* نرمين دعت ل«السلمية» فأصبحت «بلطجية».. وجريح بالصدفة تقله الإسعاف إلى «السجن» * الشرطة تورطت فى ضبط متهمين «على ما تُفرج» لإرضاء الإخوان «متهمون على تثبت براءتهم».. يبدو أن هذا هو الشعار الذى رفعته قوات الشرطة عند القبض على عدد من الشباب فى محيط قصر الاتحادية، وهو ما يشير إلى عودة ظاهرة تقفيل المحاضر بتلفيق التهم لأى شخص هروبا من المسئولية الحقيقية من جانب، وإرضاء لجماعة «الإخوان المسلمون»- حكومة ورئيسا- من جانب آخر، خصوصا بعد الضغوط التى تمارس على أجهزة الأمن وأجهزة التحقيق، بضرورة القبض على متهمين دون النظر إلى حيثية تورطهم فى الأحداث.. فى السطور التالية ترصد «الصباح» على لسان عدد من المتهمين فى أحداث الاتحادية ظروف وملابسات القبض عليهم.. والكثير من المفاجآت.. نرمين دعت ل«السلمية» فأصبحت بلطجية الناشطة السياسية نرمين حسين فتحى عبدالعزيز، تبلغ من العمر 28 سنة، حاصلة على دبلوم تجارة، وتقيم بحى المعادى، وهى أدمن صفحة «بس يا سيدى وقومنا عاملين ثورة ». ريهام شقيقة نرمين تقول، إن نرمين ظلت طوال عمرها تطالب بالحرية والكرامة فهى ثائرة منذ الصغر، وشاركت بفاعلية فى ثورة 25 يناير، وحتى الآن لم تمل أو تتوقف عن ممارسة نشاطها السياسى، وقامت باختيار الرئيس مرسى ظنا منها أنه الأفضل لقيادة البلاد فى تلك المرحلة، لكنها لم تكن تتخيل يوما أن من اختارته ليكون قائدا لمصر الثورة سيصدر أوامره بالقبض عليها. وتضيف ريهام: شقيقتى نرمين كانت تحرص دائما على النزول كل يوم جمعة للتظاهر السلمى أمام قصر الاتحادية، وكانت الأمور تسير بشكل عادى، إلى أن تم القبض عليها فى الحادية عشرة مساء، مع 7 أشخاص آخرين كانوا موجودين معها، دون أن يعرف أحد سبب القبض عليها، ثم حرروا محضرا لها بتهمة إثارة الشغب وممارسة أعمال عنف وبلطجة، رغم أنها دائما كانت تحث من معها على عدم استخدام العنف، وتنادى بالتظاهر السلمى، وتؤكد أنها كانت تواجه معارضة شديدة من أهلها عندما تقرر النزول إلى المظاهرات، بسبب ما يحدث من حالات قتل وسحل وغيرها إلا أنها كانت فى النهاية تقنعهم بأنها وزملاؤها يعبرون عن رأيهم بطريقة سلمية. ضحية الجماعة نرمين حسين تقول، رغم كل ما حدث معى داخل سجن طرة من ضرب بالحذاء ورش بالمياه وإهانتى بأقذر الألفاظ الخارجة من قبل عساكر الأمن المركزى واتهامى فى عرضى، لكن حين كتب لى الله الخروج أكملت المشوار ومازلت أسير على نفس نهجى فى المطالبة بالحق، فنحن لم نقم بالثورة ليأتى لنا نظام أسوأ من النظام السابق، وتضيف نرمين: لقد تم القبض على مساء واصطحبونى إلى الحجز مباشرة وحرروا محضرا لفقوا لى فيه تهما لا أعلم عنها شيئا رغم تأكيدى بأننى كنت أدعو للسلمية، فما حدث معى تم تدبيره منذ فترة، فضباط الأمن يعلمون أننى أدمن لإحدى الصفحات التى تهاجم الإخوان، وحين خروجى من الحجز ظللت أهتف «ثوار أحرار هانكمل المشوار»، وكنت أصطحب فى يدى الطفل أحمد جابر. عادل عصام راشد ظل يبكى داخل القفص بمحكمة مصر الجديدة ويقول: «أول ما دخلت سجن طرة، قالوا لى تعالى خذ التشريفة فدخلت حجرة صغيرة وظل الجنود يعتدون علىّ ويضربوننى بالهراوات ويركلوننى بأقدامهم، ويسبوننى بأبشع الألفاظ»، وذكر من داخل القفص الحديدى أن الأمور أصبحت الآن أقذر من السابق، فلقد تم إلقاء القبض عليه دون سبب يذكر وأخذوه من أمام أحد المحلات الشهيرة بمصر الجديدة، وتم تجريده من ملابسه وسحله داخل الحجز، مؤكدا: لم أكن أتخيل أن الداخلية فى السابق كانت كذلك. عبدالمنعم على أمين يقول: «لم أكن أعلم أن دراستى سوف تصل بى إلى تلك الحال، حيث بعد أن تم إلقاء القبض علىّ تم ضربى وسحلى، وفى تحقيق النيابة ذكرت سبب وجودى فى تلك المنطقة، ورغم ذلك لم يتم الإفراج عنى حتى الآن». ويضيف: «حينما ذهبت إلى سجن طرة وارتديت الزى الخاص بالسجناء، أخذونى إلى حجرة صغيرة ثم جردونى من ملابسى وظلوا يضربوننى على ظهرى وسبى بأبشع الألفاظ، وألقوا المياه على جسدى وحينها شعرت أنها ماء نار وليست مياها عادية، وسمعت وأنا داخل الحجز بشخص يقول إن هذه أوامر الجماعة ولازم تتنفذ إحنا مش قد غضبهم». الطريق إلى السجن جمعة محمد رمضان، 19 سنة، فشل فى إيجاد فرصة عمل له بمحافظته «البحيرة» فجاء للقاهرة بحثا عن عمل يستطيع من خلاله الإنفاق على أسرته وتدبير احتياجاته، ونجح فى الحصول على عمل بأحد الجراجات فى شارع الميرغنى بالقرب من قصر الاتحادية، لكنه لم يكن يتخيل أنه سيكون من بين المعتقلين. السيد محمد والد جمعة، يقول إنه كان يعمل فى الجراج ليلا، ويشاهد بعينه ما يحدث أمام القصر من بعيد، دون أن يشارك فى تلك المظاهرات، ولم تكن له علاقة بما يحدث، ولم يتحدث يوما فى السياسة، فكل همه العمل على توفير الأموال للإنفاق على أسرته. ويضيف: ابنى كان يوم الجمعة الماضى فى الجراج الذى يعمل به وكان يقوم بغسل سيارة أحد ضباط القوات المسلحة، الذى يقطن بالعمارة التى يقع فيها الجراج، وكان ذلك فى تمام الساعة الرابعة فجرا، وجاءت قوة من الأمن المركزى وألقت القبض عليه دون أى أسباب تذكر، وتم اقتياده إلى القسم دون أن يعرف سبب القبض عليه. ضابط القوات المسلحة المقيم بالعقار الذى يعمل به جمعة يؤكد أنه رأى ما فعله جنود الأمن المركزى أثناء القبض عليه جمعة دون أى ذنب، وكأن المطلوب إلقاء القبض على عدد معين من الشباب حتى وإن لم يرتكبوا شيئا. قبضة الأمن المركزى عادل عصام راشد السيد، يبلغ من العمر 32 سنة، متزوج منذ 3 أشهر، ومقيم بسراى القبة يعمل مندوب مبيعات فى شركة كمياويات وحاصل على دبلوم سياحة وفنادق، كان يحلم باليوم الذى يجمعه مع زوجته فى مكان واحد، وإنجاب طفلة، فظل يكد ويجتهد حتى، أنه كان يعمل أكثر من 14ساعة متواصلة يوميا من أجل توفير حياة كريمة لأسرته الصغيرة. أحمد شقيقه يقول: عادل ذهب يوم الجمعة الماضى، حاملا ساعتى إلى أحد الأماكن الخاصة، بتصليح الساعات بمحيط الاتحادية، وأثناء خروجه من ذلك المكان قام جنود الأمن المركزى بإلقاء القنابل المسيلة للدموع فذهب مسرعا ليبتعد آثار الغاز، واستقر بأحد العقارات الكائنة بشارع الميرغنى إلى أن تنقشع الأدخنة، فشاهده جنود الأمن المركزى وألقوا القبض عليه، وتم توجيه تهمة إثارة الشغب إليه ثم اقتادوه إلى سجن مزرعة طرة دون أن نعرف ما الجريمة التى ارتكبها. اللى يخاف من العفريت شريف عادل محمد يبلغ من العمر 24 سنة، مقيم بشارع هارون الرشيد، اكتفى بحصوله على الإعدادية ثم عمل مع عمه فى فراشة العزاء والأفراح، كى يساعد أسرته فى تحمل أعباء الحياة دون أن يشتكى يوما أو يمل، فوالده على المعاش ووالدته ربة منزل، ترك تعليمه لضيق ذات اليد حتى يستطيع الإنفاق على أسرته. خال شريف يقول، إنه ذهب يوم الجمعة إلى شارع الأهرام بجانب محيط قصر الاتحادية حتى يأخد فراشة العزاء، وكان ينتابه الخوف الشديد بسبب ما يحدث فى محيط القصر، إضافة إلى أن بن عمه استشهد فى موقعة الجمل، وكان يخاف من أن يلقى نفس المصير، فكان يقترب من منطقة الحدث بحرص شديد، وبينما يمارس عمله وهو واقف على المصعد الخشبى قام جنود الأمن المركزى بركل المصعد بقوة فسقط شريف على الأرض وتم إلقاء القبض عليه واقتادوه داخل إحدى سيارات الشرطة، دون أن يعرف ما ذنبه أو ماذا فعل، ولفقوا له نفس التهم التى وجهوها لغيره من الضحايا. ذهب ولم يعد سيد هانى حسن محمد، يبلغ من العمر 17 سنة، مقيم بحى الدرب الأحمر، يعمل ويدرس فى آن واحد حتى يساعد والده وأمه ويجهز شقيقته للزواج. تقول شقيقة سيد: دائما ما كنت أرى فيه الأب الروحى، وكان يحرم نفسه من كل متع الدينا حتى يقوم بتجهيزى، تكمل: يوم الجمعة ذهب إلى مصر الجديدة، وقبل أن يذهب قلت له «ماتروحش هناك علشان فيه قلق، وأنا خايفة عليك، «فقال لى» وعريسك يقول علينا إيه؟ مش عارفين نجهزك.. «خليها على الله» فخرج ولم يعد ولم يكن يتصور أن يتم إلقاء القبض عليه، بعدما خرج مع صديقه واستقلا الدراجة النارية، وذهبا إلى منزل بجوار محيط قصر الاتحادية لتصليح عطل بأحد التليفزيونات وشراء بعض الأشياء، وحينما اقتربا من قصر الاتحادية شاهدهما جنود الأمن المركزى واعتقدوا أنهما من المتظاهرين، فأسرعوا خلفهما وظلوا يضربونهما بقوة حتى سقطا على الأرض، وتم اصطحابهما إلى قسم مصر الجديدة بتهمة إحداث الشغب وغيرها من التهم الملفقة. تقول والدة صديقه حمادة: ابنى حاصل على بكالوريوس تجارة، ولم يحالفه الحظ حتى الآن فى إيجاد عمل، ولكنه عمل مع صديقه سيد ليدبر احتياجاته، ودائما ما كان ينادى بالحرية والنضال واستكمال مشوار الشهداء، وكنت أضع يدى على قلبى حين يتحدث معى عن الشهداء أو ذهابه مع الثوار، وفى هذا اليوم كان قلبى مقبوضا لدرجة أنى أصررت على عدم نزوله، لكن حين طلبه سيد قال لى «هنروح شغل وهانبعد عن القلق» فنزل ووعدنى بعدم الاقتراب من أماكن المظاهرات، لكنه سقط فى قبضة الشرطة حينما كان يمر بالقرب من الاتحادية. دراسته أدخلته السجن عبدالمنعم على أمين يبلغ من العمر 21 سنة، حصل على بكالوريوس سياسة واقتصاد من جامعة القاهرة، مقيم بحى الهرم، كان مهتما بدراسته وهذا جعله مهتما بالأوضاع السياسية فى البلاد. فى السنة الأخيرة كان مشروع تخرجه عن الأحداث السياسية فى مصر، فذهب إلى محيط الاتحادية يوم الجمعة كى يشاهد بعينه ما يحدث عند القصر ويدون ما يحدث خلال المظاهرة، وبينما كان يقوم بعمله أطلقت قوات الأمن المركزى قنابل الغاز المسيلة للدموع فذهب بعيدا عن الغاز وكان بجانبه العديد من الثوار يفرون من طلقات الجنود الطائشة، لكن الخوف تملك قلبه وسيطر عليه، حتى سقط وتجمع حوله جنود الأمن المركزى، وأخذوه ووضعوه فى سيارة الشرطة واقتادوه إلى قسم شرطة مصر الجديدة وقاموا بعمل محضر وتوجيه تهمة حيازة سلاح بدون ترخيص ومقاومة السلطات له فتميز عن غيره فى تلفيق التهم. سيارة الإسعاف خالد طارق محمد على، يبلغ من العمر 26 سنة، ارتبط بخطيبته منذ شهرين، مقيم بحى الزيتون، دائما ما كان يتواصل مع «نرمين حسين» كى يستكملا مسيرة الشهداء ويحققا الحرية للجميع، وما لم يقدر أى شخص على تحقيقه، وكان ينادى بالسلمية ويرى أن أعمال التخريب والعنف ضد مبادئ الثورة التى أبهرت العالم. شقيقة خالد قالت، إنه ذهب مع نرمين واستمد قوته منها دون أن يخشى الخوف أو الموت وظل يهتف أمام قصر الاتحادية بإسقاط النظام وفى نفس الوقت نادى بالسلمية والابتعاد عن أبواب قصر الاتحادية، ووقتها تم إلقاء القنابل المسيلة للدموع، فظل يجرى ويبحث عن نرمين، ومن كثرة استنشاقه الغاز سقط على الأرض وأخذته سيارة الإسعاف إلى المستشفى، وحينما استيقظ طلب جنود الأمن المركزى من الطبيب أخذ خالد معهم، فتم اصطحابه إلى السجن، دون أن يعرف أن دخوله سيارة الإسعاف جريمة لابد أن يعاقب عليها. لماذا تسير ليلا فى الشارع؟ وليد محمد عبدالرازق يبلغ من العمر 22 سنة، مقيم بحى الدرب الأحمر، بكالوريوس إعلام جامعة القاهرة، أحد أعضاء الصفحة الخاصة بنرمين حسين على «فيس بوك»، وهى صفحة «بس يا سيدى وقومنا عاملين ثورة» يؤمن دوما بأهمية العمل السياسى وكان ضمن المشاركين فى الثورة. تقول والدته إنه كان مع أحد أصدقائه فى شارع السودان، فتركهم وظل فى طريقه إلى المنزل، وكانت الساعة الثالثة فجرا، وبينما يسير فى طريقه أخذه جنود الأمن المركزى إلى قسم مصر الجديدة؛ لينضم إلى باقى الضحايا، وظل هناك لا يصدق ما حدث معه، وكأن السير فى الشوارع ليلا أصبح جريمة يعاقب عليها القانون، وفى اليوم التالى تم ترحيله إلى النيابة بعد عمل محضر له، وتوجيه تهمة حيازة سلاح دون ترخيص، وبعدها تم ترحيله إلى سجن طرة، وأصبح من متهمى الاتحادية رغم وجوده فى شارع السودان. ضحايا فى الطريق أحمد محمد جابر أحد أطفال الشوارع يبلغ من العمر 15 سنة، كان نائما فى الشارع ليلا، وقبض عليه فى الرابعة فجرا وتم تلفيق نفس التهم له. عاطف فتحى متولى يبلغ من العمر 54 سنة، كان يتناول الطعام بمطعم فى روكسى وتم إلقاء القبض عليه وهو على أبواب المطعم ليلا؛ وكذلك محمد عبدالعال كان يتناول كوب نسكافيه فى مطعم بميدان روكسى وحين خروجه تم القبض عليه. مشهد يتكرر كل يوم المحامى خالد على، قال ل«الصباح» إنه حضر عن المتهمين لأنهم من الثوار الشرفاء وجاءوا إلى قصر الاتحادية للتظاهر السلمى، فهم مجموعة من خيرة شباب مصر وكلهم على قدر كبير من الوعى والثقافة ويحملون أعلى الشهادات فى مجالاتهم. المحامون رامى غانم وتامر براز وعلاءالدين جلال منضمون إلى هيئة الدفاع عن المتظاهرين مصر، أكدوا أن هذا المشهد اعتدنا عليه كل يوم، فقد اعتاد النظام الحالى على تكميم أفواه معارضيهم، وإقصائهم من الحياة تماما، إما بإلقاء القبض عليهم أو باغتيالهم، ومعظم هؤلاء الشباب لا يملكون من الدنيا شيئا غير حب الوطن.