ارتبط اسم الدكتور سعد الدين إبراهيم، مدير مركز ابن خلدون للدارسات، بإثارة الجدل دائمًا، خاصة تصريحاته عن التطبيع مع تل أبيب، وزياراته المتكررة لإسرائيل، والتى تسببت فى هجوم عنيف من الرأى العام عليه، والذى اعتبره البعض خيانة، وكان أشهر تلك المواقف عندما قرر الإعلامى تامر أمين طرد «إبراهيم» من إحدى حلقاته المذاعة على الهواء، بسبب استقباله للسفير الإسرائيلى فى بيته. «الصباح» أجرت حوارًا مع «إبراهيم»، قبل أيام قليلة من سفره إلى تل أبيب، للحديث عن هذه الزيارة ومواقفه المثيرة للجدل.. وإلى الحوار. * زيارتك لإسرائيل أثارت جدلًا واسعًا فى الشارع المصرى؟ لماذا قمت بها؟ * وجهت لى دعوة من جامعة تل أبيب بإسرائيل، لإلقاء محاضرة عن ثورات الربيع العربى وللاحتفال بمرور 100عام على ثورة 1919، والأغرب من ذلك أنه لا توجد مؤسسة فى مصر دعت للاحتفال بتلك الثورة، حتى حزب الوفد نفسه لم يقم بذلك، فالمؤرخون الإسرائيليون ومن بينهم شيمون شامير، وهو مؤرخ ودكتور فى التاريخ المصرى المعاصر بجامعة تل أبيب، إضافة إلى عمله سفيرًا لبلاده فى مصر والأردن، فهو عاشق لمصر وثقافتها وللمعمار المصرى، وكان زميلى فى كاليفورنيا، لذلك دعانى إلى هناك وكنت سعيدًا بتلك الزيارة فهم يهتمون بتلك الثورة، ويعتبرونها أعظم ثورة فى التاريخ الحديث، فأنا سعيد بزيارتى لإسرائيل ولن أتراجع عن موقفى الدائم فى زيارة إسرائيل ولقاء أكاديميين إسرائيليين، والبلاغات التى تقدم ضدى لن تغير موقفى، فالزيارات لا تعنى التطبيع كما يروج لها البعض ولقاءات الإسرائيليين لها أهداف علمية فى ضوء تخصصى وخبراتى، وتبادل الزيارات مؤشر على الديمقراطية، وكل شخص حر فى أى لقاء يعقده مع إسرائيليين أو حتى مع الإخوان. * كنت فى السجن مع «مرسى وبديع والشاطر».. ولكن عندما اعتلوا المناصب لم يعرفوننى * كيف رأى الشباب زيارتك إلى تل أبيب؟ - رأوا الزيارة على أنها نوعًا من أنواع التطبيع، ومن هنا بدأوا فى الهتاف ضدى، فرحت كثيرًا لاعتراضهم داخل القاعة، خاصة أنهم فلسطينيون وقدمت لهم التحية بالتصفيق لرؤيتى فيهم الإصرار العربى لرفضهم أفعال الاحتلال الإسرائيلى ضد القضية الفلسطينية، وتبنيهم الشديد لنظرة التطبيع العربى الإسرائيلى التى تعمل عليها تل أبيب منذ فترة طويلة، عن طريق استقطاب شخصيات عربية ومصرية فى شتى المجالات للتعويل عليها، فمع العلم أنهم يدرسون فى جامعة تل أبيب، إلا أنهم عبروا عن رأيهم بكل الوسائل دون المساس بهم حتى قالوا ما بداخلهم، وهذه هى الحرية التى يفتقدها الشعب المصرى، ولكن الشىء الذى أغضبنى هو عدم سماعهم محاضرتى، وكنت أتمنى أن تسود روح النقاش والحوار. * وماذا عن رؤيتك حول التطبيع؟ - من عليه أن يطبع فليطبع، ومن لا يريد فهى حرية شخصية، وهذا هو مفهوم الحريات ومن حق الجميع أن يرى أن الأراضى الفلسطينية جميعها لفلسطين، ولا يحق لليهود أن يكونوا هنا فهذا حق مشروع للجميع، وأرى كذلك أن ما يحدث داخل فلسطين احتلال وتوجد دولة استيطانية، ولكن علينا أن نفرق بين الحق والاستحقاق، فقد لا يكون لليهود الوافدين الحق ولكن فى خلال ال100 سنة من بدء الحركة الصهيونية جاءوا وبنوا مجتمعًا حديثًا، وهذا يؤكد أن الإسرائيليين أرادوا أن يعيشوا مع الفلسطينيين، ولكن الشعب الفلسطينى والعربى رفض ذلك. * كيف ترى القضية الفلسطينية؟ - لا يستطيع حل هذه القضية إلا أصحابها، وأى أطراف أخرى إقليمية أو دولية ما هى إلا عوامل مساعدة فقط، فالانقسام الداخلى للفلسطينيين سواء جغرافى والمتمثل فى قطاع غزة والضفة، والأيديولوجى القائم بين فتح وحماس مكن الخصم الإسرائيلى من فعل ما يشاء، خاصة فى حالة الضعف والتشتت التى تعم أرجاء فلسطين والأمل الوحيد يكمن حاليًا فى سواعد النساء والفتيات الفلسطينيات مثل عهد التميمى التى صفعت الجندى الإسرائيلى أثناء مقاومتها الاحتلال، مما دفع العالم بأكمله للتحدث عن شجاعتها، وهذا فى حد ذاته مقاومة إلى أن يشاء القدر ويظهر قائد عظيم يقود الشعب الفلسطينى إلى وضع جديد. * وما تقييمك للموقف المصرى من المصالحة بين فتح وحماس؟ - أنا مع المصالحات فى كل البلاد، وهذا واضح من خلال المبادرة القائم عليها للمصالحة بين الدولة والإخوان، وأرى أن مصر مهيأة لهذا الدور الذى تلعبه داخل القضية الفلسطينية. * كيف ترى صفقة القرن؟ - صفقة القرن ما هى إلا مبادرة من صهر الرئيس الأمريكى ترامب، بعد أن أعلن رغبته فى المساهمة كمستشار للرئيس الأمريكى فى دفع عملية السلام وفى المصالحة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويتيح للفلسطينيين أن يكونوا دولة أساسها فى غزة وجزء من سيناء محازى للحدود المصرية الإسرائيلية، لتكوين شريط يربط بين غزة وبين الضفة الغربية، ووجود كيان فلسطينى متصل جغرافيًا إلا أنها تقابل معوقات أهمها معارضة مصر فى اقتطاع أى شبر من أرضها، ومعارضة حماس لمشاركة فتح وفصائل فلسطينية أخرى، كونها تريد أن تكون المتحدث الوحيد عن الجانب الفلسطينى، فهى عقبات من الممكن التغلب عليها بعد دعم السعودية برعاية الأمير محمد بن سلمان بجانب الأردن، وبالتالى فاحتمالات نجاحها قائمة، ففى خلال عام أو اثنين على الكثير ستجد هذه الصفقة طريقها إلى التنفيذ. * ما السبب الحقيقى حول منعك من دخول لبنان؟ - لا أعلم ما إذا كان لحزب الله دور فى ذلك أم لا، ولكن زيارتى لإسرائيل السبب المعلن لرفض السلطات اللبنانية دخول أراضيها، وذلك لأن لديها قانون يمنع التعامل مع الكيان الصهيونى فى الأراضى المحتلة، وأن من يزور إسرائيل أو يتعامل معها لا يحق له دخول الأراضى اللبنانية نهائيًا، فقد كان لدينا قانون مماثل قبل زيارة الرئيس الراحل محمد أنور السادات لتل أبيب، ولكل دولة الحق فى سن القوانين المنظمة لأمورها الداخلية، والخطأ كان خطأى لأننى لم أنتبه إلى ذلك، وذهبت بحسن نية. * ما مصير المصالحة مع الإخوان؟ - الرسول تصالح مع قريش رغم كل ما فعلوه به، ونيلسون مانديلا بعد 27 سنة أعلن المصالحة فى جنوب أفريقيا، فمن نحن كى نرفض المصالحة، فالمصالحة مع الإخوان لا تزال مستمرة إلى أن يتم تحقيقها باعتبارها تهدف إلى إنهاء الأزمة التى تعصف بالبلاد منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسى فى 3 يوليو 2013، وأنها تساعد على تحقيق السلام المجتمعى مع الجميع وليس مع الإخوان فقط، فعودة جماعة الإخوان المسلمين إلى وضعها الطبيعى يعود بالحياة السياسية إلى حياتها المعهودة، ويبث الحركة فى المشهد السياسى فى ظل حالة الركود الحالية، مع عدم وجود أى جماعات شبابية لها دور سياسى وشعبى فعال داخل المجتمع المصرى، وكل من يرفض المصالحة أو يحاول إرهاب طارحى الفكرة والقائمين عليها بتخوينهم تارة أو بتعريضهم للإساءة اللفظية والمعنوية تارة أخرى، جاهل ولا يعلم مصلحة البلاد. * هل ترى أن اختفاء الإخوان أثر بالسلب على المعارضة رغم أخطائهم التى تعانى منها مصر حتى الآن؟ - الإخوان المسلمون هم صلب المعارضة المصرية الحقيقية، وللأسف جزء من المسئولية التى تقع على كاهلهم، فالإخوان ظلوا ينتظرون 70 عامًا وحين أتتهم الفرصة أساءوا استخدامها. * حدثنا عن علاقتك بالإخوان؟ - الإخوان قريبون منى للغاية إذ كان مقرهم على بعد 200 متر من مقر مركز بن خلدون، وكنا ندعوهم كثيرًا إلى هذا المكان حينما كانت السلطة تقمعهم، وعندما كان ينبذهم المجتمع كنا نرحب بهم، ولكن عندما اعتلوا مناصب الدولة وصعدوا على الساحة لم يدعونى ولو لمرة واحدة لمشاركتهم الرأى، وهذا يدل على أنهم لا يحسنون التصرف فى بعض الأمور، فعندما كنت فى السجن كنت أرى كثيرًا منهم وعلى رأسهم محمد مرسى والمرشد محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر، وكنا أصدقاء ولكن عندما اعتلوا المناصب لم يعرفوننى، ومع ذلك أنا ضد إقصائهم.