صعوبات كثيرة تواجه المرأة الصعيدية حال خروجها من منزلها وهناك بعض المهن لا تقترب منها النساء, وقد يندهش البعض عندما يجد سيدة تمارس بعض المهن الغير تقليدية والتى تُعدُّ من المحظورات فى مجتمع الصعيد, كأن تقود سيارة نقل وتعمل بمفردها وسط الرجال, فلم يكن يخطر ببال "الست رضا عبد السلام على سالم", أن تقود يومًا ما سيارة نقل وتعمل بها فى "محاجر المنيا", غير أن القدر أجبرها على هذا الحال .
لدينا سيده تعول أسرة مكونة من أربع بنات, "فالست نعناعة" إسم شهير فى قرية "الشرفا" التى تقع شرق النيل على بعد 8 كيلومتر من مدينة المنيا .
رحلة كفاح رضا التي تبلغ 24 عامًا, بدأت قبل 18 عام عندما مات زوجها الذى كان يعمل موظفًا بالشباب والرياضة وترك لها أربع بنات هنَّ إيمان وشيماء وهند وهدير, وكذلك سيارة ربع نقل إشتراها بالتقسيط .
بعد وفاة الزوج تحمَّلت الزوجة الحسناء المسئولية بمفردها وبحثت كثيرًا عن شخص تأمنه على سيارتها ومالها فلم تجد, فأخذت زمام المبادرة وبدأت تفكر فى قيادة السيارة بمفردها ونجحت فى تحطيم كل العوائق حتى إستخرجت الرخصة وبدأت العمل في قطاع المحاجر تنقل العمال ومستلزمات المحاجر وأحيانا البلوكات الحجرية .
تروى "رضا" تفاصيل رحلتها الشاقة المليئة بالأوجاع والمتاعب قائلة: مات زوجى باكرًا وتركنى لأقاربه الذين حرمونى من الميراث فإزداد ألمى وإسودت الدنيا فى عينى وتعرَّضتُ كثيرًا لمواقف صعبة أذكر منها, أن مدرس اللغة العربية طرد إبنتى شيماء من الدرس لأننى لم أستطيع أن أدفع له أجر شهر, وشعرْتُ أن بناتى مهددين بالتشرد وترك التعليم, ولم أُرْزَق بولد يدافع عنهم ويحميهم من "بلاوى" الدنيا .
فإتخذت القرار الصعب بقيادة السيارة بعد أن بدأت الديون تلتف حول رقبتى وتتطاردنى ليل ونهار وفشلت فى الوفاء بسداد أقساط السيارة فتعلمت القيادة بنفسى وإستخرجت الرخصة وبدأت العمل فى قطاع المحاجر المنتشرة حول قريتى, وفى البداية كان ينظر إلى الجميع بدهشة وإستغراب وتحمَّلتُ الكثير من السخرية والاذى حتى إعتادوا على الأمر .
وبدأت نظراتهم إلى تختلف وتعرضتُ لمواقف صعبة بالسيارة أذكر منها, أنها إنقلبت منى مرتين وأنا أنقل عمال المحاجر وفى كل مرة كان "لطف الله" يشملنى لأنه يعلم حالى .
نظرة عمال المحاجر ل "نعناعة" يملئها الإحترام والتقدير, فالعامل سيد شعبان إذا إعتاد أن يستقل سيارتها للذهاب إلى المحجر والعودة يرى انها "ست ب100 رجل" وأنها مثال للأم المكافحة المناضلة الشريفة الطاهرة التى عَبَرَت بأبنائها المرحلة الحرجه وإختارت أن تضحى بشبابها من أجل رعايتهم حتى أحسنت تربيتهم .
أما الإبنة الكبيرة شيماء التى إعتادت تقبيل يد والدتها كل صباح فترى: فيها الأم المجاهدة الصابرة التى تحمَّلت الظلم والمعاناة كثيرًا من أجل أشقائها, وقالت أنها تتمنى أن تلتحق هى وشقيقاتها بوظائف محترمة حتى يردوا الجميل للأم المخلصة .
قصة رضا لم تنتهى, فاللواء "أحمد ضياء الدين", محافظ المنيا الأسبق, منحها لقب الأم المثالية فى عام 2010 ووعدها بتعيين بناتها وإعطائها شقه بمساكن الأسر الأوْلَى بالرعاية, غير أنه ترك المحافظة قبل تنفيذ هذه الوعود .
"رضا عبد السلام" تتمنى 3 أشياء من الدنيا, وهى تعيين بناتها فى الدوائر الحكومية وأن تَحُجَّ بيت الله الحرام وأن تحصل على شقة "تِلِمْ" شَمْل أسرتها, فهل تجد الأم المكافحة من يُلبِّى لها هذه الأمنيات ؟