منذ بدايات صناعة السينما شغل وضع المرأة المصرية العديد من المثقفين وخصوصا اللذين اختلطوا بالمجتمعات الغربية في شبابهم ولمسوا الفارق الشاسع بين حياة المرأة الغربية والمرأة العربية , فكتبوا وانتجوا واخرجوا اعمالا تنادي بتحرير المرأه وتغيير النظرة السطحية التي ينظر بها المجتمع للمرأه فأنتجت العديد من الافلام التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بمشاكل المرأة المصرية علي الرغم من ان عادات المجتمع المصري في تلك الفترة كانت عادات شديدة الصرامة بالنسبة لعمل المرأه او تعليمه فبدأت قوي كثيرة تنادي بحقوق المرأة وضرورة تحريرها من الشرنقة الذي ينسجها المجتمع حولها وبضرورة مشاركتها الحياة مع الرجل، وأخذت قضية تحرير المرأة تسير كقضية موازية لقضية تحرير الوطن , وبدا الانتاج الادبي والفني في هذا الاطار يذدهر. وصورة المرأة في السينما المصرية علي مر العصور تكمن في التغيير الذي طرأ علي مضمون العمل نفسه وتوجهاته، السينما فن يرتيط ويتأثر بتغيير المجتمع،في بداية ظهور صناعة السينما كانت اغلب الموضوعات التي تتعرض لها الافلام فيما يخص المرأه المصرية تستمد من البيئة المحيطة فكانت الشخصيات النسائية اما فلاحة او بدوية او بنات الطبقة المتوسطة ،فيلم زينب انتاج عام 1930 بطولة بهيجة حافظ تلعب فيه دور فتاة قروية يفرق اهلها بينها وبين حبيبها ويزوجوها من ثري رغماً عنها، و فيلم وداد الذي انتج عام 1936 والذي قامت ببطولته ام كلثوم ، تجسد فيه دور جارية تقع في حب سيدها ، التي تضحي بحبها وتبيع نفسها لتسديد ديون حبيبها،وفيلم "سلاَّمة" التي تؤدي فيه ام كلثوم ايضا شخصية جارية. تميزت فترة الخمسينات و الستينات بفتح افق اوسع لمناقشة وضع المرأة في مصر ، كانت قضية التعليم وعمل المرأه والانفتاح علي الغرب وحصول المرأه علي قدر من الحرية هو الشغل الشاغل لصناع السينما ,انتجت افلام مثل بنات اليوم 1956، أنا حرة 1959، الحرام 1965، وغيرها من الأفلام التي ناقشت مشاكل المرأة علي نطاق اوسع ، في فيلم الاستاذة فاطمة انتاج عام 1950 عرضت مأساة المرأة المتعلمة والصعوبات التي تحول بينها وبين حصولها علي حقها الطبيعي في ايجاد فرصة عمل مناسبة لها في ظل الحرب الذكورية ضدها علي انها مجرد انثي مكان عملها الطبيعي هو البيت , ثم بدا بعد ذلك تطور التناول الفني للمرأه من خلال استغلال الروايات الادبية التي كانت معظمها في الستينات تتنبي مفهوم الواقعية ،في أفلام مثل دعاء الكروان انتاج عام 1959 تتناول قضية شرف المرأه وعرض صورة مزدوجة للمرأة من خلال شخصية الشقيقتان والتحول الذي اصابهما مع توالي الاحداث وسقوط الاخت الكبري كان نتيجة طبيعية للإنفتاح المفاجيء علي بيئة اوسع وارقي وانضج من بيئتها فالانتقال من عفوية التفكير في شخصية الابنة الصغري الي حالة التمسك بالانتقام والثأر لم يكن متعارف عليها في المجتمعات المصرية فالثأر دائماً كان من نصيب الرجال والضحية دائماً كانت الأنثي. هذه الشخصيات النسائية كانت أشبه بمفاتيح مضيئة تجذب سير الاحداث اليها واحيانا تتحكم فيها كما رأينا في اعمالاً مثل القاهرة 30 انتاج عام 1966 , وفيلم بداية ونهاية انتاج عام 1961 وزقاق المدق انتاج عام 1963 و فيلم اللص والكلاب انتاج عام 1962 وغيرها من الافلام التي فجرت قضية "المرأة البغي" في المجتمع المصري بشكل واضح،بل كانت تلك الشخصة محرك اساسي للأحداث عكست خبايا رجال السلطة وفساد الحكام والوضع المتدني الذي يعيش فيه قطاع كبير من المصريين والدوافع التي تؤدي احيانا الي انحرافات اخلاقية ودينية. تغيرت الرؤية السينمائية للمرأه حيث قدمت نساء جيل الثمانينيات من القرن الماضي اكثر نضوجاً وأكثر قوة وأكثر تأثيراً في المجتمع عنه في الحقبه الماضية التي حصرت دور المرأه فقط كونها أداة للمتعة عند الرجال , فالمرأة أصبحت جنبا الي جنب مع الرجل , فهي الام والزوجة والموظفة وربة المنزل التي تقود كل شيء , والامثلة كثيرة جدا في تاريخ السينما المصرية التي قدمت صور متنوعة وعديدة للمرأة العصرية الحديثة , صورة الام العصرية المتفتحة نجدها في عمل مثل امبراطورية ميم والام المكافحة التي تقف في وجه الظروف بصلابة نجدها في فيلم مثل غريب في بيتي , كما قدمت السينما في هذه الفترة وما قبلها بعض من النماذج التي لم تكن متناوله من قبل علي شاشة السينما مثل قضية الزواج السري بين الشباب كما طرحت في أعمال عديدة قضايا الاغتصاب والخطف والبطالة, جميعها مشاكل تطورت معها مواضيع الافلام ولكنها في مجملها تحمل مشكلة اساسية وهي نظرة المجتمع المتغير علي مر العصور للأنثي. ولا شك ان عدد من نجمات السينما شكلن نقله نوعية في ايرادات شباك التذاكر بأعمالهن علي مدار سنوات طويلة، مثل سلسلة أفلام نادية الجندي التي دائماً كانت تميل لتجسيد مواصفات المرأه الشرسة القوية، وافلام نبيلة عبيد التي تنوعت شخصياتها بين الراقصة والبنت الفقيرة والسيدة والأم والفتاة الجميلة ، في فترة الثمناينات نشهد ايضا صعود المخرجة ايناس الدغيدي وهي واحدة من المخرجات القلائل الاتي عملن في مهنة الاخراج في السينما المصرية والتي واصلت تقديم افلام كانت دائما الاكثر جدلاً بين النقاد. الدور المجتمعي الذي تلعبه السينما في اثارة الوعي عند الجمهور لا يمكن اغفاله، السينما قدمت العديد من النماذج الحقيقية الموجودة في مجتمعنا كما قدمت ايضا المشاكل المزمنة التي ترتبط بحياة المرأة ، فيلم مثل أريد حلا الذي قدمه السيدة فاتن حمامة عام 1975 يعتبر نقطة فاصلة وعامل محفز في تغيير القوانيين المنظمة لعلاقة الرجل بالمرأه.