لم يكن يخطر ببال الست رضا عبدالسلام على سالم، الشهيرة بنعناعة أن تقود يوماً ما سيارة نقل، وتعمل بها فى محاجر المنيا، غير أن القدر أجبرها على ذلك، حيث تواجه المرأة الصعيدية حال خروجها من منزلها صعوبات كثيرة، وهناك بعض المهن لا تقترب منها النساء، وقد يندهش البعض عندما يجد سيدة تمارس بعض المهن غير التقليدية، التى تعد من المحظورات فى مجتمع الصعيد، كأن تقود سيارة نقل وتعمل بمفردها وسط الرجال. تعول رضا أسرة مكونة من أربع بنات، وأصبح اسم الست نعناعة اسماً شهيراً فى قرية الشرفا، التى تقع شرق النيل على بعد 8 كيلومترات من مدينة المنيا. تمثل نعناعة، التى تبلغ من العمر 42 عاماً، رحلة كفاح بدأت قبل 18 عاماً، عندما مات زوجها الذى كان يعمل موظفاً بالشباب والرياضة، وترك لها أربع بنات، هن إيمان وشيماء وهند وهدير، وسيارة ربع نقل اشتراها بالتقسيط. تحملت «نعناعة» المسئولية بمفردها بعد وفاة زوجها، وبحثت كثيراً عن شخص تأمنه على سيارتها ومالها فلم تجد، فأخذت زمام المبادرة، وبدأت تفكر فى قيادة السيارة بمفردها، ونجحت فى تحطيم كل العوائق حتى استخرجت الرخصة، وبدأت العمل فى قطاع المحاجر تنقل العمال ومستلزمات المحاجر وأحياناً البلوكات الحجرية. تروى نعناعة تفاصيل رحلتها الشاقة المليئة بالأوجاع والمتاعب، قائلة: «مات زوجى مبكراً وتركنى لأقاربه الذين حرمونى من الميراث، فزداد ألمى واسودت الدنيا فى عينى، وتعرضت كثيراً لمواقف صعبة، أذكر منها أن مدرس اللغة العربية طرد ابنتى شيماء من الدرس لأننى لم أستطع أن أدفع له أجر شهر، وشعرت أن بناتى مهددات بالتشرد وترك التعليم، ولم أرزق بولد يدافع عنهن ويحميهن من بلاوى الدنيا، فاتخذت القرار الصعب بقيادة السيارة بعد أن بدأت الديون تلتف حول رقبتى وتتطاردنى ليل نهار، وفشلت فى الوفاء بسداد أقساط السيارة فتعلمت القيادة بنفسى، واستخرجت الرخصة». وتضيف نعناعة: «بدأت العمل فى قطاع المحاجر المنتشرة حول قريتى، وفى البداية كان ينظر إلىّ الجميع بدهشة واستغراب، وتحملت الكثير من السخرية والأذى حتى اعتادوا على الأمر، وبدأت نظراتهم إلىّ تختلف، وتعرضت لمواقف صعبة بالسيارة، أذكر منها أنها انقلبت منى مرتين، وأنا أنقل عمال المحاجر وفى كل مرة كان لطف الله يشملنى، لأنه يعلم حالى». نظرة عمال المحاجر لنعناعة يملأها الاحترام والتقدير، فالعامل سيد شعبان، الذى اعتاد أن يستقل سيارتها للذهاب إلى المحجر والعودة، يرى أنها «ست ب100 راجل»، وأنها مثال للأم المكافحة المناضلة الشريفة الطاهرة، التى عبرت ببناتها مرحلة حرجة واختارت أن تضحى بشبابها من أجل رعايتهن حتى أحسنت تربيتهن. أما الابنة الكبيرة شيماء، التى اعتادت تقبيل يد والدتها كل صباح، فترى فيها الأم المجاهدة المثابرة، التى تحملت الظلم والمعاناة كثيراً من أجل أبنائها، وتمنت شيماء أن تلتحق هى وشقيقاتها بوظائف محترمة حتى يرددن الجميل للأم المخلصة. ومنح اللواء أحمد ضياء الدين، محافظ المنيا الأسبق، نعناعة لقب الأم المثالية عام 2010، ووعدها بتعيين بناتها وإعطائها شقة بمساكن الأسر الأولى بالرعاية، غير أنه ترك المحافظة قبل تنفيذ وعوده. وتتمنى نعناعة 3 أشياء من الدنيا، هى تعيين بناتها فى الدوائر الحكومية، وأن تحج بيت الله الحرام، وأن تحصل على شقة تلم شمل أسرتها.. فهل تجد الأم المكافحة من يلبى لها هذه الأمنيات؟