شهدت الساعات الماضية ظهور مجموعة من الاعتراضات على نتيجة الفرز الأول التي أعلنتها لجنة الفرز والاختيار للمعرض العام للفنانين التشكيليين الدورة ال37، وساقها الفنانون والفنانات الذين تم استبعاد أعمالهم من المشاركة ، وفند أعضاء اللجنة معايير أختيار واستبعاد الأعمال المشاركة، كل من الدكتور شاكر عبدالحميد، وزير الثقافة الأسبق رئيس اللجنة، وعضوية كل من الفنانين عبدالغفار شديد، محفوظ صليب، مصطفى عبدالمعطي، إبراهيم الدسوقي، ياسر مُنجي، والقوميسير العام محمد طلعت، وصار الجدل حول معايير اختيار اللجنة والتى على أساسها تم القبول والرفض ، وفي هذا الخصوص وصلنا بيان من أعضاء لجنة الفرز والتحكيم عن معايير اختيارها وما هو الإطار العام لعملها، جاء نصه كالآتي : لا شك أن المعرض العام يكتسب خصوصيةً يُمليها ثقله النوعي ويفرضها تاريخه العامر بالزخم في ذاكرة الحركة التشكيلية المصرية، فضلاً عن سلسلة التحولات التي مر بها – لظروف متعددة – والتي أدت إلى معاناته خلال بضعة سنوات ماضية مِن مجموعة من السلبيات، التي تكررت الشكوى منها بين جموع الفنانين والنقاد مرّات يصعب حصرها، وتسببت في إثارة الجدل خلال عدة دورات، لدرجةٍ أصبحت تمثل ظاهرة قائمة بذاتها، بات معها الفنانون ينتظرون (أزمة المعرض العام) في كل دورةٍ جديدة. وقد كان هذا الفهم من أهم الأسس التي تَبَنَّتها لجنة الدورة الحالية لتحديد إطار عملها خلال مرحلتي الفرز – الفرز الضوئي لصور الأعمال والفرز الفعلي للأعمال نفسها – والتي انتهت المرحلة الأولى منهما بإعلان القائمة المبدئية لأسماء المقبولين في الفرز الأول، كما ارتبط هذا الفهم بمحاولة تحديد أهم النقاط الواجب أخذها في الاعتبار بخصوص هذه الدورة، بناءً على الأزمة المشار إليها، وبناءً على التاريخ المذكور لهذا المعرض الثري في تحولاته وهو ما كان قد سبق إعلانه وعرضه بشيء من التفصيل في استمارة المشاركة التي تم طرحها على كافة الفنانين، والتي من المفترض أن يكون الجميع قد قرأوها وألمّوا بفحواها، ووافقوا على مضمونها وشروطها، وهي الاستمارة التي نَصَّت كذلك على شكل آليات المعرض وطريقته بشكل معلن؛ والتي ستتألف أساساً من عرض تقليدي (يعتمد على الاستمارات التي يتم تحكيمها عن طريق اللجنة، بحيث تشكل قرابة 30٪ من أعمال المعرض)، وكذلك الأعمال الفنية المختارة من خلال دعوات موجهة لمجموعة من الفنانين المعاصرين المشهود لهم بالكفاءة والقيمة والتاريخ الحافل من الإنجازات – مع الأخذ في الاعتبار تنوع الأجيال والاتجاهات والأساليب والمجالات – إضافةً إلى عرض نوعي موازي لنخبة من فنانينا الرواد الراحلين ذوي البصمة التاريخية في تشكيل ذاكرة الفن المصري الحديث. ومن خلال ما سبق، يمكن إجمال الأساس الذي بُني عليه مفهوم هذه الدورة، من خلال استعراض وضع المعرض العام في بداياته، حينما كان لا يزال في مبتدأ أمره معرضاً طموحاً ومؤثراً، ويتبنى أُطروحات الفنانين بشكل دوري، ويؤدي لعملية مسح لتجارب الفنانين الفاعلين ذوي التجارب المتميزة في نسيج تلك الحركة، وهو ما يرتبط بالضرورة بعملية منهجية لا تقل أهميةً عن سوابقها؛ وهي تلك العملية التي تأتي تلقائياً في سياق العرض ذاته، والتي يتمكن خلالها رواد المعرض، على اختلاف شرائحهم، من إجراء المقارنات بين الأعمال المعروضة، على مستوى الأساليب والتقنيات والموضوعات، وغيرها من مكونات العمل الفني ومعايير إدراكه وتقييمه، وهو ما يؤدي بدوره إلى الوصول لدرجة أعلى من التقييم الشامل، تلك التي يضطلع بها النقاد والمؤرخون والباحثون، حين يستخلصون من هذه المقارنات والتأملات مسارات الحراك الفني في مصر وتحولاته والمستجدات الطارئة عليه، فضلاً عن التطورات الفردية الدورية، التي تطرأ على أعمال كل فنان على حدى، والتي يمكن من خلالها إدراك مدى تطوره الذاتي، ومن ثم رصد الثبات والتحول في تجارب الفنانين البارزين. إلا أن مجموعة من العوامل بدأت في إطفاء جذوة هذا الزخم المعرفي والتاريخي، وهي عوامل متعددة مختلفة الأسباب، بعضها نابع من طريقة إدارة الفنان ذاته لمشروعه الفني، وعدم اكتراث بعض الفنانين بتطوير التجربة نفسها، بقدر اهتمامه بالمشاركة كهدف في حد ذاته، باعتبارها طريقاً مضموناً لنيل فرصة الاقتناء من قبل الدولة، الأمر الذي أدى لعدم اهتمام البعض بطرح تجارب جديدة، بقدر الاهتمام بطرح ما هو متاح بالفعل، أو مكدس في المراسم لسنوات. بعض الأسباب الأخرى تنبع من أسلوب إدارة دورات المعرض ذاته، سواء من قِبَل المؤسسة أو من قِبَل بعض مَن اضطلعوا بمهمة (القوميسير) أو قَيِّم العرض، ولعل أهم هذه الأسباب التي ارتبطت بالناحية الإدارية هو ما يتعلق باختيار العارضين، وفق اعتبارات قد تخضع للشهرة أو المكانة أو المرحلة العمرية، دون النظر لطزاجة وقوة المنتَج الفني نفسه، وهو ما أدى مع الوقت إلى إفقاد المعرض نسبة كبيرة من روح التجديد والتطور، وإحاطته بهالة من الرتابة والثبات، فضلاً عن تكريسه في الأذهان كمعرض إجرائي لإتمام عملية الاقتناء الرسمية، أكثر من كونه حدثاً مقصوداً لذاته. من هذه السياقات المتشابكة لمفهوم الأزمة، محلياً وعربياً ودولياً، فقد حاولنا الاتفاق على بعض المفاهيم العامة والمعايير الإطارية، المطروحة على المستوى التنظيمي، سواء فيما يتعلق بالفرز والاختيار والمفاضَلة، أو فيما سيتعلق لاحقاً بالرؤية التنظيمية للعرض مِن وجهة نظر القوميسير واللجنة التنفيذية المساعدة له، والتي تتألف مِن عدد مِن الإداريين والفنانين الشباب ذوي الكفاءة. ويمكن تلخيص بعض المعايير الإجرائية التي استهدت بها اللجنة، لمحاولة ضبط أهداف الحدث وإشكالياته الفكرية والبصرية، وذلك على النحو التالي : معيار التنوع والاختلاف: وذلك من خلال عدم التركيز على أسلوب فني بعينه، أو الانحياز لاتجاه على حساب اتجاه آخر، وذلك انطلاقاً من الإدراك التام لتنوع المشهد الفني المصري المعاصر، واحتوائه على مختلف التيارات والوسائط والاتجاهات، وهو ما يجعل فكرة الانحياز الأسلوبي مرفوضة شكلاً ومضموناً. معيار القيمة والأصالة: وذلك بصرف النظر عن انتماء العمل لأسماء بعينها، وبصرف النظر عن حظ هذه الأسماء من الشهرة أو التجربة؛ فقد يكون الفنان صاحب تجربة طويلة لكنه لم يُحسِن اختيار العمل الذي يمثله أو يعبر عن قدراته الحقيقية، وبالتالي تكون قيمة العمل المعروض على اللجنة وجودته وأصالته – بمعنى تفرُّده وليس بمعنى فكرة الأصالة التراثية – هي الفيصل في قرار اللجنة، سواء بالقبول أو الرفض، وهو ما لا يمثل أي إساءة للفنان، طالما أنه ارتضى العرض على لجنة للتحكيم، وتقييم جودة عمله مِن وجهة نظرها، ووافق على ذلك بتوقيعه على شروط المشاركة الواردة بالاستمارة. تقييم العمل وفقاً لخصوصية اتجاهه ووسائطه: حيث لا يخفى – وفقاً للمعيار الأول – مدى اتساع الاتجاهات وتنوع والأساليب المعروضة على اللجنة، ما بين اتجاهات يغلب عليها الأكاديمية، أو اتجاهات يغلب عليها التجريب والمغامرة، أو اتجاهات تسير على بعض المفاهيم المعاصرة الرائجة حالياً على المستوى الدولي... الخ، وبالتالي كان من المهم بالنسبة للجنة – وهو في نفس الوقت تحدٍ كبير يتطلب توازناً وجهداً شاقاً – أن تأخذ في اعتبارها اتساع مادة العرض لكافة هذه الاتجاهات، على أن يكون ذلك مشروطاً بالمعيار السابق – معيار القيمة والأصالة – وفي الوقت نفسه أن تتم عملية الفرز والتحكيم وفقاً لشروط كل وسيط؛ فمن المعروف أن القيم الجمالية والمفاهيم الخاصة بمجال العمل المركب أو التجهيز في الفراغ – على سبيل المثال – تختلف عما مثيلاتها في مجال فن الفيديو، وهو ما يختلف بالتبعية عن مجالات الرسم والتصوير والنحت والخزف.. الخ، لذا كان انتباه اللجنة مُنصَبّاً طوال الوقت على أخذ هذا المعيار في الاعتبار عند تقييم كل مجال. معيار مطابقة الأعمال لشروط المشاركة: وهو معيار أساسي وجوهري، ولا يرتبط بالناحية التنظيمية فقط، بل يعكس مدى احترام كلٍ من الفنان واللجنة لشروط المشاركة المعلنة والمنصوص عليها بالاستمارة، حيث كانت اللجنة – على سبيل المثال - حريصة دائماً على التحقق من مساحات الأعمال وأحجامها (وفقاً للمكتوب بالاستمارة مِن قِبَل كل فنان)، وذلك للتأكد من كون العمل لم يخرج عن إطار الحدين الأدنى والأقصى للمقاسات المحددة لكل مشارك، وهو ما يحقق فكرة عدالة توزيع مسطحات العرض مِن جهة، ومِن جهة أخرى يضمن عدم إهدار مضمون العمل وجمالياته، فيما لو جاءت المساحة غير ملائمة؛ فمِن المعروف أن مِن أهم مهارات الفنان قدرته على انتقاء حدود المساحة البصرية الملائمة لفكرته وتقنياته، بحيث لا يؤدي الإفراط في عملقة العمل أو صغره إلى الإطاحة بهذه القيمة الأساسية. كانت هذه، بصفة عامة، أهم المعايير الإطارية التي حرصت اللجنة على استهدائها وأخذها في الاعتبار خلال عملها، وهو ما استفادت فيه كذلك مِن آلية مهمة لحسم الآراء، في الحالات التي كان الاتفاق فيها يتعذر من خلال النقاش حول بعض الأعمال؛ وهي آلية التصويت، التي كانت بمثابة العامل الحاسم في تقرير الرأي النهائي للكثير من الأعمال المختلَف عليها أو التي يتعقد النقاش بشأنها. وأختتمت اللجنة بيانها بأنها سوف تقوم بعملية الفرز الثاني والتي تختص برؤية العمل الفني على الطبيعة، ثم تُعلن بعده الأسماء النهائية المقبولة.