في الأزمات يظهر المعدن الأصيل للمصريين. والشهامة صفة أصيلة في شعبنا سواء في المدن أو ا لقري. قد يكون هناك خصومة بين عائلة وأخري. لكن عند مرور أحدهما بأزمة نجد الخصم يهب لنجدتها متغاضياً عن أسباب الخصومة بينهما. وبالمثل تجد مواطناً شهماً عندما يشعر ان حياة مريض من أهله أو بلدته متوقفة علي التبرع بكلية أو فص كبد فانه يتبرع له بطيب خاطر وبدون مقابل. الأمثلة كثيرة علي شهامة المصريين. "نعناعة" المنيا "أجدع" من راجل المنيا- مهاب المناهري: أغلقت الأبواب في وجهي.. توفي زوجي إلي رحمة الله تعالي ترك لي أربعة بنات وسيارة ربع نقل عليها الأقساط. تحملت آلاما وصعابا فوق كاهلي جاهدت في الحياة.. كشرت لي الدنيا عن أنيابها كافحت من أجل تربية بناتي مرات عديدة. سخر مني أهالي قرية الشرفا. إلا أنني تعاملت بمبدأ لا يأس مع الحياة. انتصرت علي الجميع.. تعلمت القيادة وتخطيت عادات وتقاليد الصعيد. فأنا المرأة الوحيدة التي نجحت واستخرجت رخصة قيادة بعد طلوع الروح في ظل الروتين القاتل من أجل البحث عن لقمة العيش والعمل بنقل العمال من القرية والقري المجاورة إلي المحاجر بالجبل الشرقي. تحملت المسئولية منذ 18 عاما مضت وهي أم لأربعة بنات هن شيماء وهند وإيمان وهدير. بدأت رضا عبدالسلام الشهيرة ب"نعناعة" رحلة كفاحها منذ توفي زوجها عبدالرازق تهامي في فبراير 1996 وترك لها الأطفال الأربعة وتراكمت عليها الديون. واجهت عقبات كثيرة في إدارة المرور من أجل استخراج الرخصة الخاصة إلا أنها اجتازت الاختبارات وبدأت العمل علي السيارة ربع نقل. تقول: في بداية الأمر كان أهالي القرية يستهزءون بي ويستغربون من أنني أقود سيارة ربع نقل وليست ملاكي إلا أن بعضهم كان متعاطفا معي خاصة بعد أن رفض أقرباء زوجي إعطائي الميراث وقاموا بتضليلي بالتوقيع علي ورقة مبايعة بحجة أنها ورق معاش الزوج فوقعت لأنني لا أجيد القراءة والكتابة بجانب أن أحد مدرسي ابنتي قام بطردها من الدرس الخصوصي لأنه لم يتقاض ثمن الدرس ناهيك عن الديون التي تركها زوجي حيث كان يعمل بالشباب والرياضة وثمن السيارة كان بالتقسيط كل هذه المشاكل حملتها علي كاهلي وخشيت من ضياع البنات الأربع فعزمت علي مواجهة الحياة بكل السبل المشروعة للحفاظ عليهن وتعليمهن بالجامعات حتي لا يضللهن أحد كما حدث معي وقررت بكل إصرار وعزيمة أن ارفع شعار "أكون أو لا أكون" وأصبحت الست نعناعة التي هزمت التحديات بصبرها وتفانيها في العمل والتزامها بالمواعيد. فعلي الرغم من صعوبة المهنة إلا أنها كانت تتحمل الصعاب من أجل أن تعود لبناتها محملة بالطعام لأنها العائل الوحيد بعد أن تركها أقرب الناس. أضافت: كنت أبحث بعد وفاة زوجي عن سائق يكون مشهودا له بالأمانة والشجاعة والمهنية للحفاظ علي السيارة الربع نقل من أجل توفير مصاريف المنزل وتسديد الأقساط الشهرية إلا أنني لم أجد أحدا مما دفعني لتعلم القيادة والعمل عليها لنقل الركاب ومستلزمات ومعدات اللوادر والحفارات الخاصة بالمحاجر وأحيانا نقل البلوكات الحجرية إذا اضطر الأمر لسد احتياجات كوم اللحم المسئولة عنه..قالت نصيبي أنني لم أرزق بولد يتحمل المسئولية ويدافع عني وعن شقيقاته ويحميهن من مصائب الدنيا فقررت أن أكون الأم والأب والأخ وكل شيء في آن واحد وأشارت إلي أنها تعرضت لمواقف صعبة جدا منها انقلاب السيارة بها مرتين أثناء نقل عمال المحاجر ولكن من ستر المولي عز وجل لم تحدث أي إصابات بي وكانت الخسائر بسيطة. يؤكد أبناء القرية أن "نعناعة" بمائة رجل حرمت نفسها من الزواج من أجل تربية بناتها وضحت من أجلهن وتحدت العالم بأسره في توفير لقمة عيش لهن من الحلال ولم تمد يدها للاقتراض من أحد فهي نموذج فريد من نوعه ومثال مشرف للأم المصرية عامة والصعيدية خاصة بعد أن ضربت بعادات وتقاليد الصعايدة عرض الحائط واجتازت أصعب المهن علي الإطلاق التي تحتاج إلي القوة البدنية والحركية السريعة بجانب القدرة العقلية الفائقة والتركيز أثناء القيادة لذلك كرمها اللواء أحمد ضياء محافظ المنيا الأسبق ومنحها لقب الأم المثالية عام 2010 ووعدها بوحدة سكنية من وحدات الأسر الأولي بالرعاية وتعيين نجلتها شيماء في إحدي الوظائف الحكومية إلا أن الرياح تأتي دائما بما لا تشتهيه السفن فرحل المحافظ دون تحقيق وعده لها لكن الأمل معقود حاليا علي المحافظ د.مصطفي كامل. أكدت نعناعة أنها ترغب في تعيين بناتها في وظائف حكومية خاصة بعد حصول شيماء علي ليسانس آداب وإيمان علي دبلوم المعهد الفني الصحي وكذلك أداء فريضة الحج. أما الابنة الكبري شيماء التي تري في والدتها الأم المثالية المجاهدة التي تحملت الظلم والمعاناة كثيرا من أجلهن فقالت: أمي كانت تحقق لنا جميع مطالبنا بدون تذمر أومعاناة وابتسامتها الحلوة لم تفارقنا.. فهي كل شيء في حياتنا. نتمني الالتحاق بوظائف مرموقة حتي نرد الجميل لهذه الأم المخلصة التي مازالت تعطي رغم استئصال ورم منها فضلا عن ضعف قدرتها علي الإبصار وكذلك التهاب في المفاصل.