كم للبرية من شخص أتى نفعاً كجميل شجرٍ ظلالُ الخير تلقيها، تفضي إلي الناس من ثمراتها علمٌ و كم للطير من عشٍ بنا فيها، فإذا بريح بأسم الموت ينزعها و الخير يحيى برغم الموت يحييها. بكلمات الرثاء هذه يتذكرونه، معتلياً خشبة المسرح يذكرونه. هذا هو حسين محمود، أسطورة مسرحية خالدة في عيون عاشقيه من فناني مسرح جامعة القاهرة، أسطورة عاش ببساطة ورحل في هدوء. رفض المجد والشهرة مفضلاً مجد المحبة في قلوب أبنائه من الالاف ممن سرى في عروقهم عشقه المسرحي؛ ليتشاركو فصيلة دم مسرحية واحدة ورثوها من أب روحي سجلوا اسمه في شهادة ميلادهم الفنية كوالد وأخ كبير وأستاذ، قبل أن يرحل عن دنياهم تاركًا الألم والحزن لكل محبيه. حسين محمود البسيط بإنسانيته والمعقد بأعماله المسرحية، حفر برؤيته الإخراجية نفقاً فنياً جديداً، يعبر بخيالات الإبداع والموهبة لعالم التجسيد الواقعي على خشبة المسرح، بادئاً مشواره الفني الحافل في صفوف الممثلين بفريق المسرح بكلية التجارة جامعة القاهرة، متسلقًا بعشقه درجات الخشبة ليجلس على دكة المخرجين الكبار ليصبح مخرج الكلية الأول، ويذيع صيته في جميع الكليات الأخرى بعد أن حصدت مسرحياته الناجحة جوائز المهرجانات الجامعية. أسس بموهبته مدرسة مسرحية خاصة متميزة بأسلوبه الإخراجي المختلف، ليولد على يديه أجيال من الفنانين الشبان ممن شربوا من نهر إبداعه المسرحي، منهم من أوجد مكانه في الساحة الفنية الحالية أمثال النجوم الشباب محمد فراج ومحمد شاهين وحسام داغر ويحيي محمود وغيرهم من فناني الأندرجرواند، ليحفروا هم بالتبعية دلتا فنية فرعية ناقلين عبرها روافد مدرسته إلى أجيال أخرى. وخلال رحلته الفنية الحافلة من ملحمة السراب وسكة السلامة إلى باب الفتوح وإنت حر ومسرحية طقوس الإشارات والتحولات ومسرحية سور الصين العظيم خلّد الراحل المبدع حسين محمود أعماله المسرحية في ذاكرة مسارح الجامعة، كان آخرها مسرحية "هاملت" التي تميزت برؤيتها الإخراجية المختلفة والكوميدية والثائرة بمناسبة الثورات العربية، فثارت بفكرتها على كلاسيكية هذا النص المشهور لشكسبير لتحصل على جائزة أفضل عرض مسرحي وأفضل مخرج بمهرجان الشباب لعام 2011، والتي نظراً لنجاحها وصداها الكبيرين تم اختيارها لتمثيل مصر في مهرجان قرطاج المسرحي بتونس في يناير 2012 . لتضيف هاملت لرصيد جوائزها وتكريماتها لقباً أغلى وأعلى قيمة معنوياً وفنياً وتاريخياً ، بحملها وبكل اقتدار لقب خاتمة أعمال حسين محمود المسرحية. هذا المخرج الكبير الذي دخل في صراع طويل مع مرض لم يمنعه من مزاولة عشقه الإخراجي، وفضّل أن يشارك أبناءه بمسرح الجامعة آخر لحظاته الدنيوية، إلا أن القدر في النهاية كانت له الكلمة الفاصلة، تاركاً خلفه إرثاً لا ينضب من المحبة والإلهام في نفوس مريديه من شباب المسرح المصري بشكل عام والمسرح الجامعي بشكل خاص ممن نهلوا من نهر إبداعه. فناني الجامعة من الفرق المسرحية المختلفة الذين سعوا جاهدين ليحمل مهرجان مسرح جامعة القاهرة اسمه الغالي، ليكون بمثابة عربون شكر إن كان بقيمته بسيطاً فبمعناه كبيراً، ليخلد اسم حسين محمود في عنوان المهرجان المسرحي لجامعة القاهرة.