عقب أحداث المنصة التى سقط فيها عدد غير قليل من الضحايا وقبل فض اعتصام رابعة اتصل بى هاتفيا الدكتور محمد البلتاجى أنا وعدد من السياسيين وبعض الرموز الثورية وطلب منا الوقوف مع الحق والشرعية ( جانب الاخوان ) وقال لى إن ما حدث هو انقلاب ومؤامرة ولا بد أن تعود الشرعية مهما كان الثمن وأن كل صاحب ضمير ووطنية لا بد أن يكون فى ميدان رابعة من أجل الثورة دار بيننا نقاش طويل قلت له فيه : ان الاخوان لا يناضلون من أجل الثورة بل خذلوا الثورة مرات ومرات واستخدموا الثوار عند حاجتهم ثم أداروا لهم ظهرهم بحثا عن مصالح التنظيم ، وكل ما فعله الاخوان داخل البرلمان أو عقب تولى رئاسة الجمهورية لا علاقة له بتمكين الثورة وانما كان تمكينا للاخوان ، ونزول الناس فى 30 يونيو كان بسبب أداء الاخوان وفشلهم فى طمأنة المجتمع قلت له من المستحيل أن أكون معكم لأطالب بعودة الرئيس المعزول مرسى وقد شاركت فى اسقاطه بمشاركتى فى مظاهرات 30 يونيو ، واننى أختلف مع السلطة الحالية وطريقة أداءها وممارساتها وأشعر بالخطر على الثورة لكن لا يعنى هذا أن أكون معكم لأنكم مهما قلتم أنكم مع الثورة وان ما تفعلونه من أجل الثورة لن أستطيع أن أصدقكم ولن يصدقكم أحد مما رأوه منكم حذرته من تحويل الصراع الى صراع صفرى وفتح باب الدم بلا ثمن أخبرته أن البيوت قد انقسمت وأن الشعب صار ممزقا وكل طرف يرى الأخر عدوا يستحق القتل وأن كل نقطة دم تسيل ستتبعها دماء أخرى ولا بد من حقن الدماء التى تثير نار الغضب والرغبة فى الثأر قلت له اذا اعترفتم بالأمر الواقع وبفشلكم وتخليتم عن فكرة عودة مرسى وقمتم باصلاح الأخطاء وعملتم من أجل الوطن و الثورة وأهدافها وليس لأجل تنظيم الاخوان سنكون كلنا حينها فى نفس المعسكر الذى يبغى مصلحة الوطن وإنجاح الثورة لكننا الأن لن نلتقى أبدا لأنكم ترون التنظيم أولا ونحن نرى الوطن أولا ! لم يعجبه كلامى وانفعل بشدة قائلا : اذن انتم تتركوننا نموت وتسيل دماءنا قلت له تصعيدكم الأن هو ما سيدخلنا فى مزيد من الدماء وكل الدماء تحرقنا وتبكينا لأنها دماء مصريين تسيل بسبب صراع على سلطة قال لى : اذا رفضتم أن تكونوا معنا فكونوا أصحاب ضمير وأدينوا القتل والقمع ، قلت له : إننى لا أبنى مواقفى على معرفتى بأشخاص أو مدى قربى أو بعدى عنهم أنا أبنى موقفى تبعا لما أؤمن به من قيم ومعايير أخلاقية تحكم نظرتى للأمور وسأدين قمعك و قتلك وأرفضه طالما كنت مظلوما ولم تخالف القانون سواء كنت اخوان أو غير اخوان فالمبادىء لا تتجزأ انتهت المكالمة اثر انفعاله وهو يقول لى : سنصمد ونثبت وسيأتينا نصر الله مهما كان الثمن الذى سندفعه ومهما تخلى عنا الجميع لن نرضى بالهوان ولن نسلم للظلمة وأعداء الثورة كان هذا أهم ما دار بيننا فى هذه المكالمة العاصفة وتذكرته هذه الأيام وأنا أرى ما تمر به مصر من احتقان بالغ ومؤشرات خطيرة لبدايات اقتتال أهلى رأينا لقطات منه فى المنصورة وبعض المحافظات ومازال السؤال الذى يشغل بالى : ألا يرى الاخوان حتى الأن – على الأقل شرعيا - المفسدة العظمى التى وقعت فيها مصر بسبب طريقة ادارتهم للأزمة من قبل فض اعتصام رابعة وبعده ومن قبل 30 يونيو ؟ هل كان لزاما علينا أن نرى أنهار الدم حتى تنشأ الملاحم وتخرس نار الثأر نور العقول ؟ قبل أن يسرع الأشاوس ويقولون كعادتهم أنتم تلومون الضحية أقول بالطبع لا يستطيع منصف تبرئة السلطة من مسئوليتها وما أدت اليه ممارساتها الغير محسوبة والتى ابتعدت عن الحكمة بجوار ممارسات الاخوان والتى ساعدت فى الوصول للحظة الراهنة ولكل منهما نصيب من الإثم لكن الحقيقة التى لا بد أن يقر بها الاخوان أنهم حافظوا على تنظيمهم بصناعة المحنة بالمسار الذى قرروه لأنفسهم – من قبل فض اعتصام رابعة - لكنهم ساعدوا على تفكيك المجتمع ودخول المصريين فى حالة هستيريا جماعية تنبض بالكراهية وشاركهم فى هذا أجنحة بالسلطة جاءت ممارسات الاخوان على هواهم ليتمكنوا من البطش بالجميع واختطاف الديموقراطية فى اتجاه بائس يهدف لاغتيالها هذه الكلمات ليس هدفها توجيه اللوم لأحد فقد تجاوزنا مرحلة التلاوم لكن هدفها هو التذكير أننا كلما أهدرنا فرصة لحل المشكلة فانها تتعقد أكثر والصراعات الصفرية تدمر الشعوب وتقتل أبناءها كل من تابع ما أعقب تفجير المنصورة من أحداث يتأكد أن ما يحدث الأن هو مشاهد من بدايات الاقتتال الأهلى الذى سيتصاعد ويطالنا جميعا ويحرق قلوبنا على أبناءنا وجيراننا وقد يفجع قلوب أخرين فينا الدم لا يعرف محطة يتوقف عندها بل يستمر فى مساره حتى يفيق العقلاء فى كل مجتمع ويعيدون العقل والاتزان لهذا المجتمع ، ليس هدف هذه الكلمات الترويج لمصالحة سياسية انتهى زمنها بل دق جرس الانذار أننا نسير فى اتجاه اللاعودة والكل فيه خاسر ولا منتصر سوى أعداء هذا الوطن ومن يتربصون به قد يأتى اليوم الذى يبحث فيه كل واحد منا عن سلاح يحمى به نفسه وأسرته لأن فى حالات الفوضى لا تستطيع الدولة حماية أحد بل لا تستطيع حماية نفسها وكل المطبلين الأن والمهووسين الذين يدقون طبول الحرب ( خاصة النخب القاهرية ونشطاء الانترنت والاعلاميين الموتورين الذين طالب بعضهم بتشكيل فرق للموت والاغتيالات ) سيخرسون أو يهربون من مصر خوفا على حياتهم بعد أن أشعلوا النار وتركوا المصريين يلاقون مصيرا أسود يحترق قلبى وتضيق نفسى وأنا أشعر بالعجز الذى يشعر به كثيرون وهم يرون من يؤجج النار التى ستحرق الجميع ولا يستطيعون ايقافهم ولا منعهم نحن لا نحرق حاضرنا فقط بل نحرق مستقبل أبناءنا الذين سيخرجون للحياة وهم يحملون بداخلهم كراهية وعنفا ضد المختلف معهم وكل طرف سيرى الأخر قد قتل أباه أو ابنه أو أخيه ولا بد من الانتقام منه ، دائرة الانتقام لا تنتهى وتؤذن بانهيار أى مجتمع ينجر اليها أعداد القتلى تبدأ ببضعة أشخاص يتحولون الى عشرات ثم مئات ثم ألاف وربما ملايين والتاريخ حولنا ينبئنا ونحن لا نتعظ ولا نريد أن نتعلم وننقذ ما يمكن انقاذه هذه ليست كلمات متشائمة بل قراءة لواقع قريب لن نخرج منه إلا إذا وهب الله لهذا الوطن أصحاب ضمير وعقل يخرجوننا من هذه التيه لمن يسأل عن الحل ، أرى أن الحل تلخصه ثلاث كلمات : القانون والعدل والحرية من هذه الكلمات نستطيع تصفير الصراع والبدء من جديد على أساس سليم ينهى الضغائن ويحاسب المخالف ولا يصنع أعداءا جدد وارهابا جديدا ينفجر فى وجوهنا أما غير ذلك فنحن ندور حول أنفسنا لنظل نفقد كل يوم دماءا جديدا ونشعل نارا لن نستطيع إطفاءها ليس لها من دون الله كاشفة