أكل العيش مر.. فعلي الرغم من الظروف المعيشية الصعبة التي يتحملها الرجال ومشقة العمل في بعض المهن إلا أن هناك بعض السيدات تشاء الأقدار أن تجعلهن يعملن في تلك المهن الصعبة بسبب سفر الأرواج أو إعالة الأسرة في حالات مرض الزوج أو الطلاق فتجد نفسها العائل الوحيد للأسرة في مهب الريح فتسرع للقيام بدور رب الأسرة من توفير المأكل والملبس وكافة احتياجات أفراد الأسرة وعلي الرغم من أن ذلك يخالف عادات وتقاليد المجتمع الصعيدي إلا أن الحاجة والاحتياج تكون دافعاً قوياً لتوفير احتياجات أسرهن ففي المنيا تجد المرأة تعمل في الحقول والمزارع الصحراوية وأعمال التشييد والبناء وقيادة السيارات في المحاجر وبيع الصحف. الأسطي نعناعة تقود سيارة ربع نقل بمحاجر الجبل.. وحصلت علي لقب الأم المثالية رصدت "المساء" في قرية طحا الأعمدة الكائنة بمركز سمالوط وجود أكثر من 97 حالة من الأرامل والمطلقات وبعضهن يعملن نظراً لمرض أزواجهن وسفرهم فهناك حكاية وقصة تدمي القلوب وراء كل سيدة فتعداد القرية أكثر من 30 ألف نسمة تقريباً. تقول عبير علي إنها تعمل منذ 21 عاماً بسبب مرض زوجها ناصر عبدالغني عبدالظاهر بعد الزواج بمرض الفشل الكلوي حيث تعول بنتين وولداً وزوجها وتعمل بالمزارع الصحراوية في زراعة وجمع المحاصيل الزراعية مثل العنب والبرسيم والقمح والبصل والعمل بالحدائق حتي يتسني لي توفير متطلبات أسرتي. قالت: تمكنت من تزويج ابنتي الكبري والثانية أوشكت علي الزواج وأصر علي تجهيزها وأسعي لتحقيق أحلامي وهي تعليم نجلي الرضيع علاء حتي لا يعيش حياتنا ويشرب من نفس كأس العذاب التي تجرعته طوال الأيام الماضية أنا وأسرتي. أضافت والدموع تنهمر من أعينها أنها عاشت أياماً صعبة جداً تحدت فيها الظروف القاسية التي مرت بها وتركت رداء الأنوثة خلفها وارتدت جلباب الرجولة حتي تتمكن من مواجهة ظروفها وقدرها الصعب.. قالت "أعمل من أجل توفير ثمن الفطار اللي أحياناً مش بنلاقيه". التقطت أطراف الحديث فاطمة عبدالظاهر ربة منزل قائلة: توفي زوجي منذ عامان وترك لي طفل وبنتن ولا أملك من حطام الدنيا شيئاً ولم أجد من يقف بجواري أو يساعدني فقررت النزول إلي العمل لتوفير رغيف الخبز لهم وفضلت العمل في الحقول بدلاً من مد يدي للناس. أشارت إلي أن معاش زوجها التي تحصل عليه 285 جنيهاً لا يكفي احتياجات أبنائها فقررت العمل في أعمال البناء لزيادة الدخل. أشارت أم هاشم علي إبراهيم بأنها تسكن في حجرتين مع والدتها المريضة بالسرطان والسعال وكانت تحلم بالدراسة ووظيفة إلا أن دائماً لا تأتي الرياح بما تشتهيه السفن حيث أصيبت والدتها بنقص في الصفائح الدموية وتطور المرض إلي تورم كامل في جسدها ولا تجد من يساعدها أو توفير العلاج لها. بينما قالت رئيسة عبدالحكيم إنها استطاعت أن تبكر في الصباح مع طلوع الشمس للعمل في الحقول والعودة من أجل تربية أبنائها بعد وفاة زوجها منذ 12 عاماً الذي ترك لها 4 أولاد ولدين وبنتين كما عملت فلاحة في إنتاج الخبز البلدي المعروف ب "البتاو" وهو عيش أبيض مصنوع من الذرة للحصول علي ملاليم قليلة بدأت من جنيهين حتي 40 جنيهاً الآن طيل السنوات الماضية. بينما رفضت بعض السيدات التحدث عن سفر أزواجهن واكتفين بالاستماع إلي بعضهن. بينما يوجد نموذج آخر من السيدات التي كافحت في العمل العضلي بقيادة سيارة ربع نقل. قالت رضا محمد الشهيرة بالأسطي نعناعة التي تقطن بقرية الشرفا مركز المنيا إنها تعول 4 بنات منذ وفاة زوجها وتقوم بقيادة سيارة ربع نقل تركها لها زوجها حتي تتمكن من سداد أقساطها. قالت تمكنت من القيادة واستخراج رخصة قيادة بعد وفاة زوجي وأقوم بنقل عمال المحاجر من القرية إلي المحاجر بالجبل الشرقي حتي أتمكن من تلبية احتياجات بناتي الأربعة. قالت ففي البداية كان ينظر إلي الجميع بدهشة واستغراب وتجاهلت تلك النظرات الصاخبة والعديد من السخرية والأذي حتي اعتادوا علي الأمر كما تعرضت لحادثتين من قبل إثر انقلاب السيارة بالعمال ولكن المولي عز وجل ستر علينا. كما حصلت علي قلب الأم المثالية عام 2010 من اللواء أحمد ضياء محافظ المنيا الأسبق ووعد بتوفير شقة لي ولأسرتي وتعيين نجلتي بالمحافظة إلا أن تلك الوعود تبخرت مع مرور الأيام. بينما تقول زينب سعد الدين عباس 38 سنة بائعة صحف ومجلات بميدان الشهداء "بلاس سابقاً" قالت ورثت حملاً ثقيلاً علي كاهلي بعد وفاة والدي من أجل لقمة العيش حيث إني متزوجة وأعول أشقائي 4 بنات وولدين اثنان مطلقات وأعيش داخل الكشك التي لا يتعدي 3 أمتار.. فلا نملك شيئاً من حطام الدنيا نهائياً غير ذلك الكشك حيث ولدت أنا وأشقائي ووجدنا أبي يعمل ببيع الصحف والمجلات داخل مدينة المنيا وورثت تلك المهنة منذ 14 عاماً فلهيب الشمس يحرقنا طوال الصيف والبرد والأمطار تحاصرنا طوال فصل الشتاء من أجل لقمة العيش. من جانبها قالت هناء عبدالحميد نقيبة العاملات الفلاحات بالمنيا إن الهدف من عملها هو الدفاع عن حقوق المرأة المعيلة والريفية المهمشة لدي الغير.. فقررت إنشاء نقابة للسيدات العاملات لدي الغير في الزراعة حيث تبلورت الفكرة منذ عام بعد أن شاهدت قيام بعض ملاك الأراضي بسلب حقوق الفلاحات من الأرامل والمطلقات من الأجر الكامل وغياب دور الحكومة في رعايتهن ومنحهن الحقوق للمرأة الريفية التي مازالت مهمشة حتي في ظل القوانين وعدم تفعيل دور المرأة المعيلة.