يحكمنّ عالمهن النسائى دون أى نزعة ذكورية، للتكافل الاجتماعى عنوان فى مجتمعهن الذى أسسنه سويًا، رافعات شعار ممنوع دخول الرجال وتختين الإناث فى مواجهة رغبة الزواج، هذا هو القانون أو العرف السائد فى ثلاث قرى مصرية للنساء فقط. مهن السيدات تشمل تربية الطيور والمواشي ..وختان الإناث فرض للبُعد عن الذكور ومن ترغب بالزواج عليها الرحيل حامد عبدالدايم: وزارة الزراعة تدعم قرية «سماحة» لتشجيع عمل المرأة على بعد 35 كم من الطريق الصحراوى لمحافظة البحيرة، تقع عزبة «الوحدة» أو كما يطلق عليها عزبة الأمهات التى أصبحت عزبة صغيرة للنساء المطلقات والأرامل يمنع الرجال من الدخول إليها ولا يقترب من حدودها سوى التجار فقط. غالبية النساء يعملن فى الزراعة والحرف المتعلقة بها، فكانت عزبة الأمهات هى الملاذ الآمن ل «أم مروان» السيدة الأربعينية التى طلقها زوجها إثر شجار حاد بينهما، لتجد نفسها بصحبة طفلها الصغير فى أحضان الطرقات رافضة العودة إلى منزل والدها حتى لا تحمله مزيدًا من الأعباء المادية. وتوضح: الحصول على وظيفة فى المجتمع الريفى لسيدة مطلقة أمر بالغ الصعوبة حتى ولو كان عملًا عاديًا وهذا ما دفعنى إلى البحث عن أى مصدر رزق حتى تمكنت من العمل داخل أحد مصانع الطوب بعزبة «منصور شرق محافظة البحيرة وبعد عدة أشهر من العمل المتواصل أخبرتنى إحدى السيدات بعزبة مخصصة للنساء فقط والتى يمكن دخولها كسيدة مطلقة بعد الاتفاق مع القائمين عليها وتدعى عمدتها الحاجة سعدية التى ترسل بدورها البيانات الشخصية للمرأة المنضمة حديثًا إلى قسم الشرطة لعمل التحريات أولًا وإذا لم يثبت تورطها فى أى قضية تلتحق بالقرية وتصبح ضمن أفرادها بعد تخصيص مكان إقامة لها، فكانت العزبة طوق نجاة لى وابنتى شعرت فيها بحب ومودة وكأننا عائلة واحدة داخل بيت كبير، وباتت حياتى منقطعة عن كل شىء سوى طفلتى وعملى وسيدات القرية. بائعة الناموسيات الفاخرة فى الصباح الباكر تسعى رانيا ناصر، 37عامًا، إلى كسب الرزق مستغلة فى ذلك حاجة الأسواق المجاورة لمنتجاتها البسيطة، وتقول: ربك كريم ويرزق نحن نعمل ما علينا والفضل من الله»، بهذه الكلمات حاولت رانيا تناسى المعاناة الذى لازمتها منذ انفصالها عن زوجها بعد 14 عامًا من الزواج. وتضيف: هنا لكل سيدة عمل مخصص حسب احتياجات العزبة، غالبيتنا يستيقظ مع أذان الفجر حيث يبدأ يومى بعد صلاة الفجر بعدها أحضر الطعام لطفلى الوحيد الذى تنتظره سيارة الأنفار على مدخل العزبة وبعد رحيله مباشرة أبدأ خياطة ناموسيات جديدة حتى أذان العصر لأتناول الغداء مع صغيرى فور عودته من العمل، بعدها يحمل كل منّا «جيركن صغير» قاصدين مرشح المياه الذى أنشئ بالقرية عن طريق جهودنا الذاتية وبعد الحصول على المياه والعودة إلى المنزل يذهب صغيرى للاطمئنان على ماشيته التى يربيها حتى يؤذن لصلاة المغرب نستريح قليلًا ثم نبدأ فى استقبال السيدات الراغبات فى خياطة نموسيات جديدة، هكذا تدور أيام الأسبوع حتى الموعد المحدد للسوق حينها أحمل منتجاتى وأبيعها هناك. عمدة العزبة الحاجة سعدية، سيدة مسنة الأكبر عمرًا فى العزبة ويطلق عليها البعض العمدة تعيش وحيدة نظرًا لقصر مدة زواجها التى رفض خلالها زوجها الإنجاب، وتقول عن روتين الحياة فى قرية الأمهات: مع بداية كل صباح يجتمع أهالى العزبة فى ساحة كبيرة بوسط القرية حتى يتم توزيعهم بشكل عادل لمباشرة العمل اليومى فالغالبية العظمى من السيدات يعملن بالتجارة بالأسواق فى القرى المجاورة، بعدما تحمل كل منهن تجارتهن المستخرجة من زراعتهن ومنهن من يتم توزيعها للعمل داخل الحقول لمباشرة محاصيلهن، أما الأطفال والفتيات فذهبوا إلى المصانع ومقاولى الأنفار للعمل خارج القرية حتى يستطيع كل منهم الحصول على أموال تساعدهم فى الحياة، ومن تخطى منهم عمر ال 15 عامًا يعمل فى تربية المواشى حتى يتم الانتفاع من إنتاجهم بشكل دورى لتستمر الحياة يوميًا على هذا النهج، مشيرة إلى اجتماعهن الأسبوعى للمشاورة فى أمور حياتهن أو لحل مشكلة قائمة بين طرفين أو لاقتراح قد يفيد العزبة وأهلها ليتم البدء فى تنفيذه فور الانتهاء من الاجتماع. تؤكد الحاجة سعدية أن للعزبة طقوس مختلفة خاصة فيما يتعلق بأمور الزواج فلا يحق للطرفين سواء ذكر أو أنثى الزواج من خارج العزبة، حفاظًا على قوانينها وحفاظًا على ترابطها الأسرى، الذى يسعين من خلاله لتكون عائلة واحدة عن طريق زواج الفتيات بالشبان من داخلها، إضافة إلى إن كل أسرة ملزمة بدفع 20 جنيهًا فى الأسبوع الواحد حتى يتم مساعدة فقراء القرية وغير القادرين على العمل ليس هذا فقط، بل سد احتياجات القرية من متطلبات كمضخات مياه تم إنشاؤها منذ عدة شهور بجانب إنشاء زاوية صغيرة للشباب والأطفال من أجل الصلاة بداخلها. السماحة والإيمان على بعد 120 كيلو مترًا من محافظة أسوان، ومن داخل مركز إدفو، يعيش قرابة 5 آلاف سيدة، فى قريتى السماحة والإيمان، يتعايشن فيما بينهن رافضين حسب عرفهن دخول الرجال إلى هاتين القريتين بعد خوضهن تجربة زيجة فاشلة، أو الترمل لذلك أطلق عليها قرى المطلقات والأرامل. يعيش الجميع داخل القريتين بحكم العرف الذى وضع للقرية من قبل سيدات الأحياء، فلكل حى بالقرية توجد سيدة ناضجة الفكر تقوم بإدارة الأمور فيما بينهم، بل وتعقد اجتماعات دورية للوقوف على مستجدات الأمور، أيضًا هناك دروس أسبوعية بهذا الدار التى تسكنه تلك السيدة لتعليم السيدات أصول الزراعة وجنى المحاصيل الموسمية. تملك كل سيدة 5 أفدنة زراعية ومنزل صغير، كى تتمكن من الإنفاق على أبنائها. الزراعة هى المهنة الرئيسية لهؤلاء السيدات، وكذلك تربية الطيور والمواشى لسد احتياجاتهم من السلع الغذائية. كل مقيمة جديدة بالقرية تحصل على المساعدة لمدة 4 سنوات تمد خلالها بالسلع التموينية، بعدها تكون قادرة على الإنفاق على أسرتها من داخل الأفدنة التى تقوم بتسلمها كمثيلاتها. تقول أم الرزق محمدين: توفى زوجى الذى كان يسكن إحدى قرى مركز إدفو، بعد أن أنجبت بنتين وولد، حدثت مشاجرة بينى وبين أهل زوجى الذين أصروا على تزوجى من شقيق زوجى المتوفى ليضمنوا بقائى فى العائلة وعدم زواجى من غريب فيما بعد، ولكنى فضلت الإخلاص لزوجى لكنهم لم يتفهموا، بعدها سمعت عن قرية السماحة، ووجدتها مناسبة مع ظروفى فانتقلت إليها وألحقت ابنتى الكبرى بالمدرسة الابتدائية بالقرية حتى انتقلت إلى المرحلة الإعدادية، ولأنى أعمل بالحقل بمفردى لم تستكمل ابنتى دراستها وفضلت مساعدتى. سالمة السيد فتاة عشرينية مبتسمة تحمل فوق رأسها «مشنة» خبز تهرول إلى منزلها المعرش بالجريد، لتلحق بأمها وأختها قبل الغذاء، هذه الفتاة صاحبة البشرة السمراء الممزوجة بالحمرة من آثار فرن الخبز تبيع ما تخبزه للعاملات بالحقول، مع صباح كل يوم فهى تنفق على أسرتها المكونة من 3 أفراد؛ الأم، وطفل لم يتعد الثانية عشر عامًا، وتقول: بعد طلاق والداتى من أبى الذى كان يعاملها بقسوة، لم يستطع جدى المسن حمايتنا من هجمات أبى كل حين والآخر على داره، وكذلك لم يستطع جدى سد احتياجاتنا من مأكل وملبس فاضرت والدتى إلى العمل بالحقول إلا أن عيون الرجال لم تتركها وشأنها، تردد الكثير من الرجال لطلبها للزواج لكنها رفضت حتى لا نعود أنا وأخى إلى منزل والدى من جديد فتوجهت إلى قرية الإيمان وهى تحمل هم تربيتنا بعد وفاة والدها، الذى كان يصد عنها كلام الناس، وبعد وصولنا القرية تسلمنا 5 أفدنة نجحت فى زراعتها كانت تسد احتياجاتنا ولكن بعد أن أصيبت والدتى بفيروس كبد وأيضًا انزلاق غضروفى بالظهر جعلها غير قادرة على العمل بالحقل نظرًا لمشقة حمل الفأس والرى، حاولت التفكير فى مصدر آخر غير الزرع لسد احتياجات المنزل وعلاج والدتى، وبالتالى أصبحت أخبز وأبيع الخبز للسيدات أثناء عملهن بزراعة الحقول يوميًا. عرف القريتين يشترط على من يعيش داخل قرية السماحة التى خصصت للمطلقات، وأيضًا قرية الإيمان التى خصصت للأرامل عدم الزواج مطلقًا، وعندما ترغب إحدى السيدات فى الزواج يجب عليها ترك المنزل والأراضى الزراعية التى تسلمتها من قبل، وأيضًا عندما يبلغ الأطفال الذكور سن الرشد ويطلبون الزواج يخرجون من القرية ليبنوا حياة جديدة. ختان الإناث قانون لا يحمل النقاش فى تلك القريتين ضمانًا لعدم انحرافهن أو الرغبة فى الزواج فيما بعد، ولا يتم التعامل مع الذكور داخل حدود القرية فى أعمال البيع والشراء للمحاصيل الزراعية، ولكن يكون ذلك خارج القرية، أيضًا توجد نقطة شرطة صغيرة بها خفيرين محيطة بالقرية لتأمينها من الخارج، ووحدة صحية ومدرسة. علم النفس من الناحية النفسية يؤكد الدكتور جمال فرويز استشارى علم النفس، أن التنشئة الاجتماعية تؤثر فى حياة الأطفال، وغياب المجتمع الذكورى يؤثر فى ثقافة الطفل وشخصيته فقد يعانى من الحرمان وانعدام التوازن العاطفى ما يؤدى لوجود صراعات نفسية، مشيرًا إلى الخوف من الكائن الآخر وقد يؤثر ذلك على الذكور فى بعض سلوكياتهم فيصبح ضعيف الثقة بالنفس وأقل التزامًا بالنظام بجانب قلة الانتباه والتركيز والاستجابة وهذا يؤثر فى النمو النفسى والعقلى فالطفل الغائب عنه والده يشعر بالخوف والاكتئاب. من جانبه يقول الدكتور حامد عبدالدايم، المتحدث الرسمى باسم وزارة الزراعة: إن قرية سماحة التى تقع بجنوب مصر تعتبر التجربة الأولى التى قررت الوزارة فيها تنفيذ مشروع يستهدف تشجيع عمل المرأة فى مجال الزراعة مدللًا على ذلك بتخصص قطعة أرض لكل سيدة وذلك بعام 97 للعمل والانتفاع بها، مؤكدًا أن الحكومة دعمت السيدات عن طريق تسهيل وتوفير الخدمات لهن من حيث المبانى وغير ذلك من متطلبات الحياة. فى المقابل تفيد الدكتورة سهام جبريل، عضو المجلس القومى للمرأة، بأن المجلس يعمل على تقديم وتوفير كل سبل المساعدة إلى تلك السيدات عن طريق مكاتب المجلس بأسوان بعدما يتم الدفع بهن تدريجيًا إلى الحياة العملية سواء بالزراعة أو الصناعة بعد فترة تأهيل وإعداد يكون الأساس فيها التوعية من قبل المتخصصين، وأشارت جبريل إلى التعاون المشترك بين كل من القومى للمرأة والطفولة والأمومة من أجل الحفاظ على حياة صغارهن ومشاركتهم الفعالة فى المجتمع كما تابعت بتعاون المكاتب الخاصة للمجلسين وتقديم الخدمات ويد المساعدة لكل سيدة ترغب فى ذلك، وتلك القرى أكبر مثال عن استقلال المرأة عن الرجل.