خالد أبو بكر: «الدولار في النازل» والعجلة بدأت تدور    جهود «التضامن» في سيناء.. أكثر من 3 مليارات جنيه مساعدات للأسر الأولى بالرعاية    ارتفاع أسعار النفط 1% بعد قراءة بيانات نمو الاقتصاد الأمريكي    البنتاجون: الولايات المتحدة بدأت بناء رصيف بحري في غزة    عودة الشحات وإمام عاشور.. قائمة الأهلي لمواجهة مازيمبي    حمادة أنور ل«المصري اليوم»: «الزمالك قادر على تحقيق نتيجة إيجابية أمام دريمز»    تعرف على موعد سقوط الأمطار والسيول هذا الأسبوع.. هل يعود الشتاء؟    وصول سيد رجب ورانيا يوسف لحفل افتتاح مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    «السبكي»: جاهزون للمرحلة الثانية من التأمين الصحي.. وقدمنا 40 مليون خدمة بجودة عالمية    التنمية المحلية تزف بشرى سارة لأصحاب طلبات التصالح على مخالفات البناء    الجيل: كلمة الرئيس السيسي طمأنت قلوب المصريين بمستقبل سيناء    «ترشيدًا للكهرباء».. خطاب من وزارة الشباب ل اتحاد الكرة بشأن مباريات الدوري الممتاز    موقف ثلاثي بايرن ميونخ من مواجهة ريال مدريد في دوري أبطال أوروبا    «القاهرة الإخبارية»: دخول 38 مصابا من غزة إلى معبر رفح لتلقي العلاج    رغم ضغوط الاتحاد الأوروبي.. اليونان لن ترسل أنظمة دفاع جوي إلى أوكرانيا    جمال شقرة: سيناء مستهدفة منذ 7 آلاف سنة وبوابة كل الغزوات عبر التاريخ    أحمد عبد الوهاب يستعرض كواليس دوره في مسلسل الحشاشين مع منى الشاذلى غداً    محمد الباز: لا أقبل بتوجيه الشتائم للصحفيين أثناء جنازات المشاهير    عبد العزيز مخيون عن صلاح السعدني بعد رحيله : «أخلاقه كانت نادرة الوجود»    دعاء قبل صلاة الفجر يوم الجمعة.. اغتنم ساعاته من بداية الليل    بيان مهم للقوات المسلحة المغربية بشأن مركب هجرة غير شرعية    يقتل طفلًا كل دقيقتين.. «الصحة» تُحذر من مرض خطير    لماذا حذرت المديريات التعليمية والمدارس من حيازة المحمول أثناء الامتحانات؟    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    انخفضت 126 ألف جنيه.. سعر أرخص سيارة تقدمها رينو في مصر    بعد تطبيق التوقيت الصيفي.. تعرف على مواقيت الصلاة غدًا في محافظات الجمهورية    هل الشمام يهيج القولون؟    أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية بالاستفزازية    العثور على جثة مسن طافية على مياه النيل في المنصورة    فيديو.. مسئول بالزراعة: نعمل حاليا على نطاق بحثي لزراعة البن    عامل يتهم 3 أطفال باستدراج نجله والاعتداء عليه جنسيا في الدقهلية    يمنحهم الطاقة والنشاط.. 3 أبراج تعشق فصل الصيف    مدرب يد الزمالك يوجه رسائل تحفيزية للاعبين قبل مواجهة أمل سكيكدة الجزائري    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    استجابة لشكاوى المواطنين.. حملة مكبرة لمنع الإشغالات وتحرير5 محاضر و18حالة إزالة بالبساتين    بيان مشترك.. أمريكا و17 دولة تدعو حماس للإفراج عن جميع الرهائن مقابل وقف الحرب    وزير الرياضة يشهد انطلاق مهرجان أنسومينا للألعاب الإلكترونية    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    مدرب صن دوانز: الفشل في دوري الأبطال؟!.. جوارديولا فاز مرة في 12 عاما!    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    جامعة حلوان توقع مذكرتي تفاهم مع جامعة الجلفة الجزائرية    طريقة عمل مافن الشوكولاتة بمكونات بسيطة.. «حلوى سريعة لأطفالك»    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    مشايخ سيناء في عيد تحريرها: نقف خلف القيادة السياسية لحفظ أمن مصر    الرئيس السيسي: خضنا حربا شرسة ضد الإرهاب وكفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة    أبطال سيناء.. «صابحة الرفاعي» فدائية خدعت إسرائيل بقطعة قماش على صدر ابنها    مستقبل وطن: تحرير سيناء يوم مشهود في تاريخ الوطنية المصرية    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    خبير في الشؤون الأمريكية: واشنطن غاضبة من تأييد طلاب الجامعات للقضية الفلسطينية    معلق بالسقف.. دفن جثة عامل عثر عليه مشنوقا داخل شقته بأوسيم    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. إيقاف قيد الزمالك وبقاء تشافي مع برشلونة وحلم ليفربول يتبخر    الهلال الأحمر يوضح خطوات استقبال طائرات المساعدات لغزة - فيديو    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مليونا شاب مصري يصارعون البطالة
عاطلون علي مقهي الحياة

الشباب في مصر يصارع شبح البطالة منذ عهد النظام البائد ولاتزال مشكلة البطالة تواجه نحو مليوني شاب، اختار معظمهم الجلوس علي مقاهي الحياة في انتظار الإعلان عن فرصة عمل تناسب مؤهلاتهم الدراسية، في حين اضطر آخرون للانضمام إلي صفوف الباعة الجائلين بحثا عن لقمة العيش.
(آخر ساعة) رصدت مشكلة البطالة من جوانبها المختلفة وانتقلت كذلك إلي صعيد مصر لرصد حكايات العاطلين هناك، وتحدثنا مع خبراء علم النفس للوقوف علي أبرز الأمراض النفسية التي تصيب الشاب العاطل ورؤية خبراء التنمية البشرية في إيجاد حلول للمشكلة.
البطالة مشكلة عميقة الجذور وصداع يلازم كل أسرة مصرية فما من أسرة إلا وبها شاب عاطل والكارثة أن معظمهم ممن يحملون الشهادات العليا والتي كافح أبناؤهم وعانوا الأمرين ليحصلوا عليها ولكنهم لم يعلموا أن تلك الشهادة سوف تكون بابهم السحري للانضمام لطابور العاطلين المصري الذي وصلت أعداده إلي أكثر من مليوني شاب وفتاة من خيرة أبناء المحروسة.
والغريب أن ذلك الشبح لم يترك منزلا إلا وسكنه سواء بالمدن والقري أو حتي النجوع والكفور البسيطة ليظل القاسم المشترك بين معظم الأسر المصرية وما علي الشاب إلا أن يبحث عن عمل يسد به رمقه ورمق أسرته الكبيرة فيتناسي شهادته العليا ويلتحق بأي عمل مهما حقر وضعه فالقرويون علي سبيل المثال يعمل معظمهم كعمال بناء وآخرون يعملون بمهن السباكة والنقاشة وغيرهما من الأعمال الحرة وقد يضطر الجزء الآخر الذي من الله عليه بقطعة أرض زراعية ورثها عن أجداده إلي العمل بها واستكمال مسيرة والده المشرفة علي الرغم من تنافيها مع أحلامه الوردية ولكن ماباليد حيلة.
بطالة الشباب صداع في رأس كل أسرة
في الريف المصري سباك ونقاش بالبكالوريوس والليسانس
وبالطبع أدركت حكومات مابعد ثورة يناير تلك الأزمة المستفحلة وتحاول جاهدة القضاء عليها فتوصلت إلي أن المشروعات الاستثمارية بشقيها الكبري والصغري هي أفضل الحلول لتلك المشكلة حتي ولو كان حلا مؤقتا فشجعت فرص الاستثمار العربية كالقطرية والسعودية إلي جانب الدول الأوروبية وفتحت الباب علي مصراعيه لكبار المستثمرين ومهدت الطريق لهم إيمانا بفاعليتهم في تشغيل شباب مصر حتي أن الدكتور أشرف العربي وزير التعاون الدولي أعلن أن إجمالي الاستثمارات المباشرة سجلت بقيمة 50 مليار جنيه في الربع الأول من العام المالي الجاري.
أما البنوك فأعلنت عن قروض وتسهيلات جديدة لأصحاب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر علها تكون وش الخير عليهم.
فهل ستنجح تلك المشروعات في استقطاب العاطلين لها؟ ومتي نقتنع بأهمية المشروعات الاستثمارية الصغيرة ونحاول تعميم تجاربها الناجحة دون انتظار الوظيفة الميري؟
(آخر ساعة) رصدت تداعيات تلك الأزمة بالمدن والقري المصرية ونماذج لبعض المشروعات الصغيرة الناجحة التي ساهمت في تشغيل العديد من العاطلين وفوائد المشروعات الاستثمارية الكبري التي تقبل عليها الدولة الآن.
قصتنا الأولي (لخالد) وهو شاب لم يتجاوز عمره الخمسة والعشرين ربيعا يقطن بإحدي قري مركز كفر صقر بالشرقية، رباه والده منذ نعومة أظافره علي الاعتماد علي النفس وأن العلم هو سلاحه في حياته وبدونه لايحيا الإنسان حياة صحيحة وكبرت تلك المقولة معه بمرور السنين حتي جاء اليوم المشهود الذي حصل فيه خالد علي ليسانس الآداب قسم التاريخ وشعر بسعادة والديه الغامرة علي توفيق الله لهم في تربيته وحصوله علي الشهادة العليا وانتظر بطلنا جواب التعيين بإحدي المدارس القريبة من القرية كباقي الخريجين الجدد ولكن طال انتظاره لأكثر من عامين كاملين فما كان منه إلا أن يبحث عن أي عمل مهما تواضع أجره حفاظا علي ماء وجهه وكما يقولون في الأمثال "اليد البطالة" والغريب أنه لم يجد سوي العمل كعامل بناء فقبل علي الفور ولم لا؟ فمحمود وعادل قريناه الحاصلان علي بكالوريوس الخدمة الاجتماعية والتربية يعملان بالسباكة والنقاشة.
واستسلم خالد لقدره هذا وأبلي بلاء حسنا في عمله وتناسي الوظيفة الميري بمحض إرادته خاصة بعد أن شهد بأم عينيه الزيادة المستمرة في أعداد العاطلين الذين تعج بهم الشوارع وتمتلئ بهم المقاهي. إلا أن حمزة بيومي (شاب من نفس قرية خالد) سلك طريقا آخر فبعد أن يئس من الحصول علي وظيفة تتناسب مع بكالوريوس الزراعة الذي حصل عليه منذ أكثر من خمسة أعوام، ففكر في إقامة مشروع صغير وليكن "منحلا لإنتاج العسل"خاصة أنه لايحتاج إلي رأسمال ضخم وقليل من الخبرة التي اكتسبها من دراسته بالكلية إضافة إلي التحاقه بالدورة التدريبية المجانية التي أقامها معهد بحوث وقاية النبات التابع لمركز البحوث الزراعية وبالطبع صقلت تلك الدورة خبرته وشجعته علي البدء في المشروع وانتظار عائده المادي المغري.
واختار سلالة هادئة من النحل تسمي "الكرس" وتتميز بوداعتها وقدرتها علي الطير لمسافة 5كم ليجمع الرحيق من نباتات الزينة كالفل والياسمين التي زرعها بغزارة في شرفات منزله البسيط ونجح مشروعه نجاحا كبيرا وذاع صيته في قريته والقري المجاورة خاصة أن العسل الذي يتم إنتاجه من مناحله يتميز بخلوه من سكر الجلوكوز وخلوه من المبيدات الزراعية كما استطاع هذا المشروع تشغيل أكثر من عشرين شابا من أبناء قريته وكان نواة لمشروعات أخري.
وبعد أن نجحت تجربة منحل البلكونة فكر في تكرارها مرة أخري بالاعتماد علي سلالة النحل الإيطالي الذي يتغذي علي المحاصيل الحقلية كالبرسيم والموالح كالبرتقال وهي زراعات متوفرة بكثرة في الشرقية ونجحت تلك التجربة هي الأخري ليثبت للجميع أن المشروعات الصغيرة هي الأمل في القضاء علي البطالة.
وإذا كانت هذه هي بعض المشروعات التي ابتدعها أبناء القرية لتتلاءم مع ظروفهم وبيئتهم الزراعية فإن أبناء القاهرة هم الآخرون طرحوا مشروعات رائعة ليواجهوا بها مشكلة البطالة.
ولنأخذ (مني) مثالا علي ذلك، فتاة حصلت علي ليسانس الألسن ولكن لم تتح لها فرصة إيجاد وظيفة تتناسب مع مؤهلها العالي خاصة بعد أن آمنت بأن الكوسة والواسطة هي الحل واستسلمت لهذا الوضع كباقي بنات جيلها ولكن في أحد الأيام وأثناء دردشتها الإلكترونية مع إحدي صديقاتها السعوديات اقترحت عليها أن تكرر تجربتها في صناعة الأكلات البيتية وعرضها علي موقع إلكتروني تنشئه خصيصا لهذا الغرض خاصة أن مني ست بيت شاطرة وطباخة "بريمو".
وبهذا تقضي علي بطالتها وتساعد العديد من السيدات العاملات اللاتي لايجدن الوقت الكافي لإعداد الأطعمة لأبنائهن واقتنعت "مني"بتلك الفكرة وبدأت بتطبيقها وسرعان ما كسبت صيتا واسعا وحققت ربحا معقولا حتي أنها بصدد تأليف كتاب عن الطهي.
وإذا كانت تلك المشروعات قد نجحت في تشغيل بعض الشباب والقضاء علي نسبة ضئيلة من البطالة فإن العبء الأكبر يقع علي عاتق المشروعات الاستثمارية الكبري في المدن الصناعية كالسادس من أكتوبر والعبور ومدينة برج العرب الجديدة وغيرها من المدن التي تستطيع توفير آلاف من فرص العمل فتلك المشروعات يتكامل كل صاحب وظيفة وحرفة بها فهناك المهندس والمحاسب والعامل البسيط وحتي البواب والفراش وهي بهذا ستستوعب كل المؤهلات العليا والمتوسطة وحتي الأميين وقد أدركت الحكومة الحالية ذلك فاستقطبت السعودية وتركيا وحتي ماليزيا إضافة لأوجه التعاون المشترك مع أوروبا.
وعن أهمية تلك المشروعات يقول النائب سيد عارف عضو اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس الشوري:يعتبر الاستثمار هو أمل مصر في القضاء علي البطالة والخروج من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر الآن فاستثمارات القطاعين الخاص والتعاوني في الخطة الاستثمارية لموازنة الدولة تبلغ 169 مليار جنيه بواقع 61٪ في حين تصل استثمارات الهيئات الاقتصادية إلي 17 مليار جنيه، واستثمارات الشركات العامة إلي 35 مليار جنيه، بنسبة 39٪ من استثمارات الخطة وبالطبع لابد من تهيئة الأجواء لضخ مزيد من الفرص وتشجيع المستثمرين خاصة كبار المستثمرين المصريين الذين يعيشون بالخارج.
ويستكمل عارف: ولهذا لابد من تعديل القانون 8 لسنة 1997 لصالح المستثمرين، وإعادة النظر في التشريعات التي تحد من توسيع قاعدة الاستثمار مع مراعاة الحفاظ علي موارد الدولة إضافة إلي مكافحة الفساد المالي والإداري الذي يعوق تلك الفرص مع عدم إغفال الاستقرار الأمني والاقتصادي الذي يرجوه كل مستثمر حتي لايؤثر علي أعماله.
وعن آراء خبراء الاقتصاد في ذلك الحل يقول الدكتور صلاح جودة: لاشك أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر هي مفتاح الحل لهذه القضية فلابد من دعمها بكل قوة مطالبا بضرورة اتخاذ إجراءات سريعة من أجل تنشيط السوق الاقتصادية وتشجيع عودة الاستثمارات العربية والأجنبية من جديد وقد نجحت حكومة الدكتور قنديل في جذب العديد من الاستثمارات العربية خاصة السعودية والقطرية بمدن السادس من أكتوبر وعملت علي إقامة مشروعات كبري لتنمية سيناء بالشراكة مع الدول الأوروبية وتركيا وهذا كله من شأنه توفير مئات من فرص العمل للشباب.
ويستكمل جودة: لكن هناك ضرورة كبري تتعلق بإنجاز القضايا المتعلقة بالفساد والعمل علي تحسين البيئة التشريعية الاقتصادية ووجود ضمانات للمستثمر مثل حق التملك وحق تحويل الأرباح للخارج مما يوفر حماية لأصول المستثمر وممتلكاته وكذلك تدريب الأيدي العاملة من أجل تقديم عمالة مدربة تجذب الاستثمار وأنه يوجد عدة ضمانات لإمكان القضاء علي البطالة في مصر أولها إطلاق الحريات النقابية لأن النقابات التي كانت تابعة للحكومة السابقة لم تكن معبرة لوجهة نظر ورغبات وطموح العمال في مصر.
ويختتم جودة حديثه مطالبا البنوك بتسهيل إعطاء القروض للشباب حتي يتسني لهم إنجاح مشروعاتهم ولتكون نواة للعديد من مثيلاتها.
ويري الدكتور رشاد عبده أستاذ الاقتصاد ورئيس المنتدي المصري للدراسات الاقتصادية:الدعاية الجيدة للاستثمار في البلاد هي من ستجذب المستثمرين ولابد علي الحكومة أن يكون لديها رؤية واضحة لاستقطابهم كما لابد من الاهتمام بالمستثمر المصري علي السواء وضرورة حل مشكلاته ففي حال استقرار المستثمر المصري لدي السوق فإن ذلك يعطي انطباعا بأن البيئة خصبة للاستثمار.
أما عن سبل تشجيع المشروعات الصغيرة فيقول:علي الصندوق الاجتماعي للتنمية الاهتمام بما يقدمه الشباب من أفكار وتبنيها للإسهام في القضاء علي البطالة.
تعد البطالة من أخطر المشاكل التي تواجه مصر التي تختلف من منطقة إلي أخري، ومحافظات الصعيد لها نصيب الأسد من هذه المشكلة، فلا توجد مشروعات استثمارية أو مصانع لاستيعاب الشباب أو وظائف للخريجين من أبناء الجنوب الذين يهاجرون للعمل بمهن مختلفة عن تخصصاتهم الأصلية بمحافظات الوجه البحري أملاً في توفير لقمة العيش، مما يزيد من الزحام والتكدس السكاني بالوجه البحري.
آلاف الخريجين من أبناء الصعيد لبسوا ثوب التخرج وأخذوا استراحتهم بعد آخر فصول التعليم، واحتفلوا وأهلهم وأصدقاءهم بنجاحهم وتخرجهم في المعاهد والكليات، وما إن تنتهي هذه الاحتفالات حتي يبدأ بعضهم في البحث عن وظيفة ويبدأوا في الاتصال ببعضهم ليعرفوا الأماكن التي يمكنهم تقديم ملفاتهم وسيرهم الذاتية بها، بينما يقف البعض الآخر مكتوف الأيدي لما يسمعه عن شبح البطالة وظروف سوق العمل، ويفرحوا جميعاً عندما تتاح لهم فرصة عمل ويستقبلون اتصالاً من شركة أو مؤسسة تطلب مقابلتهم فيذهبوا جميعهم إليها وبعد انتهاء المقابلة ينتظرون الفرج الذي في أغلب الأحيان لا يأتي ؟؟!!، وتشخيص هذه المشكلة ليس به غموض فالأمر واضح تماماً ويحتاج إلي نظرة وإهتمام من الحكومة ورجال الأعمال بخلق فرص عمل من خلال الاهتمام بالصعيد وتنميته وإقامة المشروعات به .
حكايات العاطلين في صعيد مصر
يقول (خالد عبداللاه أحد أبناء محافظة قنا، 32 سنة)، حصلت علي دبلوم ثانوي صناعي ثم أديت الخدمة العسكرية لمدة عامين وبعدها لم أجد وظيفة حكومية حتي الآن، ولا أعمل في مكان واحد، فنهاراً أقف في أحد محلات البقالة وأتقاضي 20 جنيها من عمي صاحب هذا المحل، وليلاً أخرج مع خالي الذي يعمل تاجر غلال، حيث نذهب إلي منازل أقاربنا ممن يريدون البيع ودوري حمل الأجولة الفارغة التي نذهب لتعبئتها بالغلال التي نشتريها، وفي بعض الأيام نخرج نأخذ جولة في المحافظة ونعود بالخسارة لأننا نستأجر سيارة ب70 جنيها في الليلة سواء وضعنا بها غلالا أم لا، والأموال التي أحصل عليها بعد كل هذا التعب غير كافية حتي لأكل العيش.
ويري عاطف سليم (أحد أبناء محافظة قنا،25 سنة) أن الحكومة تتعمد تهميش الصعيد، مشيراً إلي أنه تخرج في كلية الهندسة ولم يجد وظيفة حتي الآن، قائلاً فإذا كان مهندس لا يجد عملا فما بالنا بمن معه دبلوم أو الشباب غير المتعلم، موضحاً أنه يسافر في الصيف للعمل بالمقاهي بالإسكندرية ويشعر بإهانة شديدة عندما يقدم الشاي والقهوة للزبائن ويتلقي إهانة من بعضهم أو ينتظر أن يعطف عليه أحدهم ب50 قرشا، ويتقاضي في ورديته التي تبدأ من السابعة صباحاً حتي الرابعة عصراً 15جنيها ينفق منها 9 جنيهات وجبة إفطار وغداء ومواصلات، ويطالبه والده كل شهر بأن يرسل إليه 500 جنيه، فماذا يفعل هل يسرق أو يتاجر في الممنوعات ؟! .
أما محمود صالح ابن محافظة أسوان الذي لم يتجاوزال 16 سنة من عمره رغم أنه متفوق في الدراسة ويدرس في الصف الثاني الثانوي العام بعدما حصل علي93٪ بالشهادة الإعدادية، إلا أنه يعمل مع أبيه في تجارة الأغنام التي يري أنها أكسب وأربح بالنسبة له من التعليم، لأن أبناء عمه حصلوا علي مؤهلات عليا وكانوا متفوقين ولم يجدوا وظائف أو أموالا يصرفون بها علي أنفسهم، لكنه من خلال هذه التجارة يربح أموالا كثيرة تصل إلي 100 جنيه في اليوم الواحد ينفق علي نفسه منها ويدفع ثمن الدروس الخصوصية كذلك منها، مؤكداً أنه وزملاءه لايستوعبون شيئا من شرح المدرسين بالمدرسة وسبب تفوقه أنه يأخذ دروساً في أغلب المواد.
وبنبرة حزينة يقول مؤمن الزهري (من أبناء محافظة سوهاج) حصلت علي دبلوم تجارة منذ عام 1995م، وعمري تعدي ال36 سنة أشعر أنني قاربت أخرج إلي معاش ولم أجد وظيفة، لكني أعمل منذ أكثر من خمس سنوات بمركز شباب بعقد مؤقت أتقاضي 245 جنيها، كما إنني متزوج وأبنائي أربعة كيف أصرف عليهم من هذا الراتب الذي لا يكفي شخصا واحدا؟!، وأطالب الحكومة بتعييني ، وهناك شباب كثير ليس لهم وظائف أو أي مصدر دخل فماذا يفعلون هل يسرقون ؟!، وأحذر من عدم استثمار هذه الطاقات البشرية وإلا فإن معظم هؤلاء الشباب سيكون مصيرهم الضياع، مستنكراً عدم اهتمام رجال الأعمال الذين أغلبهم من الصعيد بمحافظاتهم .
ويتحدث إسلام لطفي أحد أبناء مركز ساقلتة بسوهاج عن نفسه قائلاً: عمري تخطي ال25سنة، حصلت علي ليسانس آداب وتربية من جامعة سوهاج بتقدير عام جيد وذلك عام 2009م وحتي الآن لم أجد وظيفة، مما يجعلني أذهب للعمل بمحافظات الوجه البحري في شركة أو سوبر ماركت مقابل 600 جنيه شهرياً، بالطبع المبلغ لا يكفي شيئا، لكن أفضل من النوم بالمنزل، ولا يوجد أي اهتمام بالملف الاقتصادي بالصعيد ومعظم الشباب الذين يعملون بالوجه البحري صعايدة وأكفأ من أي شباب آخر في قوتهم وتحملهم ظروف العمل، كما إن الملف التعليمي مخز، لأن التعليم وخاصة الثانوي والجامعي بالصعيد تحول إلي استثمار من قبل المدرسين الذين يستغلون الطلبة في الدروس الخصوصية، وكذلك في ضرورة شراء مذكرات نهاية العام بالجامعات، كما إن المدارس الخاصة قليلة جداً في الصعيد بخلاف الوجه البحري، لأنها تعمل علي حل ولو جزء من الوظائف حيث يتعاقد خريجو كليات الآداب والتربية معهم للتدريس، فإذا افترضنا أن 80٪ من أبناء الوجه البحري حصلوا علي ليسانس آداب وتربية ولم يجدوا وظيفة فإن 40٪ منهم يعملون في مدارس خاصة مما يحل جزءا من الأزمة بخلاف الصعيد، فإلي متي سيستمر التهميش الحكومي للوجه القبلي والتعامل معه وكأنه ليس تابعاً لمصر ؟!.
ويقول فارس صديق (من محافظة أسيوط وعمره 36 سنة)، حصلت علي دبلوم تجارة ولا أجيد القراءة والكتابة، وقد لا يصدقني الناس لكني أؤكد لهم أن هذا حال كثير من أبناء الصعيد بصفة عامة وأسيوط بصفة خاصة، فالشهادات أصبحت بلا فائدة ومن السهل الحصول عليها، لكن الصعب هو المعيشة في هذا البلد الذي لا تراعي وجودنا ولا ينظر إلينا كمواطنين مصريين، توفي والدي منذ خمس سنوات وأنا أكبر إخوتي الأربعة الآخرين وحتي الآن لم أستطع الزواج لأني أصرف علي إخوتي ووالدتي التي تعاني من المرض وتغيير دم شهرياً، وما أكسبه من مهنتي كميكانيكي سيارات فقط يكفي ما أصرفه علي أسرتي، والحمد لله أننا بخير ونستطيع أن نتحرك ونعمل، لكن ذلك لا يعني أننا نسامح الحكومة في هذا الإهمال وعدم نظرتهم إلينا.
ويطالب لطفي أبوضيف (من أبناء محافظة أسيوط، 24 سنة) بتكوين هيئة لتنمية الصعيد تتولي حصر وتحديد نسبة البطالة بالصعيد وعدد الشباب العاطلين وسرعة توفير فرص عمل لهم، لأن أغلب أبناء الصعيد يهاجرون إلي الوجه البحري لكي يعملوا في أي مجال وأغلب المجالات التي يعملون بها المقاهي ومحلات السوبر ماركت وأعمال البناء، لكن ذلك ليس الحل لمشكلة البطالة بالصعيد فهي أعمال غير مضمونة وإذا وجدوها يوما قد لا يجدونها أو يطردون منها اليوم الثاني، هذا بخلاف الزحام والتكدس السكاني بالوجه البحري، كما إن الصعيد مهمل تماماً وليست هناك أي اهتمامات من الحكومة به، فلماذا لا يأتي رجال الأعمال ويقومون بإنشاء مشروعات ومصانع لتوفير فرص عمل لهؤلاء الشباب؟!.
ويقول أحمد خضير (من محافظة المنيا، 20 سنة) إنه يدرس في الصف الثالث بكلية حقوق جامعة أسيوط ويعمل مع أبناء عمه تاجراً للمواشي ويري أن مستقبله في هذه المهنة فلا توجد وظائف في الدولة ويعلم أنه إذا حصل علي شهادة الحقوق وتقدم لإحدي الكليات العسكرية أو النيابة لن يتم قبوله لأن مهنة أبيه فلاح ولا يوجد معهم واسطة أو أموال يدفعونها للدخول إلي إحدي هذه الكليات، بينما فكر في أن يعمل في تجارة المواشي التي لا تحتاج إلي واسطة أو دفع رشوة لكي يعمل بها وفي نفس الوقت تدخل له مالاً يستطيع أن يكون نفسه من خلاله، وهو ما فعله، وعن سبب بدئه في هذه التجارة مبكراً يقول لكل مهنة أسرار لذلك فضلت أن أخوض التجربة مبكراً لأفهم هذه التجارة وكيفية التعامل مع الناس وبذلك وفرت لنفسي عملا قبل أن أتخرج في الجامعة.
ذهب نظام المحسوبية وجاء آخر
ولايزال إحباط الشباب مستمراً ..حالة من الإحباط الجماعي تسيطر علي الشباب المصري بعد أن فقد الأمل في الحصول علي فرصة عمل والعمر يتقدم به وهو يتنقل من مقهي لآخر أو يسير في الطرقات بحثا عن باب أمل يوفر له فرصة حقيقة وليس وهما يبيعه المسئولون في الدولة في محاولة لكسب رضا الشعب وجذب الأضواء الإعلامية لهم، لم يختلف الأمر كثيرا قبل الثورة أو بعدها فالنتيجة واحدة وهو شباب عاطل بل أضافت الثورة اليأس والإحباط فكان أبرز مطالب الشباب في ثورة 25 يناير العمل والقضاء علي البطالة وبعد أن رحل النظام الذي ظل 30 عاما لا يوفر فرص عمل سوي لأصحاب الواسطة فقط، جاء نظام يبيع الوهم الوظيفي للشباب ويحطم أحلامهم .
ومن واقع تقرير منظمة العمل الدولية نعرض الحالة التي باتت تهيمن علي الشباب المصري فذكرت أنه في تقرير عن أحوال العمالة في 118 دولة علي مستوي العالم أن (الإحباط الجماعي) الذي يسيطر علي الشباب في مصر من عدم حصولهم علي وظيفة لائقة بنفس القدر الذي يتمكنون به من الحصول علي فرصة جيدة للتعليم هو السبب الرئيسي لحركة الاحتجاج السياسي التي اجتاحت البلاد خلال هذه الفترة، كما أكدت أن واحدا من بين كل أربعة شباب هناك عاطل فبعض أصحاب في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومن بينها مصر رغم التقدم الذي تم في مجال تعليم الفتيات والشباب خلال السنوات الاخيرة ، كما أن هناك مشاكل هيكلية عميقة متجذرة في مصر تجعلها واحدة من أعلي دول العالم في معدل البطالة إلي جانب تخلفها الشديد في استغلال الطاقات الإنتاجية لاقتصادها والشباب يواجه صعوبات كثيرة في الحصول علي وظيفة ثابتة، وحذرت المنظمة من اتساع دائرة الإضرابات الاجتماعية بسبب زيادة البطالة.
ومن واقع قصص الشباب في رحلة الحصول علي فرصة عمل يقول محسن مجاهد بكالوريوس تجارة 28 عاما، مازلت أبحث عن عمل منذ أن تخرجت.. والحقيقة أنني عملت في مجالات مؤقتة حتي لا أتسول كل يوم مصروف جيبي من والدي وعلي الأقل استطيع أن أوفر لنفسي احتياجاتي الشخصية ، فبعد ثورة 25 يناير كثرت الإعلانات عن الوظائف الخالية وخاصة الحكومية لدرجة أن الجميع يسأل أين كانت هذه الوظائف ولمصلحة من إخفاؤها والحقيقة الغائبة هي أن النظام الجديد حاول امتصاص غضب الشباب الثائر لفترة وجيزة إلي أن اشتعلت الشرارة مرة أخري.
يقول أمين عبد الله بكالوريوس هندسة قسم كمبيوتر: ظن البعض أنه بعد ثورة 25يناير سوف تفتح الأبواب للحصول علي وظيفة مناسبة ولكن انتشرت الإعلانات الوهمية للمسئولين وأخذ جميع الشباب في ملء الاستمارات الخاصة بهم في محاولة للحصول علي أي وظيفة يستطيع أن يبدأ بها حياته مستقرا وعند الوصول إلي المكاتب التي أعلنت عن حاجتها إلي خريجين ظل صامدا أمام طابور الشباب العاطل الذي يبحث عن عمل إلي أن جاء دوره وأخذت الأوراق الخاصة بالمؤهلات وانتظرت طويلا وعندما ذهبنا إلي السؤال عن وضع هذه الأوراق التي تم أخذها قال أحد العاملين لما يبقي ييجي الدور بقي أو يتم تصفية العاملين بأجهزة الدولة ثم قاطعه زميل موظف بالجهاز: الإعلان عن الوظيفة كان لمجرد حصر عدد العاطلين في الدولة فقط.
بينما يري محمد محمود 32 عاما بكالوريوس علوم ، أن فرصة العمل الحقيقية المستقرة مازالت مفقودة فقد بدأت بالعمل في إحدي شركات الأدوية وفي أعقاب الثورة قام صاحب الشركة بتصفية العاملين وأصبحت عاطلا بدون عمل أحاول كسب قوت يومي بالكاد من خلال بعض المجالات المختلفة.
ويوضح شهاب فتحي خريج حقوق : بالطبع لم أجد وظيفة حكومية أستطيع الحصول عليها فذهبت إلي القطاع الخاص وأنا أشعر بعدم وجود الأمان الوظيفي به فبعض أصحاب الشركات يعكفون علي استغلال العمال ويعطونهم أجورا ضعيفة مقارنة بمرتبات الخبراء الأجانب وبعد أن لمست كل هذه المعاناة قررت خوض تجربة العمل الحر وفتح مكتب محاماة خاص بي أو أفتح محلا كبيرا للاتصالات دون الانتظار في طابور الوظائف الحكومية.
أما نهي محمد 30 سنة ، فقالت: فور تخرجي من المعهد قررت العمل في مجال الغزل والنسيج الذي أعشقه وكان ذلك في العاشر من رمضان ، أي في القطاع الخاص وبعد فترة وجيزة اكتشفت أن صاحب العمل يستغل العاملين فالشركة لاتوفر المواصلات والمرتب يوفر الطعام والذهاب بالكاد فلماذا استمر فيه وعلي الرغم من احتياجي للعمل إلا أنني قررت تركة والعمل بائعة بأحد المحلات. والآن يعم اليأس والإحباط جميع الشباب ولكن هل من حلول وإذا جلسنا في المنزل من يعطينا المصروف .
وتعلق علي حالة الإحباط واليأس التي أصابت الشباب الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع قائلة: إن النظام الماضي تفنن في التهوين من مشكلة البطالة والعبث بالأرقام إلي أن وصل الأمر به إلي تزييف الواقع ليتناسب مع سياسته الحاكمة ثم جاء نظام كل هدفه هو كسب الشو الإعلامي دون مراعاة حالة الغضب واليأس التي أصابت الشباب ومما لاشك فيه أنها ستؤدي إلي نتائج ربما تظهر الآن في شكل سياسي. ولكن بعد ذلك ستكون النتيجة مغايرة وتؤثر علي المجتمع ككل فيتحول الشباب العاطل إلي مدمن وبلطجي خاصة أن مصر تعاني من الغياب الأمني .
وأضافت د.عزة أن هناك جزءا لايمكن إغفاله في قضية البطالة وهي نظرة المجتمع المتدنية لبعض المهن البسيطة والتي تصيب أصحابها بالإحباط وينتج عنها حقد اجتماعي بين فئات المجتمع كما أن النظام التعليمي مازال فاشلا في مواجهة احتياجات سوق العمل من الخريجين من حيث الكفاءات المهنية ومستوي المهارة في المدارس والجامعات لأن التعليم يجب أن يكون مواجها لخدمة عدة أمور منها ملاحقة آخر ماوصل إليه البحث العلمي وخاصة أن البرامج التعليمية التي تعطي للشباب لم تعد قادرة علي مواجهة احتياجات سوق العمل .
يعلق محمود العسقلاني منسق حركة "مواطنون ضد الغلاء " ، أن إعلانات الحكومة الوهمية للوظائف الخالية للشباب بهدف تفريغ الشباب من شحنات الغضب الناتجة عن البطالة كما أنه تلقي عددا كبيرا من طلبات التوظيف من الشباب أعقاب ثورة 25يناير مما يبرز أنها كانت أهم شرارة في الثورة وضلعا أساسيا فيها ولكن "لاحياة لمن تنادي "
هروبا من شبح البطالة :
باعة جائلون.. بشهادات جامعية
عدد كبير من شباب مصر يحملون شهادات جامعية، لكن صعوبة الحصول علي فرصة عمل دفعتهم إلي تغيير المسار، والرضا بأي مهنة حتي وإن كانت وسط الباعة الجائلين، وهكذا افترشوا أرصفة الشوارع بحثا عن لقمة العيش، في ظل ظروف اقتصادية صعبة أصبحت فيها فرصة العمل عملة نادرة.
يقول ماهر أحمد (طبيب أسنان) إنه يعمل نهارا في المستشفي ويضطر مساء إلي العمل كبائع متجول في ميدان رمسيس حتي يستطيع تغطية نفقات أسرته، وهو يتعجب من حاله حيث يقول إنه خائف لو رآه أحد المرضي من الذين يقوم بعلاجهم فماذا سيقول لهم؟
وأضاف ماهر أنه حاول كثيرا الحصول علي قرض من أجل أن يفتح عيادة خاصة له ولكن دون جدوي وفجأة قرر أن يلقي خلفه 18عاما من التعليم حتي يستطيع أن ينفق علي زوجته وأبنائه.
ويوجه رسالة للحكومة قائلا لها: إذا أردت أن تقضي علي ظاهرة الباعة الجائلين فعليك بتوفير فرص عمل ولكن طالما الحال علي ما هو عليه نريدك أن تتركينا حتي نستطيع أن نعيش وننفق علي أسرنا بدلا من التسول أو السرقة.
يقول كريم ناصر مهندس اتصالات (دفعة 2008) إنه كان يعمل في إحدي شركات المقاولات في المنطقة الصناعية بمحافظة 6 أكتوبر، ولكن تم رفته من هذه الشركة بعد الثورة مباشرة بسبب وقف العمل في البلاد لفترة كبيرة وأنه كان غير مثبت »معين« خلال هذه الفترة.
وعن عمله الحالي يقول إنه اضطر لأن يعمل فيما يسمونه بالباعة الجائلين حتي يكون لديه عمل بدلا من الجلوس علي الكافيتريات.
يقول ممدوح عبدالتواب (35عاما) دبلوم صنايع إنه يبيع الأدوات الصحية أمام مبني دار القضاء العالي، وسبب عمله في هذه المهنة أنه قدم في كثير من الوظائف ولم يسأل فيه أحد.
وأضاف أنه يمتلك رخصة سائق درجة ثالثة مهنية وقام بالتقدم لوظيفة لشركات نقل عديدة وهو مازال حتي الآن في انتظار الرد حتي يقوم بإرضاء الحكومة حسب تعبيره بأن يبتعد عن هذا العمل.
تقول الدكتورة (إنشاد عز الدين) أستاذة علم الاجتماع بجامعة الزقازيق إن ظاهرة الباعة الجائلين لا مفر منها في مصر طالما بقيت البطالة بنسبتها العالية الموجودة الآن.
وأضاف أن هذه المهنة حلال فيجب تغيير نظرة المجتمع لها، فيجب أن تكون النظرة نظرة احترام وتقدير، فالباعة الجائلون علي درجة كبيرة من الاحترام، ولديهم حس، وعنده مهارات تجعل لديهم القدرة علي البيع والشراء وهذه القدرة تجعل البائع يكسب أكثر من غيره.
وعن الباعة الجائلين المثقفين تضيف أن بطالة المتعلمين أكثر خطورة من بطالة الأميين حيث إن المتعلم يكون لديه الآمال والأحلام ولكن عند اصطدامه بالواقع ويجد نفسه دون عمل يكون لديه الاستعداد بسبب أن الفرص المعروضة أقل من المطلوب.
الخبيرة النفسية د. رحاب العوضي:
البطالة.. طريق شباب مصر إلي المجهول!
ملايين من الشباب المصري يعانون البطالة. بعضهم حصد مراتب عليا في التعليم وآخرون لم يحالفهم الحظ، وفي النهاية جمعهم مكان واحد "مقهي العاطلين". الانتظار طويلاً وترقب فرصة عمل، أمل يعيش عليه هؤلاء وما أن يطول أمد الانتظار تظهر المشكلة بعواقبها الوخيمة.. مشكلات نفسية عدة مثل القلق والتوتر والاكتئاب المزمن وقد يصل الأمر إلي حد الانتحار. خبيرة علم النفس د.رحاب العوضي تقرأ سيكولوجية الشاب العاطل وتفتش عن الحلول في دفاتر المهارات الشخصية وتقدم مفاتيح القبول لأي وظيفة، في سياق السطور التالية.

المشكلات النفسية التي يتعرض لها الشاب العاطل عديدة، أبرزها التوتر والقلق والخوف من الغد ثم الاكتئاب الذي يتراوح بين درجات مختلفة إلي أن يصل بالبعض إلي حد الشعور باليأس والانتحار، هكذا تقول د.رحاب العوضي مشيرة إلي أن اليأس يجعل العاطل متشككاً في كل ما حوله، وهكذا قد ينتج عن حالة الفراغ التي يعيشها، اللجوء إلي الإدمان أو الجريمة علي اختلاف أنواعها، وقد يؤدي شعوره بالتوتر والقلق إلي إصابته بأمراض سيكوسماتية، وهي أمراض عضوية ظاهرياً وسببها نفسي مثل قرحة المعدة والقولون وأمراض القلب والعظام. ولا يتساوي التأثير النفسي علي الشاب مثله علي الفتاة، وتفسر ذلك د.رحاب بقولها إن المجتمع المصري لديه موروث اجتماعي بأن "البنت آخرتها الزواج" وليست مطالبة بشقة أو راتب شهري لفتح بيت، لكنها تنتظر الشاب ليجمع هذه المتطلبات ويتزوجها، فنجد أن البنت ليست مطالبة بالعمل بشكل قهري مثل الشاب، ولكن هناك حالات اقتصادية واجتماعية تجبر فيها الفتاة علي العمل، كأن لا يكون لها عائل أو رغبة منها في تجهيز نفسها أو المساهمة في الإنفاق علي أسرتها، وهذا يحدث في الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة، أما الطبقات الأعلي فنجد الفتاة تعمل لمجرد قتل الوقت أو إثبات الذات والاندماج الإيجابي في المجتمع.
ورغم قيام ثورة يناير 2011 إلا أنها لم تستطع حتي الآن تلبية رغبة ملايين العاطلين في الحصول علي فرصة عمل تضمن لهم ولذويهم حياة كريمة، وفي هذا الشأن تقول رحاب العوضي: للأسف هذا أمر حقيقي، لأننا صرنا طبقات بينها فواصل كبيرة أقوي من حائط برلين الذي قسم الشعب الألماني. فثورة يناير لم تنجح في كسر الفاصل الطبقي بين المصريين حتي الآن، فبينما غلب الألمان حائط برلين، لم نقدر نحن علي كسر حائط المحسوبية والوساطة.
تتابع الدكتورة رحاب: ميراث عدم الثقة بين الشعب والحكومات المتعاقبة في عهد النظام البائد، كان كفيلاً بألا يصدق ملايين العاطلين في مصر أي وعود سابقة أو لاحقة في العهد الجديد، فقد ظلت المحسوبية هي القاعدة الأساسية في توظيف أي شاب يبحث عن فرصة عمل، حتي أن أي هيئة حكومية ما إن تعلن عن توافر فرص عمل لديها تجد الشباب غير عابئ بهذا الإعلان بل إنه يسخر لعلمه مسبقاً بزيف هذه الإعلانات وأن الوظيفة حتماً ستكون لأبناء العاملين في الهيئة الحكومية أو من يحملون واسطة كبيرة تكفل لهم الحصول عليها دون عناء تجهيز الأوراق المطلوبة وتقديمها وتسديد بعض الرسوم.
الهجرة كانت ومازالت حلماً يتطلع إليه الكثير من الشباب في مصر، لتجاوز شبح البطالة والقفز عليه، وفي هذا السياق تقول رحاب: الهجرة غير الشرعية أحد أساليب الانتحار المقنع وبخاصة إذا كانت عن طريق مراكب الموت التي تنقل الشباب إلي أوروبا ومازالت هذه الظاهرة موجودة حتي بعد الثورة، فتلك هي نتيجة طبيعية لشعور العاطلين باليأس.
أما الهجرة الشرعية التي يسافر فيها الشاب ويستقر في بلد عربي أو أجنبي ويعمل في خدمة هذا البلد ويحترم قوانينه، فأي إنسان تتوافر له حياة كريمة في أي مكان سيظل متواجداً فيه ومرتبطاً به حتي وإن تعلق قلبه بوطنه الأصلي لأن الإنسان بطبيعة الحال يميل إلي الحياة الأفضل، إذ ليس من المنطقي أن نطالب الشباب بالتفاؤل ونقول لهم "بكرة أحلي من النهاردة" من دون إثبات أو برهان علي هذا الكلام.
ولكن علي الحكومة أن تحاول تجنب أخطاء الماضي، واستبدال شعارات النظام البائد بالعمل الفعلي علي خلق فرصة عمل تتيح الاستفادة من كل الخبرات العاطلة، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال استثمارات جديدة وإنشاء مشروعات مختلفة تخلق فرص عمل عديدة تستوعب كل التخصصات، وتكون عاملاً أساسياً في دفع عجلة الإنتاج وزيادة الدخل القومي للبلاد.
ورغم تحميلها العبء الأكبر في قضية البطالة علي الدولة إلا أن رحاب العوضي، تؤكد في الوقت ذاته أن البطالة لها أسباب أخري تتحملها الأفراد وسلوكياتهم، فحتي مع توافر قوانين للمساواة في الفرص بين جميع المواطنين نجد أن المحسوبية والوساطة سلوكيات يكسر بها البعض هذه القوانين والثوابت، وهنا تظهر مهنة العائلة الواحدة في قطاعات مميزة بعينها مثل البترول والإعلام، بينما لا يجد البسطاء من المتعلمين فرصة لاقتحام هذه المجالات، لأنهم ليسوا من أبناء العاملين، وكأن بعض المهن أصبحت حكراً متوارثاً علي عائلات بعينها، وهذا بدوره يصيب غير القادرين ومن هم لا يملكون واسطة، بالإحباط واليأس والحنق من المجتمع.
وتدعو رحاب العوضي إلي تعزيز مبدأ التكاتف والتعاون المجتمعي، وبخاصة بعد ثورة يناير التي يجب أن يتحلي الجميع بمبادئها ويحاول تحقيق أهدافها، ويتحقق ذلك من خلال تبادل الخبرات بين الشباب، فمثلاً يقوم معلم اللغة الإنجليزية بتنظيم دورات مجانية في اللغة لمن يريدون تطوير اللغة لديهم بغية الحصول علي فرصة عمل تتطلب إجادتهم اللغة الإنجليزية، وينطبق ذلك علي المهارات أو القدرات الأخري مثل إجادة بعض برامج الحاسب الآلي.. وغيرها.
وتوضح الخبيرة النفسية أن البطالة لها وجوه عدة بحسب الدرجة التعليمية للعاطل، فهناك بطالة خريجي الجامعات وبطالة خريجي المدارس المتوسطة والذين لم يكملوا تعليمهم، ونجد غالبيتهم أصدقاء للمقاهي والتدخين وأحياناً المخدرات ويعيشون في غيبوبة ينتظرون ظهور مارد المصباح السحري ليقدم لهم فرصة عمل، وسبب عزوف هؤلاء الشباب عن أي مهنة أو التفكير في عمل مشروع صغير هي نظرة الدونية التي ينظر بها البعض لمهن معينة، فنجد وللأسف البعض يعامل البائع أو عامل محطة الوقود أو عامل النظافة باستعلاء شديد، وكأن هذا العامل البسيط مواطن من الدرجة الثانية، في حين نجد كثيرا من الشباب المصري يلجأ إلي السفر للخارج أو الهجرة والعمل في البلد التي يسافر إليه في مهن بسيطة لا تناسب حتي مؤهله الدراسي، فلا يمانع من العمل في غسل الأطباق بالمطاعم أو تنظيف الغرف في الفنادق.. إلي آخر هذه المهن التي لا يمكن أن يقبل بها في وطنه!
وأخيراً تدعو الدكتورة رحاب العوضي جموع الشباب المصري إلي تعلم مزيد من المهارات المهمة التي تفيد حال التقدم إلي وظيفة معينة، وأبرزها كيفية كتابة السيرة الذاتية بشكل صحيح بحيث تتضمن كل المعلومات الأساسية وتوضح قدرات الفرد العلمية والشخصية، ومن المهم أيضاً أن يتعلم الشباب أبجديات المقابلة الشخصية وطريقة الحديث بشكل جيد ليطرح نفسه بأسلوب إيجابي يبرز القدرات العلمية والمهارات الشخصية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.