أخبار وآراء وتحليلات وفتاوى، وصور وفيديوهات مجهولة المصدر، تمطر علينا كالسيل كل يوم من نافذة جديدة إضافتها التكنولوجيا الحديثة، كنا نظن أنها نعمة، لكنها مع الأسف تحولت إلى فوضى عارمة ومرتع لكل من هب ودب على رأى أمثال أجدادنا، وهى «السوشيال ميديا» بكل برامجها التى لا رقيب عليها. ورغم أن الغرب استخدم التكنولوجيا بقدر عالٍ من الثقافة والعلم، إلا أننا فشلنا فى التعامل معها، حيث أصبحت أغلب وسائل التواصل الاجتماعى بيئة خصبة للشائعات مجهولة المصدر، والتى تنتشر بسرعة النار فى الهشيم؛ دون وعى أو دراية، أو التركيز على مصدرها أو التأكد من صحتها من عدمه، لنتحول إلى آلة مغيبة العقل والتفكير؛ لا نعى ما ننشر أو نردد. وها هى «السوشيال ميديا» انتصرت لتصبح أقوى وسيلة للابتزاز أو الضغط سواء الحكومى أو المجتمعى، دون رقيب أو حسيب فى مصر، ولا أريد أن يؤخذ كلامى بمحمل الخطأ، فأنا لست ضد الحريات، ولكن مع وجود رقابة حكيمة ورشيدة لمثل هذه البرامج، التى تثير اهتمام الفئة الأخطر عمرًا، وهم الشباب الذين يدفعهم الحماس والعنفوان أحيانًا للسير فى اتجاهات عديدة، فهم القادرون على خدمة وطنهم أو تدميره، كما فعلوا فى ثورة 25 يناير، عندما أشعلوا شرارتها الأولى فى الشوارع والميادين. ومع الأسف نقرأ كل يوم ملايين الأخبار، ونشاهد عددًا لا حصر له من الصور والفيديوهات، والتى أحيانًا ما تكون غير صحيحة ومفبركة ومجهولة المصدر، أو موجهة ومسيسة لصالح فئة معينة، ويستخدمها البعض لأهداف بعينها مستغلين الجهل وقلة الوعى والدراية، وفى مثال صارخ على ما أقول؛ انتشرت الأسبوع الماضى فوضى شديدة وهجوم، أو «هرى» بلغة السوشيال ميديا، بسبب قرار لوزيرة الصحة الجديدة د. هالة زايد، بإذاعة النشيد الوطنى فى كل المستشفيات بأنحاء الجمهورية، وذلك لغرس روح الانتماء وتعزيز مبادئ الوطنية. لكن الوزيرة المسكينة لم تكن تعلم أنها ستصبح أضحوكة السوشيال ميديا، وتنهال عليها سخرية الملايين من مستخدمى برامج التواصل الاجتماعى، والذين سارعوا بعمل الفيديوهات الفكاهية والكوميكس وتركيب الصور الساخرة، منتقدين هذا التصريح بشدة، وناقمين على تصريحاتها، للدرجة التى دفعت البعض لاتهامها ب«التطبيل»، بدلًا من علاج حالة التردى والسقوط المدوى بالقطاع الصحى فى مصر. وبدلًا من أن تتراجع الوزيرة عن قرارها، بعد حالة الهرج والمرج والسخط التى حاصرت تصريحاتها، والاستفزاز الشديد الذى شعر به الشارع المصرى، خرجت علينا مرة أخرى ومعها المتحدث الرسمى باسم الوزارة، لتؤكد إصرارها على عدم التراجع عن القرار، فى تعنت واضح وتجاهل تام لردود أفعال المصريين. أما عن الأخبار غير الدقيقة، فحدث ولا حرج، فهناك آلاف الحالات بل الملايين مما يتناقل دون وعى أو دراية، حيث أصبحت «السوشيال» لا ترحم أحدًا، فقد تتهم بريئًا أو تبرئ المتهم، مثلما حدث أيضًا خلال نفس الأسبوع، فى قضية الرشوة المثيرة للتساؤل والجدل، والمتهم فيها رئيس مصلحة الجمارك، وغيرها وغيرها، بل أصبحت وسائل التواصل سبوبة يتعلمها البعض، بل ويمتهنها فى كل البرامج والصحف والشركات، فهى أداة قوية لا يمكن الاستهانة بها، ولكن لابد من الوعى حتى لا نقع فى براثن من يستخدمها لأغراضه فقط. ولابد أن نتعلم من الدول المتقدمة، والتى تقدر الحريات ولكنها تعى استخدامها، فبعض الدول يحجب هذه البرامج، مثل الصين والإمارات، والبعض الآخر يقوم بتشفيرها حتى لا يفهمها أحد سوى أبناء الدولة، مثلما تفعل إثيوبيا، وآخرون يدمنونها مثل مصر وبعض الدول العربية، بينما قام البعض باختراعها وبعدها انصرف عنها مثلما فعل الأمريكان، فقد تكون مثل هذه البرامج أداة جبارة تحارب بها شعوبًا بأكملها، وربما تتحول إلى سبب لخرابها، لذلك لابد من فرض رقابة صارمة على فوضى «السوشيال»، والتى قد تكون أرضًا للتشهير والفضائح. كما أصبحت هذه الوسائل، ليست كما سُميت «تواصل اجتماعى»، بل ساحة لنشر الأفكار الغريبة أو التفاخر بالأعمال، وأحيانا التنازع والتشاجر حول الآراء، والتى غالبًا ما تنتهى دائما بالحظر لأصحاب الرأى الآخر، دون وجود رقى أو تحضر أو حتى استفادة مما ينتجه العالم المتقدم كل يوم. كل ذلك، يدفعنى إلى المطالبة برقابة الدولة على وسائل التواصل، والتدقيق فيما يبث أو يقال، خاصة مع غياب المصداقية أو المصدر، أو حتى توفير إمكانية الوصول للمصدر الأول، لما يتم تداوله من الأساس.. فهل من مجيب أو رقيب على ما نراه يوميًا؟ فلابد من عدم الاستهانة بهذه الوسائل، التى تمثل قنابل موقوتة، ستنفجر فى أى لحظة؛ إذا ما لم ينتبه إليها أحد.. وما زالت الفوضى تعم أرجاء وسائل التواصل الاجتماعى، فى انتظار المواجهة!