رغم اختلاف الزمان والمكان وطبيعة المجال الذي اختاروه للدخول فيه إلا أن الأدباء والكتاب والفنانين مثلهم مثل بقية البشر، تنتابهم حالات السعادة والحزن والحب والكراهية والخوف أيضاً، فرغم أضواء الشهرة التي تسلط حولهم، ومن ثم يعتبرهم الجمهور معصومين من الخطأ، إلا أننا نجد سمة "الخوف" تنتاب كثيراً منهم، فالبعض لديه وسواس النظافة ويخشى أن يقترب أحد من أدواته ومقتنياته، وأخر يخاف من الطيران، ومنهم أيضاً من يخاف من الحسد والحيوانات والبرد والمرتفعات. كان الكاتب الراحل أنيس منصور يخاف من إصابته بالبرد ويقال عنه أنه كان يرتدي ملابس الشتاء في شدة الحر، اما النجمة زينات صدقي فكانت تخاف أيضاً من الحسد وذات مرة ذهبت إلى أحد المشعوذين لكي يقوم بعمل حجاب لها حتى تعيش في سعادة، وبعدها اخذته وعلقته في شرفة منزلها، لكنها لم تهنأ بعدها فأخدت تفتح الحجاب لتجد ورقة مكتوب بها " تعيشي في هم وحزن"، فذهبت إلي الدجال وأعطته "علقة سخنة". أما الفنانة غادة عبد الرازق تخاف من الحسد فغالباً ما ترتدي الخرز الأزرق والأحجار الكريمة التي تحميها من عيون الحاسدين، ونجد أن الفنان أحمد السقا يخاف كثيراً من الحشرات، فعندما يرى حشرة بجانبه يشعر بالخوف الشديد عبد الوهاب وزينات صدقي.. وسواس نظافة كان الموسيقار محمد عبدالوهاب شديد الولع بالنظافة، وقد قالت ابنته في إحدي الحوارات، بأنه كان يعاني من "وسواس نظافة"، حيث كان يحرص علي التأكد من نظافة الفاكهة قبل أكلها، وأن الخادم قام بنقعها في برمنجنات البوتاسيوم للتخلص من أي سموم بها، كما كان يمكن أن يطرد الخادم اذا دخلت "ذبابة" المنزل لأنه يكره الحشرات الطائرة جدا ولا يسمح بدخولها المنزل. وأشارت أيضاً أن عبد الوهاب كان يخاف على نفسه كثيرا, وعاش حياته يتردد على الاطباء, مضيفة إلى أنه في حالة إصابة أحد أولاده بالبرد لا يدخل أحد للمنزل، حتى يشفى تماما وبالتالي لا تنتقل لهم العدوى. كما كان للكاتب أنيس منصور مواقف مع موسيقار الأجيال، كشف فيها عن سر هوس "عبد الوهاب" بالنظافة، فقال: "أنه كان يغسل الصابون قبل استعماله، وكنا نلاحظ ذلك، فهو يغسل يديه قبل الأكل وبعد الأكل وإذا كان في نيته أن يأكل وإذا كان في نيته ألا يأكل وكان يضع منديلا على أنفه، حتى لا يشم رائحة كريهة يتوهم مصدرها من أي إنسان قريب منه". وأشار منصور لموقف أخر لعبد الوهاب أنه فى يوم كنا في طريقنا إلى الغداء عند الأستاذ يوسف وهبي فقيل لعبد الوهاب: مع الأسف الماء مقطوع، فانزعج وطلب من السائق أن يعود به إلى البيت، مع أن الحل بسيط وهو أن نأتي له بالماء من أي مكان أو أن يذهب إلى جار ليوسف وهبي ويغسل يديه وسوف يكون مصدر سعادة لهذا الجار. وكان توفيق الحكيم يداعبه قائلا: "سوف تتعذب كثيراً يا عبد الوهاب، فجهنم ليس فيها ماء لغسيل اليدين، والناس في الجنة ليسوا في حاجة إلى غسل أيديهم وأرجلهم". وقد وصفه أحد النقاد الانجليز بأنه مثل طائر الراقون، المشهور بأنه يغسل طعامه، ويجلس إلى جواره حتى يجف ويتناوله في منتهى العناية، وقد فسر عبد الوهاب هذا الهوس ب "الدقة" فهو حريص جدا على فنه وحريص جدا على أن يكون في أكمل صورة، فكان حريصاً وحارساً على فنه. أما نجمة الضحك زينات صدقي الملقبة ب" عانس السينما المصرية" فقد اشتهرت أيضاً بأنها "وسواس نظافة" فقد كان لا يجرؤ أحد من أبناء شقيقتها "عزة وطارق"- رغم حبها لهما - أن يقتربا من أدوات أكلها الخاصة، ولا يقترب منها إلا خادمين فقط كان لهما الحق في لمس هذه الأدوات هما "عثمان" السوداني الذي كان يعمل لديها بالمنزل، و"فلتس" الذي كان يعمل لديها بالمسرح. كما كانت أيضاً تغسل يديها عشرات المرات كل يوم، والخضراوات قبل طهيها عدة مرات، وكذلك الفاكهة، لذا فان اصحاب البيوت كانوا يكرهون سكنها بسبب كثرة استهلاك المياه، وبسبب وسوستها قال عنها نجيب الريحاني انها كانت تغسل الماء قبل أن تشربه، "محفوظ" و"حسين" و" البشري" .. أعداء الطيران نجد هنا أن أشهر الكُتاب والمثقفين كانوا يعانون من الخوف وخاصة من ركوب الطائرة، فكان أديب نوبل "نجيب محفوظ" يخاف من الطيران خوفاً شديداً حتى أنه لم يسافر إلى السويد لتسلم جائزة نوبل للآداب، بعد حصوله عليها بسبب الخوف من ركوب الطائرات، واكتفى بإرسال ابنتيه لتسلمها نيابة عنه. كما كان عميد الأدب العربي "طه حسين " يخشي الطيران فلم يركب طائرة قط طوال حياته، وعند سفره إلى أوربا كان على متن السفن، وعندما دُعى إلى مؤتمر العلماء العرب فى بيروت اعتذر عن عدم السفر بالطائرة وبرر اعتذاره بعدم رغبته فى قطع الطريق مُعلقاً بين السماء والأرض. نجد أيضاً أن الكاتب "عبد العزيز البشري" شيخ الساخرين كان من ضمن مجموعة الكتاب الذين يخشون ركوب الطائرة، فوقع في هذا الرعب عندما تقرر سفره من القاهرة إلى الاسكندرية، فاستولى عليه الخوف وتعذر عليه النوم فقام وكتب ساخراً "صدقني يا سيدي إذا أكدت لك أن العلم كله يضيق بشأني، وأن ماركوني، والمرحوم إديسون، والعالم آينشتاين، وإضرابهم من فحول العلماء والمستكشفين، لأعجز جميعا من أن يهتدوا إلى تطيير هذا الكاتب! ألا فليبذلوا الجهد في ما هو أجدى، كإحالة الحصى ذهبا، والهواء حطبا، وإطالة العمر إن استطاعوا ومدافعة الموت إن أطاقوا، الاصطلاء بالثلج، والابتراد بالنار، والمشي على اديم الطيف واستخراج القر من وقدة الصيف". وكان البشري يتخيل كيف ستسقط الطائرة وماذا سيفعل إن سقطت فقرر عند ذلك التدرب على السقوط بإسقاط نفسه من السرير إلى الأرض 1500 مرة، على اعتبار أن الطائرة ستكون على ارتفاع 1500 مرة بقدر ارتفاع سريره عن الأرض. ولكنه يتذكر أن شركة الطيران لا تقبل التقسيط، والسقوط عندها يكون دفعة واحدة.