فى «أرض النفاق»، الفيلم المصرى العبقرى ظهرت حدوتة «الشنكل»، والحدوتة لمن لا يعرفها كانت عبارة عن حوار دائر بين الرائعَين فؤاد المهندس وحسن مصطفى، الثانى يخبر مديره عن مجهوداته الجبارة فى رد عدة قروش إلى خزينة الشركة عبر إنشاء لجنة منبثقة عن لجنة، تحقق مع لجنة، واحدة ثلاثية وأخرى خاصة وأخرى لتقصى الحقائق من أجل تحديد مدى مسئولية المقاول عن تركيب «الشنكل» الخاص بالنوافذ، ليتضح فيما بعد أن سيادة الموظف العام أضاع من جهد الشركة والموظفين شهوراً وأفقد خزانة الشركة أموالاً بالمئات فى محاولة لرد عدة قروش. تلك العقلية لم تغِب عن مصالح الدولة ومؤسساتها ولا عن إعلامها ولا عن أحزابها السياسية وتياراتها المعارضة، الكل يعمل بطريقة «الشنكل»، الروتين القاتل والمميت لأى محاولة هدفها تنمية هذا الوطن أو إعادة بنائه من جديد. روتين التحرك، الظاهر فى تحركات بعض الوزراء وتصريحاتهم وكأنهم ينسخون بالكربون من كتالوج أزمنة فائتة، روتين القرارات الواضح فى ظهورها بشكل غير مفصل وواضح ليقطع الخط أمام أى شائعات، روتين التفكير المتجلى فى وسائل الإعلام التى تترك زيارة رئاسية مهمة لليابان وتنشغل وتشغل الناس بمعارك تافهة جانبية، روتين المعارضة الواضح فى طريقة تقديمها لنفسها بنفس الصورة القديمة كمجموعات خلقت لتعترض وتتكبر وتتعالى عن الاشتباك مع قضايا الشارع أو النزول للشارع والتأثير فى البسطاء، لعن الله روتينكم جميعاً. نخسر عقول مصر فى البحث العلمى ويهاجر مخترعون شباب بسبب روتين الحكومة وتأخر توقيع «مدام نعمات»، يهرب المستثمرون بسبب روتين الإجراءات ويضطر رئيس الجمهورية إلى أن يقول بنفسه يوم افتتاح مشروع الإسكان الاجتماعى: «اللى عاوز يخلص ورق مشروعاته واستثماراته ييجى وأنا هخلص» فى إشارة إلى بيروقراطية المصالح الحكومية وخوف بعض المسئولين وأيديهم المرتعشة التى لا تقوى على اتخاذ القرارات، تموت السياسة وتبقى الأحزاب كارتونية ويتم حصر محصلة المعارضين فى مصر فى مجموعة أغلبها يفقد البوصلة ويحول الأمر إلى ساحة لتصفية معارك شخصية، يموت طفل فى مدرسة بحلوان، وتظهر تقارير المستشفى لتؤكد وفاته بسبب الالتهاب السحائى بينما المدرسة ترفض حتى الاعتراف بتقارير المستشفى، وبدلاً من حل أزمة المرض نعيش فى أزمة مَن المسئول ولأى جهة تتبع هذه الكارثة، الفساد يأكل نصف موارد البلد بسبب روتين الإجراءات والقوانين. لا أحد يريد النظر ولو لمرة واحدة خارج الصندوق، آن الأوان أن يجتمع المصريون على حلم ومشروع قومى هدفه القضاء على «قتلة «التنمية الثلاثة: ختم النسر.. وورقة الدمغة.. وتوقيع مدام نعمات»، واللخبطة والعقم الكامن فى اللوائح والقوانين التى وضعت زمن الأبيض والأسود ولا تزال تحكمنا حتى الآن دون مراعاة لتغير ظروف زمن الأبيض والأسود عن زمن الألوان. سأخبرك بقضية واحدة تؤكد لك ما يجلبه علينا روتين التفكير الآن داخل البرلمان، اعتاد النواب منذ زمن سحيق على افتعال معارك حول قضايا يحبها الإعلام وتصدرهم أبطالاً فى نظر أهل النخبة، اليوم يخوض البرلمان عراكاً جانبياً حول منع النقاب، يفتح البرلمان قضية ستجلب جدلاً وانقساماً دينياً واجتماعياً وفقهياً فى مجتمع يطلب من الله الستر على وحدته، قضية يمكن تأجيلها أو حلها بفرض إرادة القانون الذى يقضى بالكشف عن الهوية فى أى مكان عام، ولكنهم لا يجيدون ترتيب أولوياتهم، يتركون الصحة والتعليم والتأمين الصحى وتشريعات الاستثمار ويجندون كل جهودهم فى معركة هم قبل العالم أجمع يعلمون أنها لن تنتهى بحل ولا بتشريع قادر على حل، ومع ذلك مستمرون لأن أحداً فيهم لا يضع مصر أولوية نصب عينيه.