لا جديد تحت شمس مصر الحارة، معاناةٌ تتكرر، ومأساةٌ تتطور .. لم تجر تحت جسر "المحروسة" منذ ثورة يناير مياه كثيرة لا لشيء سوى أن الجسر -ببساطة- تهدم فسقط على رؤوس البسطاء. "هيئة السكك الحديدية" أو إن شئت الدقة فلتسميها "غرفة إعدام الغلابة" .. عادت من جديد لتحصد أرواح قرابة ال 30 مواطنًا بمزلقان دهشور بمحافظة الجيزة في حادث وقع فجر اليوم . منذ عام مضى، قيلت العبارات نفسها في حادث آخر مشابهه وإن كان أكثر كآبة .. نوفمبر 2012 سقط 50 طفلا شهيدًا ضحية إهمال جسيم في حادث قطار أسيوط الشهير، واليوم يعاود الضحايا السقوط لتتوالى حوادث القطارات حتى أصبحت واقعًا مألوفًا في حياة المصريين كشروق الشمس وغروبها. تاريخ المقصلة الأسود التسلسل الزمن لحوادث القطارات يبدأ في 13 فبراير 1992 حيث لقي 43 شخصاً مصرعهم في اصطدام قطارين قرب محطة البدرشين ، وفي 12 ديسمبر 1993 قتل 18 شخصاً وأصيب 85 آخرين عندما اصطدم قطار ركاب بقطار للشحن شمالي القاهرة، وفي 27 مارس 1994 أصيب 75 شخصاً عندما اصطدم قطاران بمحافظة الدقهلية. عام 1995 شهد وحده ثلاث حوادث بشعة، الأولى كانت في 25 فبراير حيث قتل 75 راكبا وأصيب المئات في تصادم قطار بمؤخرة قطار آخر، وفي 15 أبريل اصطدم قطار بحافلة مزدحمة بعمال النسيج عند تقاطع قرب بلدة قويسنا مما أسفر عن مقتل 49 شخصاً، وقبل أن يضع العام التعيس أوزاره وقع حادث مؤسف في 21 ديسمبر قتل فيه 75 شخصاً وأصيب 76 عندما اصطدم قطار بخلفية قطار آخر قرب البدرشين. عام 1997 كان أقل حظاً من عام 95 حيث لم يشهد سوى حادثتين "فقط"، الأول كانت في شهر فبراير حيث قتل 15 علي الأقل وأصيب عشرة عندما اصطدم قطار بضائع بقطار للركاب قرب بلدة ادفو بمحافظة أسوان، والثاني كان في شهر مارس قتل فيه سبعة أشخاص وأصيب اثنان عندما دهسهم قطار أثناء عبورهم السكة الحديدية بالقاهرة. عام 1998 قتل 43 شخصاً وأصيب 90 آخرون عندما تعطلت فرامل قطار عند بلدة كفر الدوارجنوب شرقي الإسكندرية ليقتحم سوقاً مزدحمة، وفي 13 نوفمبر 1999 قتل عشرة أشخاص وأصيب سبعة عندما دهس قطار مجموعة من العمال اثناء تقديمهم المساعدة في حادث سيارة قرب تقاطع في محافظة القليوبية، وفي 15 سبتمبر من عام 2000 اصطدم قطار بحافلة صغيرة عند تقاطع بجنوبيالقاهرة مما أسفر عن مقتل تسعة واصابة اثنين. عام 2002 تشابه إلى حد كبير مع أخيه الأقدم "عام 1997" حيث وقع فيه ثلاث حوادث، كانت الأولى - والأبشع والتي تعد الأكبر في تاريخ سكك حديد في مصر- في فبراير (داخل 7 عربات لقطار الصعيد أحترق الركاب أحياءً وقد كانوا في طريقهم لقضاء العيد وسط عائلاتهم .. حدث ذلك بالقرب من قرية كفر عمار بالعياط بمحافظة الجيزة) عندما اندلع حريق في القطار المزدحم بالركاب، وفي 21 فبراير وقع حادث آخر حيث اصطدم قطار بسيارتين أسفر عن مقل اثنين وإصابة 9 أشخاص، وفي صباح الجمعة 8 مارس استيقظ المصريون من جديد على حادث آخر، حيث خرج قطار قادم من الوجه البحري إلى الجيزة عن القضبان، وانفصلت إحدى عرباته وسقطت في نهر النيل؛ مما أسفر عن إصابة 31 شخصًا .. رغم أن العناية السماوية أنقذت ركاب القطار من الموت غرقًا. الحوادث الثلاثية للعام الواحد لم تذهب بعيدا عن عام 2006، ففي فبراير، اصطدم قطاران في الاسكندرية مما أدى إلى إصابة نحو 20 شخصا. وفي الشرقية اصطدم قطار شحن بآخر بإحدى محطات قرية الشهت مما أدى إلى إصابة 45 شخصاً، وفي شهر أغسطس اصطدم قطاران أحدهما قادم من المنصورة متجها إلى القاهرة والآخر قادم من بنها على نفس الاتجاه مما أدى إلى وقوع تصادم عنيف بين القطارين، واختلفت الاحصاءات حول عدد القتلى فقد ذكر مصدر أمني أن عدد القتلى بلغ 80 قتيلا وأكثر من 163 مصابا بينما ذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط أن 51 شخصاً لقوا حتفهم، في حين ذكرت قناة "الجزيرة" الفضائية أن عدد القتلى بلغ 65 قتيلاً. في شهر يوليو 2007 اصطدام قطاران شمال مدينة القاهرة وراح ضحيته 58 شخصا كما جرح أكثر من 140 آخرين، وفي أكتوبر عام 2009 وبمنطقة العياط على طريق القاهرة - أسيوط تصادم قطاران مما أدى إلى مقتل 30 شخص وإصابة آخرين، حيث تعطل القطار الأول وجاء الثاني ليصطدم به من الخلف وهو متوقف مما أدى لانقلاب أربع عربات من القطار الأول. الببلاوي يتذكر شهداء الأمس ويتنكر لشهداء اليوم لا يغيب على أي متابع الحرب الشعواء التي شُنت على الرئيس المعزول محمد مرسي عقب حادث أسيوط، والدعاوى التي خرجت تطالب باستقالته أو إقالته أو عزله. وإذا كان الإعلام قد أكد في حينها مرارًا وتكرارًا أن المسئولية تقع على عاتق مرسي وجماعة الإخوان فإنه من البديهي أن يكون الموقف الإعلامي هو ذاته من حادث اليوم .. إلا أن المتابع لوسائل الإعلام المصرية حتى صباح اليوم يجد أن هناك حالة تجاهل غريب للحادث وسط إحياء لذكرى شهداء آخرين .. هي ذكرى "محمد محمود" . في صباح اليوم الباكر الدامي .. توجه الدكتور حازم الببلاوي رئيس مجلس الوزراء إلى ميدان التحرير لافتتاح النصب التذكاري لشهداء الثورة مع قرب حلول الذكرى السنوية الثانية لشهداء محمد محمود. الرجل تجاهل الدماء المتناثرة وألقى بنفسه وسط أمواج الصخب الإعلامي ظنًا بأنها قد ترفعه، ولا بأس إن اتخذ الإجراءات الاعتيادية كالتعويض المادي والتعهد بتطوير المنظومة وإقالة مسئول من هنا ومسئول من هناك حتى تهدأ العاصفة و"يا دار ما دخلك شر" . يبدو أن منظومة السكك الحديدية في مصر تحتاج إلى إعادة هيكلة كاملة، وإلى إعادة ضخ الدماء في هذا الجسد المترهل، السكك الحديدية التي تعتبر وسيلة المواصلات الأولى بين محافظات مصر تشهد حالة من الانفلات والإهمال والتراخي في الحفاظ على في أرواح الملايين من المواطنين وهو ما يستدعي القيام بثورة على هذا القطاع الذي يدر المليارات على الدولة وبالرغم من ذلك يعاني من فقر التخطيط والإدارة.. لكن الثورة القادمة لن تبقي أي فاسد أو متراخي مهما كان منصبه .