خاصة بعد أن أحال مجلس القضاء الأعلي طلب الاستقالة إلي وزير العدل، الذي قُدَّم له طلب آخر من النائب العام المعين يتضمن تراجعًا عن الاستقالة المقدمة.
صمم النائب العام 'المعين' علي موقفه، وألقي بالكرة في ملعب الجميع، غير عابئ بالاعتراضات وتعليق العمل والاستقالات المقدمة، فكان ذلك الموقف تحديًا للقضاة والشعب بأسره، وكان ذلك يتم بتحريض مباشر من الرئيس مرسي ومكتب الإرشاد الذين صمموا علي تحدي إرادة القضاة والتصميم علي استمرار النائب العام المعين في منصبه رغم مخالفة ذلك لقانون السلطة القضائية ولإرادة القضاة.
وفي نهاية مارس 2013 كان محمد مرسي يزور دولة جنوب افريقيا، وكانت المفاجأة هناك في تلقيه خبرًا صادمًا.. لقد أصدرت دائرة رجال القضاء بمحكمة استئناف القاهرة حكمًا تاريخيًا يتضمن إلغاء القرار الجمهوري رقم '386' الصادر بتعيين المستشار طلعت عبد الله نائبًا عامًا، واعتباره كأن لم يكن، وما يترتب عليه من آثار!!
ثار مرسي وغضب عندما سمع بحكم المحكمة، تساءل: إيه الحكاية؟ لقد ظن أن الأمر قد حُسم، لكنه فوجئ بصدور الحكم الصادم.
ترك الرئيس كل شيء، وراح يبحث الأمر مع مستشاريه، وطلب من أسعد الشيخة الذي يتولي منصب نائب رئيس ديوان رئيس الجمهورية إجراء الاتصالات مع مكتب الإرشاد لمعرفة كيفية التصدي لهذا الحكم.
لقد قضي الحكم الصادر من دائرة رجال القضاء بمحكمة استئناف القاهرة برئاسة المستشار ثناء خميس في 27 مارس 2013 بإلغاء القرار الجمهوري رقم '386' الصادر بتعيين 'المستشار طلعت إبراهيم عبد الله' في منصب النائب العام واعتباره كأن لم يكن، وما يترتب علي ذلك من آثار.
وقد جاء الحكم الذي أصدرته الدائرة بناء علي الدعوي المرفوعة من المستشار عبد المجيد محمود النائب العام 'المقال' والذي قضي بإلغاء قرار عزله من منصب النائب العام، لاستناد القرار إلي إعلان دستوري منعدم أصدره الرئيس محمد مرسي في 22 نوفمبر من عام 2012، كما طالب بإلغاء قرار تعيين المستشار طلعت عبد الله في منصب النائب العام.
لقد أشار المستشار عبد المجيد محمود في دعواه المرفوعة إلي أن قانون السلطة القضائية نص علي 'عدم قابلية عزل النائب العام إلا بتقديمه استقالته أو في حالة وفاته أو بلوغه السن القانونية للتقاعد'، وقال في دعواه 'إن القرار الجمهوري تغول علي السلطة القضائية، وأهدر مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية'.
وأشارت الدعوي إلي أنه تم تعيينه في 2 يوليو 2006 بموجب القانون، ثم أقيل من منصبه في نوفمبر 2012 بموجب القرار الجمهوري رقم 386 لسنة 2012 من خلال ما يسمي بالإعلان الدستوري الصادر عن رئيس الجمهورية، وهو إعلان اغتصب سلطة مجلس القضاء الأعلي في تعيين النائب العام، مما يتنافي مع القواعد العامة لرجال القضاء.
وقال المستشار عبد المجيد محمود في دعواه 'إن رئيس الجمهورية بعزله للنائب العام من منصبه يكون بذلك قد أقدم علي انتهاك صارخ للقواعد الدستورية المقررة في هذا الشأن'.
وقد التمس المستشار عبد المجيد محمود في دعواه قبول الطلب شكلًا، وفي الموضوع، بإلغاء قرار عزله وإعادته إلي العمل مجددًا.
في ضوء ذلك، واستنادًا إلي هذه الاعتبارات السابقة، صدر حكم دائرة رجال القضاء بمحكمة استئناف القاهرة بإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 386 بتعيين المستشار طلعت عبد الله بمنصب النائب العام واعتباره كأن لم يكن وما يترتب علي ذلك من آثار.
في هذا الوقت أصدر حزب الحرية والعدالة بيانًا أكد فيه أن الحكم الصادر بعودة المستشار عبد المجيد محمود إلي منصبه هو حكم ابتدائي، بينما قال المتحدث الرسمي للحزب مراد علي: 'نحن نحترم أحكام القضاء، ولا يسعنا إلا أن نؤكد القاعدة التي لا تحتمل الجدل، وهي أن الشعب هو مصدر السلطات، وأن لا كلمة تعلو فوق كلمة الشعب، وأن الشعب المصري أقر بغالبيته كما قال في دستوره الدائم أن منصب النائب العام بطبيعته محصن ولا يجوز عزله'.
في أبريل 3102، كان مكتب الإرشاد قد اتخذ قرارًا بعزل 0053 من كبار القضاة من خلال إصدار قانون يقضي بعزل كل من بلغ خمسة وستين عامًا من موقعه، لقد كشف عن ذلك بشكل واضح وصريح المرشد السابق للجماعة محمد مهدي عاكف.
ثار القضاة، وأدركوا أن المؤامرة تستهدف تقويض استقلاليتهم وفتح الطريق أمام عناصر إخوانية من المحامين أو طلاب كلية الحقوق لضمهم إلي ساحة القضاء، بهدف السيطرة والهيمنة.
عقد مجلس إدارة نادي القضاة برئاسة المستشار أحمد الزند العديد من الاجتماعات وأصدر البيانات التي تتحدي السلطة التنفيذية ومكتب إرشاد الجماعة، وقال المستشار الزند: لن نسمح أبدًا بتقويض سلطة القضاء، وتصفية رجاله لحسابات سياسية تهدف إلي 'أخونة القضاء'.
وظلت الحرب مشتعلة بين قضاة مصر وبين جماعة الإخوان، وكان النادي لا يتوقف عن المواجهة وحوله التف قضاة مصر من كل اتجاه.
وفي العشرين من يونيو عقد مؤتمر عالمي للدفاع عن قضاة مصر، شارك فيه رئيس الاتحاد الدولي، وترأسه المستشار أحمد الزند الذي أعلن تحديه لمحمد مرسي وجماعته، وطالب بضرورة التوقف عن التدخل في شئون القضاء والمحكمة الدستورية العليا.
وفي هذا الوقت قام إعلام الإخوان بشن حملة إعلامية معادية للمستشار الزند ونادي القضاة واتهموه بالاستعانة باتحادات قضائية أجنبية مما يعني تدخلًا سافرًا في الشئون المصرية فرد عليهم المستشار الزند بأن أحدًا لن يستطيع أن يزايد علي وطنية القضاء المصري وانه لن يتوقف عن نضاله محليًا ودوليًا إلا بإسقاط حكم جماعة الإخوان التي تسعي إلي تقويض القضاء والدولة علي السواء، وأن قضاة مصر سيبقون دومًا في مقدمة الصفوف.
وثار القضاة بكل قوة عندما تحدث محمد مرسي بكل صلافة في خطابه المشئوم يوم 62 يونيو 3102 والذي حاول فيه النيل من المستشار 'علي النمر' عضو اليمين بمحكمة جنايات القاهرة التي كانت تنظر قضية اتهام الفريق أحمد شفيق في أرض الطيارين.
لقد اتهمه مرسي بالتزوير دون سند أو دليل، حيث أدعي أنه رأي بأم عينيه عندما كان مرشحًا في انتخابات مجلس الشعب 5002، التي لم يفز منها.. هذا القاضي يقوم بنفسه بتزوير الانتخابات البرلمانية لصالح المرشح المنافس.
لقد أراد مرسي من وراء هذا الاتهام محاولة النيل من هيئة المحكمة وتحريض الرأي العام وممارسة الابتزاز ضدها لإرغامها علي إصدار حكم يدين الفريق أحمد شفيق.
وراح مرسي في خطابه يشكك في كافة أحكام القضاء التي صدرت بتبرئة العشرات من ضباط وأفراد الشرطة وراح يتهم القضاة بأبشع الكلمات والأوصاف.
ثار القضاة في هذا الوقت، وأعلن النادي عن تضامنه مع المستشار 'علي النمر' وثقته في عدالة الأحكام القضائية ورفضه لخطاب مرسي وتصديه لمحاولاته المكشوفة لتعمد الإساءة إلي القضاة وناديهم، غير أن مرسي كان يعد العدة لتصفية النادي بعد أن يمر يوم الثلاثين من يونيو بسلام.
انطلقت الثورة التي كان القضاة في مقدمة من اشعلوها، وفي الثاني من يوليو أصدرت محكمة النقض حكمها بتأييد عودة المستشار عبد المجيد محمود لمنصب النائب العام وعزل المستشار طلعت إبراهيم المعين بقرار من محمد مرسي.
في هذا اليوم التقينا في نادي القضاة، وكان المستشار أحمد الزند هو أكثر الحاضرين سعادة، حضر المحامون العامون بالنيابات العامة، كما حضر هؤلاء الرجال الشرفاء الذين رفضوا الاستمرار في عملهم بالنيابة العامة مع المستشار طلعت إبراهيم وعادوا إلي ساحة القضاء.
في هذا اليوم التقيت بالمستشار سعيد عبد المحسن المحامي العام لنيابات الإسكندرية والذي كان في مقدمة من عادوا إلي ساحة القضاء، لقد أبلغني أن المستشار عبد المجيد محمود سوف يأتي إلي مقر النادي بعد قليل.
وحضر المستشار عبد المجيد محمود والتقي المستشار الزند الذي كان قد أعد لمؤتمر صحفي عالمي، وعندما طالب رجال النيابة بأن يصطحبوا المستشار عبد المجيد محمود إلي مكتبه بدار القضاء العالي، رفض المستشار أحمد الزند، وقال: نحن رجال القانون والقضاء، لا يجوز لنا أن نقدم علي خطوة غير قانونية، انتظروا حتي نحضر الصيغة التنفيذية للحكم، وساعتها سوف يذهب المستشار عبد المجيد محمود إلي مكتبه معززًا مكرمًا.
وبالفعل بعد الحصول علي الصيغة التنفيذية، تم عزل المستشار طلعت إبراهيم وعاد المستشار عبد المجيد محمود إلي موقعه الشرعي في 31 يوليو 3102، ليسدل الستار بذلك علي أخطر مرحلة واجهت قضاء مصر العادل النزيه.
وبعدها بأيام قليلة قرر المستشار عبد المجيد محمود ومن تلقاء نفسه العودة إلي ساحة القضاء، وتولي من بعده المستشار هشام بركات.
كانت صفحات مضيئة ليس فقط في تاريخ القضاء المصري بل في تاريخ الوطن بأسره، استطاع القضاة فيها جنبًا إلي جنب أن يتقدموا الصفوف دفاعًا عن هوية الدولة وعن استقلالية القضاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.