مصطفى «آداب تاريخ» ويعمل «كلين بوى».. وأحمد «سياحة وفنادق»: «أحسن ما أموت فى البحر» محمد: أنظف شقق السيدات من خلف أزواجهن.. ومرتب المدرس لا يكفينى مواصلات صاحب شركة عمالة: مطلوبون للجلوس مع الرجال المسنين.. والأولوية لخريجى «السياحة والفنادق» تخرج فى كلية الآداب قسم التاريخ بعد تعب 4 سنوات كانوا فى عمره، مصطفى أحمد، كان حلمه الوحيد إنهاء دراسته سريعًا حتى يتخرج ويعمل فى مهنة تريحه من عمله الذى يرهقه للغاية، بجانب استذكاره لمواده الجامعية، وهى عمله فى محل للبقالة. اعتاد مصطفى السهر يوميًا فى هذا المحل بعد انتهائه من اليوم الدراسى فى الساعة الرابعة عصرًا، ليمكث هناك حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، يذاكر أثناء عمله أحيانًا، لأنه لا يتركه حتى أوقات الامتحانات، لتوفير نفقات أسرته ودراسته، بعد وفاة أبيه. ظل هكذا على هذا الوضع حتى جاءت اللحظة الحاسمة، وهو حصوله على تقدير جيد فى الكلية وتخرجه، ليبحث بشهادته عن مهنة تليق بتعليمه، إلا أن الواقع لم ينصفه بعد سنوات التعب، فظل يعمل كما هو فى محل البقالة، الفارق أنه اتجه إلى العمل فى تنظيف المنازل أيضًا، حيث تستعين به السيدات من أجل أعمال المنزل التى تشق عليها، وكذلك على «الشغالات» وعاملات المنازل. مصطفى ليس الحالة الوحيدة التى تحدثت إلى «الصباح» حول الظروف الاقتصادية التى اضطرتهم للعمل «كلين بوى» أو فتى نظافة للمنازل، لكن هناك الكثير من الشباب الذين أصبحت تلك المهنة مصدرًا للرزق له. إعلان على موقع تواصل اجتماعى «فيس بوك» لشاب يدعى «محمد كلين بوى»، يسأل إذا ما كان أحد يحتاجه فى تنظيف المنزل ليواجه سيلًا من الطلبات من النساء اللائى يستعن به من أجل تنظيف الشقق والمنازل. «محمد» تخرج فى كلية خدمة اجتماعية، إلا أنه لم يجد وظيفة تكفيه احتياجاته فى ظل الارتفاع الكبير للأسعار، فاضطر إلى العمل صباحًا فى محل للموبايلات ثم تلجأ إليه بعض السيدات لتنظيف السجاجيد ومسح الأرضيات وتنظيف الزجاج وغيرها من أعمال النظافة الخاصة بالمنزل، والتى تحتاج لقوة جسدية وسرعة فى آن واحد. واعتاد «محمد» منذ صغره أن يعول أسرته وأخواته الثلاث فتيات، وهو حريص على ان يستكملن تعليمهن «عشان يسندوا نفسهم»، كما أكد أن الظروف الصعبة والتى لا تمكنه حتى من السفر إلى الخارج هى السبب فى هذه الوظيفة «واهو أحسن ما نسافر هجرة غير شرعية ولا نمشى فى الحرام.. هنعمل إيه؟». عند سؤاله عما إذا كان يمكنه أن يؤسس مشروعًا أو يعمل مدرسًا، باعتبارها وظيفة تليق بتعليمه وبمكانته كرجل متعلم، أكد أن مرتب المدرس لن يكفيه الإنفاق على مصاريف أخواته واحتياجات المنزل، فكل المدرسين بعد نهاية العمل فى يوم طويل دراسى لن يزيد الراتب الشهرى على 1000 جنيه ودون عقد، «ده إن كملوا، وهذا المبلغ لا يكفينى مواصلات واحتياجات، ناهيك عن متطلبات أسرتى». حاولنا التوصل إلى أسباب العمل فى تلك المهنة على وجه الخصوص، خاصة أنها تعتبر غير معتادة وغريبة على الشباب، فالنساء هن اللائى احتللن تلك الوظيفة على مر الزمن حتى فى الأفلام، السيدة دائمًا تكون الشغالة، أما الرجل فإما سفرجى أو حارس للعقار، لكن من الواضح أن الرجال بدأوا اقتحام هذه المهنة بقوة تلك الأيام، رغم العراقيل التى تواجههم فيها. يستكمل محمد حديثه عن الصعوبات التى يقابلها والمواقف التى يقع فيها: «عندما تستعين بى سيدة لتنظيف شقتها، غالبًا يكون ذلك دون إعلام زوجها، لأن الرجل فى مجتمعنا الشرقى يرفض دخول رجل فى عدم وجوده إلى المنزل، فتضطر بعض السيدات إلى إخفائه». وعن سبب الاستعانة بالرجل فى هذا المجال، رغم العادات الشرقية، أكد أن السيدة تأخذ وقتًا أطول فى التنظيف ولا تقدر على نقل بعض الحمول الثقيلة فى المنزل، من مناضد ضخمة أو كراسى أو أثاث إلى مكان آخر، فتضطر السيدة إلى الاستعانة بسيدتين أو أكثر لإنهاء شقة كبيرة من أعمال النظافة، فى حين أن رجلًا واحدًا يستطيع إنهاء كل خدمات النظافة وأحيانًا إعداد الطعام فى حالة المرأة العاملة والتى لا يتوفر لديها وقت. «أصبحت شركات النظافة، التى تختص بتوفير عاملات منازل، تستعين بالشباب»، يقول حسن عبدالمقصود، صاحب واحدة من إحدى شركات العمالة، ويضيف: «الشباب أصبح عليهم طلب كبير فى المنازل الآن، خاصة للجلوس مع الرجال المسنين فى المنزل، لأن معظم السيدات ترفض ذلك الوضع، أيضًا الرجال المسنون يحتاجون رعاية وخدمة شاقة ومن نوع خاص، خاصة فى موضوع النظافة الشخصية الذى يحتاج بالتأكيد إلى شباب، وبالتالى يطلبون شبابًا يجيدون طهى الطعام وتنظيف المنزل وترتيب الغرف ويفضلون خريجى معاهد وكليات السياحة والفنادق». ويحكى أحمد عبدالسميع، خريج معهد سياحة وفنادق، إنه حاول كثيرًا العمل فى الفنادق أو المطاعم من أجل توفير لقمة العيش، لكنه سرعان ما ينتهى به المطاف بإنهاء عمله فى أى توقيت، بالإضافة إلى ضغط العمل والراتب البسيط مقارنة بالجهد المبذول، وعلى الرغم من أنه عمل كثيرًا فى فنادق شرم الشيخ والغردقة والقاهرة، إلا أنه مع انهيار السياحة اضطروا إلى تخفيض العمالة، وبالتالى انتهت خدمته. مر «أحمد» بفترة صعبة بعد أن استغنوا عن خدمته، لكن أحد أصدقائه عرض عليه العمل معه فى أحد المطاعم كمقدم للطعام، فاضطر للقبول على استحياء «مكنش عندى نفس ولا حيل اشتغل.. وشايف إنه طريق ملوش ملامح.. ومش قادر حتى أصرف على نفسى واضطررت إلى السلف من أمى عشان أمشى حالى»، حتى حدثته إحدى زبائن المحل طالبة منه مساعدتها فى تنظيف شقتها لأنها على وشك النقل إلى شقة أخرى، وتحتاج من ينجدها فى ذلك التوقيت الحرج، وقبل بالفعل مساعدتها ونقل معها الأثاث وساعدها فى عمليات التنظيف المصاحبة لذلك وتعبئة الأدوات المنزلية وغيرها، وكانت بدايته فى هذه المهنة، حيث حدثت السيدة صديقاتها عن نظافته وقدرته على التنظيف بسهولة، وسرعة فى آن واحد وأصبح يخدم فى المنازل. سألناه عما إذا كان يخجل أحيانًا من تلك المهنة، خاصة أنها مهنة ارتبطت بالمرأة، فأكد أن «مكسبها حلو.. وأهو أحسن ماسرق ولا أموت فى البحر».